ناظم الغزالي .. أسطورة العراق الخالدة
* ولد يتيما من أم عمياء وتكفلت به خالته “مسعودة”
* عانى في طفولته وصباه من الفقر الشديد لكنه تحدى كل الظروف وأكمل تعليمه
* بدأ مشواره ممثلا من خلال “أصحاب العقول”، و”فتح باب المقدس”
* كان معجبا بأصوات “محمد عبدالوهاب والقبانجي، وسليمة مراد، ونجاة علي، وآمال حسين، وليلى مراد، وأسمهان”
* احتضنه “حقي الشبلي” ولحن له من كلمات “أحمد شوقي”
* “مجنون ليلى” تعتمده فى الإذاعة العراقية مطربا، وغني لأكبر الشعراء المعاصرين والقدامي
* رحل في عمر الأربعين بعد عودته من بيروت، وتمثيله مع نجاح سلام.
كتب : أحمد السماحي
النجومية ليست هى الإنجاز بل الإنجاز الحقيقي فى كيفية الاستمرار من جيل لجيل حتى بعد أن تموت، لهذا فإن المطرب الأسطورة “ناظم الغزالي” آمن تماما بهذه الفلسفة وعمل عليها طويلا، فدقق فى اختياراته الغنائية، وأنفق من جيبه على فنه، وكان له ما أراد، إذ يظل وحتى الآن “الغزالي” أسطورة فريدة من نوعها في عالم الغناء، ليس فقط في العراق، بل في العالم العربي أجمع بفضل النجاح الذي حققه طوال مسيرته المتنوعة، ومازال مستمرا حتى اليوم .
موتسارت وسيد درويش وأسمهان
إذن لا يقاس العطاء بالفترة الزمنية التى يطول فيها عمر هذا العطاء فقط، ولكنه يقاس بمدى ما يحققه من إضافات فى عالم الغناء، ولأن العطاء ينجح بقدر ما فيه من موهبة وتعبير وإحساس وصدق، فإنه يضمن البقاء الذي يحقق له الخلود حتى ولو لم يتحقق له الاستمرار على قيد الحياة، ومن أمثلة من قصرت سنوات معاصرتهم الزمنية وطالت سنوات بقاء إبداعاتهم، الموسيقار العالمي “موتسارت” والموسيقار المصري “سيد درويش”، وكذلك المطربة “أسمهان”، وكما امتد أثر التعبير لكل من موتسارت وسيد درويش وأسمهان امتد أيضا الأثر الجميل والغناء الفريد لصاحب الحنجرة الذهبية المطرب “ناظم الغزالي”، الذي رحل عن عالمنا وهو فى بداية الأربعينات وبالتحديد 42 عاما، ورغم الرحيل المبكر صمدت أغانيه ومواويله، وتحدت الزمن.
نبرة الحزن
على مدى مشواره الغنائي وحتى بعد رحيله منح “ناظم الغزالي” ملايين المستمعين العرب فرصة المتعة السمعية وهم يتابعون أعماله المشغولة على نبض أحلامهم وآمالهم وانكساراتهم والمنحوتة جماليا من الواقع والمستعادة من التاريخ، منحهم المتعة بجمال صوته وإحساسه المتدفق، وتمثيله الرائع لما يقوله، بحكم دراسته للتمثيل، وأضافت نبرة الحزن الهادئة التى تميز صوت “الغزالي” إليه الكثير، وهذه النبرة الحزينة تبدو نبرة أصيلة وغير طارئه، وكأنها صفة مكتسبة منذ سنوات التكوين وغرس النبت الشخصي الفني في أعوام البدايات.
