عبد السلام النابلسي.. كوميديان أضحك الجميع و رحل حزينا!
بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
حكاية الفنان (عبدالسلام النابلسي) اللبناني من أصل فلسطيني حكاية تستحق أن تروى من الألف إلى الياء.. فهو ابن قاضي نابلس.. وحفيد قاضي نابلس.. جاء إلى القاهرة عام 1919 ليلتحق بالأزهر ويتقن اللغة العربية بالإضافة إلى اللغة الفرنسية التي يجيدها، وكان مقدرا أن يعود إلى بيروت ليعمل واعظاً بأحد مساجدها.
لكن القدر كان قد اختار لـ (عبد السلام النابلسي) خطاً آخر، عندماعشق التمثيل ليصبح بعد ذلك واحداً من أهم ممثلي الكوميديا في مصر، لكنه كان كوميديانا يضحك كل الناس لكنه شخصياً لا يضحك!!
كانت بداية (عبد السلام النابلسي) في السينما مع المنتجة آسيا داغر في فيلم (غادة الصحراء) من إخراج (وداد عرفي) في نهاية العشرينات لينطلق بعدها في السينما مع (إبراهيم لاما وتوجو مزراحي ويوسف وهبي وكمال الشيخ وأحمد جلال).
وليعمل (عبد السلام النابلسي) أيضا مساعد مخرج مع يوسف وهبي حتى تفرغ نهائيا لأفلام الكوميديا، فاشترك في العديد من الأفلام مع معظم نجوم السينما في مصر نذكر منهم (أنور وجدي وفريد شوقي وعبدالحليم حافظ وإسماعيل يس وليلى مراد وفريد الأطرش وعبدالفتاح القصري وفاتن حمامة وصباح وعمر الشريف وهند رستم)، وغيرهم.
عمل (عبدالسلام النابلسي) أيضا بالصحافة الفنية، وكتب مقالات النقد الفني في جريدة (الأهرام، ومجلة مصر الجديدة واللطائف المصورة والصباح)، وظل أشهر عازب في مصر حتى بلغ الستين من عمره.
لكنه وفي أحد البرامج الإذاعية وعندما سألته مقدمة البرنامج عن سبب عزوفه عن الزواج قال إنه لا يجد في كل النساء من تستحقه، وفوجئ خلال البرنامج بمكالمة تليفونية من إحدي الفتيات تقول إن النساء كثيرات لكن ولا واحدة منهم ترضى به زوجاً!.
لفتت المكالمة نظر (عبدالسلام النابلسي) وسعى لأن يعرف صاحبة هذه المكالمة الجرئية، وكانت هى (جورجيت ثابت) اللبنانية إحدى معجباته.. بحث (عبدالسلام النابلسي) عنها حتى وجدها وتقدم لخطبتها لكن أسرتها رفضته لسببين: أولهما فارق السن بينهما فقد كان في سن الأربعين، وكانت هى في سن الثامنة العشر.. والسبب الثاني كان لأنه مسلم.. وهي كانت مسيحية.
وقرر (عبدالسلام النابلسي) أن يتزوجها مهما حدث فقام باختطافها.. فأعادتها الأسرة لكنه اختفطفها مرة أخرى وكلم أسرتها من بيت صديقه (فليمون وهبي) ليطمئنهم عليها، فتعرفت الأسرة على منزل فليمون وهبي وأعادت الفتاة مرة أخرى.. ثم جرت مفاوضات عديدة لمدة ثلاث سنوات انتهت أخيرا بالزواج!.
شارك (عبدالسلام النابلسي) في كل الأفلام الكوميدية بأسلوبه العصبي المتوتر في كل أدواره، ومع كل أبطال الفيلم فيما عدا فيلمين مثل فيهما أدوار الشر هما فيلم (العزيمة) وفيلم (بيت النتاش) مع (شادية وزينات صدقي وشرفنطح)، وكان مقدرا لعبدالسلام النابلسي أن يشارك عبدالحليم حافظ فيلم (معبودة الجماهير) أمام شادية لكن ظروفه مرضه أبعدته عن الفيلم فلعب الدور فؤاد المهندس بدلا منه.