صوت الغزالي
تميز الغزالي بصوته الجهور، ذوالطبقات العالية والنبرات الحادة، ويصنف ضمن الأصوات الرجالية بأنه “تينور”، ويحتوي على ديوانين، ومع تمرنه فى الغناء أصبح لديه قدره غير عادية على إجادة الموال وتوصيل النوتات بوضوح، بجوابه المتين وقراره الجيد في مختلف ألوان المقامات وأنواعها، وإضافة إلى ذلك كله فقد ساعدته دراسته للتمثيل على إجادة فن الشهيق والزفير في الأوقات الملائمة، والإحساس بالكلمات التى يغنيها.
وقدم بصوته الجهوري هذا العديد من الأغنيات والقصائد التى لا تنسى، والتي تمتزج في بساطة مدهشة بجزالة المعنى المستمد من نبض الشعر العراقي – بيت داء الشعر العربي – الذي يضرب بجذور راسخة في عمق التاريخ، حاملا في طياته عبق أريج عود “زرياب” في تجلياته المرعبة، من أجمل ما غني “الغزالي” قصيدة: “هلا هلا هيا أطوي الفلا طيا” التى كتبها شاعرنا الكبير “أحمد شوقي”، والتى كانت أول قصيدة يتغنى بها وتم اعتماده فى الإذاعة العراقية بها، وكانت من بين قصائد مسرحية “مجنون ليلى” التى قام بتمثيلها عام 1942 مع أستاذه “حقي الشبلي” الذي لحن القصيدة، والتي حول على إثرها “ناظم” اتجاهه، تاركا التمثيل المسرحي ليتفرغ للغناء.
وتحكي القصيده عن الحادي الذي يغني القصيدة أثناء سفرهم وبعدهم عن الديار وشوقهم للأهل والعشب والطير، وتقول كلماتها التى أتمنى أن يبحث عنها القراء ويستمعوا إليها على موقع “اليوتيوب” ليتبينوا عظمة هذا الصوت وتفرده:
هلا هلا هيا أطوي الفلا طيا
وقرب الحي للنازح الصب
جلاجل في البيد شجية الترديد
كرنة الغريد في الفنن الرطب
أناح أم غنى أم للحمى حن
جليجل رن في شعب القلب
ويقصد بـ”جليجل رنا” أي معناها صوت جرس الابل عند المشي يقول لجليجل طيري إلى أهلنا وإلى ديارنا، ولم تكن هذه القصيدة الوحيدة التى غناها لشاعرنا “أحمد شوقي” فغنى له أيضا “شيعت أحلامي” التى يقول مطلعها :
شيعت أحلامي بقلب باكي
ولممت من طرق الملاح شباكي
ورجعت أدراج الشباب ودوره
امشي مكانهما على الأشواك”
المتنبي والأحنف، والحمداني
لم يكن الشاعر الكبير “أحمد شوقي” هو الوحيد الذي تغنى من أشعاره، فغني “الغزالي” لشعراء آخرين منهم الشاعر “البهاء زهير” الذي غني له رائعته الشهيرة “يا من لعبت به شمول” التى لحنها “عثمان الموصلي”، وأعاد توزيعها “وديع خوندة” والتى يقول فيها:
يا من لعبت به شمول
ما الطف هذه الشمائل
نشوان يهزه دلال
كالغصن مع النسيم مائل
وغني للشاعر “إيليا أبوماضي” قصيدته الشهيرة التى ما زالت تتردد حتى اليوم “هدية العيد” التى يقول مطلعها :
أي شيئ فى العيد أهدي اليك
يا ملاكي وكل شيئ لديك
أسوارا أم دملجا من نضار
لا أحب القيود في معصميك
أم خمور وليس فى الأرض خمر
كالذي تسكبيه من عينيك”
وكان للشاعر العظيم “المتنبي” نصيب كبير مع “ناظم الغزالي” فغنى له أكثر من قصيدة أشهرهم قصيدة “يا أعدل الناس” التى يقول في بدايتها :
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيئ بعدكم عدم”
كما غنى للشاعر العباسي الرقيق “عباس بن الأحنف” الذي نشأ وعاش في العراق قصيدته الجميلة “غضب الحبيب” التى أختار من بين أبياته مجموعة من الأبيات التى تناسبه والتى يقول فيها:
يا أيها الرجل المعذب نفسه
اقصر فأن شفاءك الأقصار
نزف البكاء دموع عينيك فاستعر
عينا لغيرك دمعها مدارا
من ذا بعيرك عينه تبكي بها
أرأيت عينا للبكاء تعار”.
وللشاعر الشهير “أبو فراس الحمداني” الذي غنت له “أم كلثوم”أغنية “أراك عصي الدمع” غني له “الغزالي” قصيدته الشهيرة “أقول وقد ناحت” التى ارتبطت باسم “الغزالي” ارتباطا وثيقا، وتغنى بها كثير من المطربين، والتى يقول مطلعها :
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارتا لو تشعرين بحالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي”
تنويعات على مقام الابداع
أحببت أن أبدأ كلامي عن “ناظم الغزالي” بذكر أشهر قصائده التى قام بغنائها، ولا يعرفها الكثير من القراء خاصة المصريين، للتدليل على أنه ليس مطرب “عيرتني بالشيب” أو “فوق النخل”أو “طالعة من بيت أبوها” أو “يا أم العيون السود” أو “أحبك وأحب كل من يحبك”، أو “سمراء من قوم عيسى” أو “مروا على الحلوين” أو “قل للمليحة”، أو غيرها من الروائع التى غناها ومازالت تتردد حتى اليوم بصوته أو بصوته غيره من المطربين الموجودين حاليا، فعلى حنجرته ذابت قصائد كبار الشعراء، فبيئته العراقية صاحبة ذوق رفيع في الشعر الذي يستمد مشروعيته ومبرر وجوده من حب الناس له، فالشعر والعراق ولدا من رحم واحدة، إنه التلازم العجيب في أعماق الإنسان العراقي فهناك احتداما وتشابكا، عنفا وجمالا وحبا للوجود والحياة، فهو لا يتشكل ولا يتنفس ولا يتبلور ولا يحلو إلا في الشعر مبدعا ومتلقيا ، منشدا وسامعا ، قارئا وخالقا للقصيد أيا كان شكلها وكيفما كانت صورتها.
البداية الحيدر خانة
تعالوا بنا نتوقف قليلا عند نشأة “ناظم الغزالي” الصعبة جدا، التى تنقل فيها بين اليتم والفقرالمضجع، ونعود بالزمن إلى عام 1921 وتحديدا في منطقة “الحيدر خانة” وفي غرفة متواضعة جدا – كما يذكر الأستاذ كمال لطيف جاسم صاحب كتاب ناظم الغزالي – سمع سكان ذلك البيت صوت “الجهادية” وهى تستنجد وتكرر صراخها دون أن يبالي أحد ممن كان يجاورون غرفتها بهذا الصراخ، كان الجميع من حولها منشغلا بهمومه وجوعه فالجميع يعانون من الفقر، غير أن الصراخ الحاد جعل النسوة يهرعن إلى غرفة تلك المرأة العمياء “جهادية” فوجدوها فى حالة يرثى لها، وعندما سمعت “جهادية” وقع الأقدام فى غرفتها أخذت تصرخ : أين مسعودة، أين أختي مسعودة؟، فقالت لها النسوة: لماذا تركتك هنا ألم تفكر بحالتك وإنك على وشك ولادة؟! زمت “جهادية” شفتيها وهى تكتم الألم قائلة: لا توجد رحمة فى هذا المكان، الجميع يستغلني لأني عمياء!.