عشق (عبدالسلام النابلسي) مصر وتمنى الاستمرار فيها حتى نهاية عمره، لكن مشكلته مع الضرائب نسفت كل أحلامه عندما طالبته الضرائب بمبلغ 13 ألف من الجنيهات ضريبة عن مجموع أفلامه، ولم يكن يملك منها شيئا، فظل يرسل حوالة شهرية للضرائب بمبلغ 20جنيه لسداد ما عليه من مستحقات.
ووجدت مصلحة الضرائب أنه غير جاد في السداد فأصدرت قرارها بتوقيع الحجز على شقته بالزمالك، لكن الشقة بكل ما فيها من الآثاث لم تكن تفي بما عليه للضرائب، وظلت القضية معلقة حتى وفاته عام 1968م، ورغم تدخل العديد من رموز الفن في مصر وعلى رأسهم كوكب الشرق السيد (أم كلثوم!)!
وفي بيروت عاش (عبدالسلام النابلسي) 5 سنوات كانت أخصب سنوات عمره، عندما كان مديرا للشركة المتحدة للأفلام وانتجت الشركة عدة أفلام مثل (فاتنة الجماهير وباريس والحب وأفراح الشباب وبدوية في باريس وأهلا بالحب)، وكان أهم هذه الأفلام مع الفنانة (صباح).
ثم يشتد عليه المرض والفقر والإفلاس عندما يفلس بنك (انترا اللبناني) الذي كان يضع فيه كل ما يملك أو كان الجميع يطنون أنه مريض بمعدته، حتى سمعته الفنانة (صباح) وكانت رفيقته في رحلة نجوم فيلم (رحلة السعادة) في تونس فقالت أنها كانت تسمع تأوهاته من شدة الآلم في غرفته المجاورة لغرفتها..
ثم بدأت حالة (عبدالسلام النابلسي) تزداد سوءا حتى امتنع تمام عن الطعام قبل أيام قليلة من رحيله، فلفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله إلى المستشفى، ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة التي تولى الفنان (فريد الأطرش) دفعها بالكامل مع مصاريف المستشفى، رغم أنه لم يكن يملك في ذلك الوقت دفع مصاريف شقته هو!
وبعد وفاة (عبدالسلام النابلسي) بأيام قليلة أعلنت الفنانة (زمردة)، وكانت صديقه له سراً يتعلق بحقيقة مرضه، فقالت انه لم يكن يعاني من أي آلام بالمعدة كما كان يقول، لكنه كان يعاني من مرض بالقلب لمدة 10 سنوات، وأنه كان يتعمدا إخفاء ذلك السر حتى لا يكون سببا في انقطاعه عن التمثيل.
وقالت الفنانة زمردة أنها عرفت ذلك بالصدفة عندما أرسل معها بعض التقارير الطبية إلى الطبيب العالمي الدكتور (جيبسون)، والذي كان مشرفا على علاج (فريد الأطرش).
وكان الدكتور (جيبسون)، هو الذي أخبر (زمردة) بأنه كان مريضا بالقلب فحكت (زمردة) ذلك لعبدالسلام النابلسي فاستحلفها أن تخفي هذا السر حتى لا يمنعوه من التمثيل، حتى فاجأته أزمة قلبية حادة مات على أثرها فتسببت وفاته في انهيار (فريد الأطرش)، الذي قال عنه (عبد السلام النابلسي) قبل أن يموت أنه كان أعز وأقرب وأخلص أصدقائه.
ومن النوادر التي لا تفوتنا عن (عبدالسلام النابلسي) أنه كان في الإسكندرية يوما يركب عربة حنطور للفسحة في شارع الكورنيش، وعندما اقترب السائق من سيدي بشر التفت إلى (عبدالسلام النابلسي)، وقال: الفاتحة يا أفندي لسيدك بشر.. فرد عليه عبدالسلام النابلسي على الفور: (سيدك إنت يا كلب!)، أنا الكونت النابلسي.. شكل كده.. وهيئتي كده، وكان الفنان يوسف وهبي هو الذي سماه الكونت النابلسي!
أما أكبر التشنيعات التي أطلقوها عليه في الوسط الفني فهي أنه كان الوحيد الذي يمشي وهو يضع ساقاً فوق ساق من شده إحساسه بأنه (كونت)!!