ناظم أحمد الغزال
أحاطة النسوة بـ”جهادية” كالسوار بالمعصم حتى انبعث صراخ المولود الجديد”ناظم أحمد خضر الغزال”، الذي فرحت به “جهادية” وطلبت من النسوة أن يتأكدن أنه سليم وليس مشوها أو به شيئ، وفى هذه اللحظة دخلت شقيقتها “مسعودة” وأطمأنت على المولود وراحت تمسح العرق من على وجه أختها التى أجهدتها الولادة، ثم تناولت المولود، وأخذت تمعن النظر في ملامحه الوسيمة، وتمتمت “جهادية” ببضع كلمات وجدت “مسعودة” صعوبة في فهمها، وأعطتها الولد الذي وضعته على صدرها وقالت بحنان: يا عيني التى أرى بها؟.
سليمة باشا مراد
طفولة حزينة
توالت الأيام صعبة حيث كانت “جهادية عبدالله” لا تأكل كي توفر الحليب لمولودها “ناظم” الذي ولد يتيم الأب، ومرت الأيام والشهور ثقيلة، عاش الطفل “ناظم” طفولة قلقة وغامضة وحزينة، فتنقل بين حنان أمه الضريرة والفقر والبحث عن لقمة العيش، حيث كانت والدته تعيش على الكفاف بعد أن توفى زوجها وتركها للأيام القاسية مع ولدها، وبعد فترة اضطرتها الظروف لترك منطقة “الحيدر خانة” والسكن فى محلة “سور الكرنتينة”، حيث نزلوا في بيت الحاج “حمودي حسين محمود” وزوجته، وفى هذا البيت وجد “ناظم الغزالي” الرعاية هو ووالدته، وتربى “ناظم” مع أولاد الحاج “حمودي” وكأنه واحد منهم.
وأثناء ذلك التحق بمدرسة “المأمونية”، لكن كان القدر له بالمرصاد ففى الوقت الذي بدأ الدراسة ماتت والدته “جهادية عبدالله” ورعته خالته ” مسعودة” حيث كانت تستلم راتبا تقاعديا ضئيلا لا يتجاوز الدينار ونصف، وكانت هذه المرأة تحمله إلى المدرسة وتنتظره حتى يخرج لتعود به إلى بيت الحاج “حمودي”، وفى هذه الفترة لاحظ الجميع أن الطفل “ناظم” ذكيا جدا وبشوشا ويحب المرح، ويحب التأمل والاختلاط بالناس، مما جعل من يعاشره يحبه ويشعر بالعطف نحوه.
حسن خيوكة وعبدالوهاب
بعد انتهائه من المرحلة الدراسية الأولى والمتوسطة بشق الأنفس ووسط صعوبات مادية ونفسية بالغة، ونظرا لعشقه للفن وحبه لصوت الموسيقار “محمد عبدالوهاب” و المطرب “حسن خيوكة” التحق بمعهد الفنون الجميلة، وكان يعمل فى الإجازات الصيفية حتى يوفر نفقات تعليمه، لكنه لم يستطع القدرة على نفقات الدراسة، فترك المعهد، واضطر للعمل في أكثر من وظيفه، فعين مراقبا في مشروع الطحين، ثم مشرفا على الملاهي والكازينوهات والسينمات، حيث تعرف في تلك الفترة على رفيق دربه بعد ذلك الموسيقار وعازف القانون “سالم حسين”، حيث جمعهما إعجابهما بصوت المطربة المصرية “آمال حسين، وزميلاتها “عصمت عبدالعليم” اللتان كانتا موجودتان فى هذه الفترة في العراق.
وكان فى هذه الفترة يحرم نفسه من الأكل ليشترى أسطوانات المطربين والمطربات مثل “محمد القبانجي، سليمة مراد، بدرية أنور، أسمهان، ليلى مراد” وغيرهم، ووطد علاقته مع مجموعة من هواة الطرب حتى يستمع عندهم إلى الاسطوانات التى اشتراها، وإن كانت الظروف أبعدته عن المعهد، لكنها لم تمنعه من استمرار اهتمامه بالفن والثقافة، وحفظ أغاني كبار مطربي ذلك الوقت مثل “عبدالوهاب، والقبانجي، وفريد الأطرش، ونجاة علي”.
حقي الشبلي
فى هذه الفترة تعرف على أستاذه الأول “حقي الشبلي” الذى كان من المحطات الهامة في مشواره الفني، والذى أعاده إلى معهد الفنون الجميلة واحتضنه حيث رأى فيه ممثلا واعدا يمتلك القدرة على أن يكون نجما مسرحيا، وقدم له كل الدعم والمعاونة وألحقه بفرقته المسرحية بالمعهد، وفى هذه الفترة انضم إلى فرقة “الزبانية” التى أسسها الفنان “ناجي الراوي مع مجموعة من الفنانين منهم “فخري الزبيدي ورضا الشاطئ وناظم الأطرقجي”.
وعهد إليه ” الشبلي” بعدد من الأدوار مثل “أصحاب العقول”، و”فتح باب المقدس” مطرزة بأغانٍ أظهرت الموهبة الحقيقية التي تداعب حنجرة “ناظم” وهى الطرب والغناء، كما قدمه في مسرحية “مجنون ليلى”، حيث مثل وغنى “هيلا هيا” التى كانت سببا في اعتماده فى الإذاعة العراقية، بعدها كانت ثاني أغنية له من تلحين “وديع خوندة” ومطلعها “وين ألاقي اللي راح مني وأنا المضيع ذهب، وراحت السلة من إيدي وراح وياها العنب”.
فرقة الموشحات وأشكو الغراما
بعد هاتين الأغنيتين انضم بين عامي “1947 و1948” إلى فرقة الموشحات بإشراف الموسيقار الشيخ علي الدرويش، مع كل من “رضا علي ويحيى حمدي ومحمد عبد المحسن”، حيث كانوا ضمن الرعيل الأول للفنانين، فاستطاع “ناظم” أن يستفيد من الموشح الأندلسي، كما تعلم الأنغام العراقية والبستات القديمة، وتوالت الأغنيات فى مشواره الذى تعاون فيه مع مجموعة من الشعراء والملحنيين الهامين مثل “ناظم نعيم، جبوري النجار، جميل سليم، زاهد محمد، وديع خوندة، سمير بغدادي” وغيرهم، ومن أشهر الأغنيات التى قدموها له “قوموا صلوا الفجر، سبع ليالي، ريحة الورد، تصبح على خير، يا ناس والله اتمرد دلالي، احبتنا لقد طال التنائي، دمع عيني، يا صاح، الوحدة، شمر أيها الشرق، وطني، يا قامة الرشأ المهفف ميلي، لا جزى الله دمع عيني، قولي يا حلو منين الله جابك، من زاحم الليث على غابه، أشكو الغرام وأنت عني غافل، يا ظالم إلك يوم” وغيرها الكثير من الأغنيات.
فلم يكن “ناظم الغزالي” مجرد مطرب صاحب صوتٍ جذاب تتهافت عليه الآذان، بل فنان أثرى الفن العربي، درس القديم الأصيل منه وقدمه في ثوب جديد، عبر بالمقام العراقيِ إلى رحاب آفاقٍ واسعة ساعدت على تثبيت أركان الموسيقى العراقية في البلدان العربية، والتعريف بقيمتها الحقيقية عبر التغني بأشعار كبار الشعراء العرب.
الزواج من سليمة باشا
تعرف “ناظم الغزالي” بالمطربة “سليمة مراد” عام 1952 في احدى السهرات الغنائية التي كانت تقام في بيوت بغداد الراقية – كما جاء فى مسلسل “سليمة باشا – وكان “الغزالي” معجبا بأداء “سليمة مراد” التي كانت تمتلك صوتا ساحرا وقابلية مدهشة في أداء الأغاني التراثية، وعندما رأته وسمعته “سليمة” شهدت على براعته وصوته القوي إلى جانب أخلاقه، ليبدأ الحب بينهما بأغنية “قولي يا حلو منين الله جابك” التى يهديها الغزالي كلماتها، ويتكلل حبهما بالزواج بعد إشهار إسلامها.
كان زواج “الغزالي” من “مراد” زواجا فنيا ناجحا، استفاد “الغزالي” من خلاله من خبرات “سليمة باشا” وشهرتها وسلطتها المعنوية في المجتمع العراقي، فبذلت “مراد” كل أموالها في سبيل صقل موهبته كما عرفته على دروب الفن، حيث كانت لها دور كبير في تعريفه بالملحن الكبير”ناظم نعيم” الذي كان سببا رئيسا في الشهرة التي نالها “الغزالي” بفضل أعماله، كما استطاع الغزالي التعرف على الطبقة الأرستقراطية من خلال “سليمة باشا”.
شهادات زملائه
شهد كثير من زملائه الذين اقتربوا منه أنه كان شديد الاعتناء بهندامه ومظهره، رقيق الكلمة، حلو الابتسامة، قليل الكلام يتحدث عن زملائه الفنانين باحترام، وخجول خاصة أمام النساء، بينما يتسم بالشجاعة أمام الجمهور سواء على المسرح أو في الحفلات الخاصة، ولم يكن الغناء والتمثيل هوايته الوحيدة، ولكنه مارس العمل الصحفي وكتب العديد من المقالات حيث نشر عام 1952 سلسلة من المقالات في مجلة “النديم” تحت عنوان “أشهر المغنين العرب “، كما أصدر كتابا بعنوان “طبقات العازفين والموسيقيين من سنة”1900 1962م”.
الرحيل المبكر
قبل رحيله بفترة قليلة سافر إلى بيروت، وأقام فيها مجموعة من الحفلات الناجحة، وسجل العديد من الأغاني للتلفزيون اللبناني، ثم سافر بعدها إلى الكويت التى كانت سبب تخليد صورته وصوته فى العالم العربي كله، سجل قرابة عشرين حفلة بين التلفزيون والحفلات الرسمية، وفي العام نفسه اجتهد وبذل جهدا كبيرا ليتمكن بسرعة أن ينتهي من تصوير دوره في فيلم “مرحبا أيها الحب” مع المطربة نجاح سلام، وغنى فيه أغنية “يا أم العيون السود”.
ولكن نجاحاته الفنية وسعادته الزوجية مع “سليمة مراد” وفرحته بالحياة لم تدم طويلا، حيث كان القدر المحتوم ينتظره ذات يوم من أيام 1963، – وكما جاء فى مسلسل ” ناظم الغزالي” للمطرب “سعدون جابر” – كان على موعد مع أستاذه المطرب “محمد القبانجي”، وكان “ناظم” يحلق ذقنه وخادمه يهيء له كأس القهوة العربية التي اعتاد على احتسائها قبيل التوجه إلى مواعيده، وفجأة سمع الخادم صوت سقوط قوي، فهرع نحو الحمام ليجد “ناظم” مرميا على الأرض وعيناه مقلوبتان ولونه مصفرا، فأمسك الخادم بسماعة الهاتف وطلب الإسعاف ولكن سيف القدر كان قد قطع الطريق على كل إسعاف، حيث انتقل “ناظم الغزالي” إلى رحمة الله بسكتة قلبية مباغتة، وقطعت إذاعة بغداد برامجها يوم 21 /10/1963 لتعلن خبر وفاة ناظم الغزالي، واندفعت الحشود لتشيعه بحزن عميق تشهد على ذلك اللقطات الوثائقية التلفزيونية المتوفرة! .. مات ” الغزالي” تاركا الحسرات لمن أحبوا شخصيته المرحة العاشقة للفكاهة والدعابة، وتاركا رصيدا غنائيا رائعا من أجمل روائعه بصوته الشجي الذي لم ولن يتقادم مهما مرت السنوات.