بقلم : محمد حبوشة
يعد فن امتلاك مهارات صوتية أدائية من أهم صفات الممثل القادرة على اجتذاب الجمهور وإجبارهم على الإصغاء له، وهى واحدة من أهم صفات الممثل الناجح حيث تمكنه من التحكم بدرجة صوته وتنويع نبرته وإيقاعاته، كما أنها ملكة تشي بمدى التطور الذي أحرزه الممثل في تطوير ذاكرته العاطفية التي يختزن من خلالها صور تجسدات الأصوات المختلفة وتلوناتها.
وضيفتنا في “بروفايل” هذا الأسبوع واحدة من أبرز نجمات المسرح والسينما والتليفزيون، التي تملك قدرة فائقة على التحكم في صوتها الإذاعي الذي لا تخطئه الأذن بطريقة احترافية للغاية، فتعرف كيف يعلو وكيف ينخفض الصوت عندها، وكيف يكون رقيقا معبرا عن الشخصية التي تلعبها، كما أنه يعكس أعماق شخصيتها، التي مهما كانت قوية فإنه يسكنها ضعف ورقة وعذوبة لا تضاهى في تاريخ الفن المصري الحديث.
إنها الفنانة القديرة “سميحة أيوب”، سفيرة الفن الراقي الأصيل التي يتكون اسمها من جملة موسيقية لسيفونية مصرية الملامح والتفاصيل، لذا فلها خصوصية مميزة من بين كل رائدات التمثيل المصري، فقد وهبت جل حياتها للمسرح، فحينما تقف على خشبة المسرح لاتستمع إلا لصوت الصمت وخشوع الأنفاس فتملأ بإبداعها قلوب عشاقها بفن يطهر بقدسيته الآثام التي ارتكبت باسم الفن، لأنها فنانة من طراز خاص، وإنسانة قوية للغاية،مخلصة إلى حد الثمالة لفنها الرفيع.
هى التي قدمت أعمالا أثرت المسرح العربي، فكانت تلك الأعمال محطات مضيئة في حياته فوهبها المجد والخلود وصفق لها الجميع مرات ومرات جراء فتنة إبداعها، وربما لايعتبرها أبناء هذا الجيل مجرد رائدة من رواد المسرح العربي، لكننا نعتبرها هنا في بوابة “شهريار النجوم” أيقونة من أيقونات الأساطير القديمة، فعندما تستمع لصوتها العذب الرخيم فإنك تشعر بخشوع في النفس وكأنك في محراب مقدس من فرط تأثيرها الروحي على الجماهير المتطلعة لفنها الراقي.
بنت شبرا
“سميحة أيوب” بنت شبرا التي دخلت إلى عالم الفن مصادفة حتى أصبحت سيدة المسرح العربي، كرمها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكرمها الرئيس السادات، وحصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس السوري حافظ الأسد، وهو الذي منحها لقب “سيدة المسرح العربي” وكرمها الرئيس الفرنسي “جيسكارديستان” ومنحها رتبة فارس، وذلك لأن “سميحة أيوب” تعد الممثلة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تقوم بأدوار متعددة على المسارح العالمية، بل مسارح العالم العريقة، هى بائعة الورد وسيدة المسرح التي أصبحت الآن أيقونة في فنون المسرح والسينما والتليفزيون بفضل إبداعها الفني الذي لايضاهى.
ولدت سميحة أيوب عثمان “سميحة أيوب” في حي شبرا، وهو الحي الذي جعلها تحب السينما، حيث تعلقت بشاشة السينما الصيفية التي كانت تجاور بيتها، وتأثرت كثيراً بوالدتها والتي كانت عمودا أساسيا في تربيتها وتكوين شخصيتها وتكوينها أيضا وتعلمت في إحدى مدارس شبرا الفرنسية العريقة، وقد بدأت حياتها الفنية وهى طفلة صغيرة بدور “مريم المجدلية في” فيلم “حياة وآلام السيد المسيح” سنة 1938م، ولقد صنعتها الحياة، حيث يولد الإنسان ولايعرف ماذا يدور داخله أو كيف يحدد هويته فيحاول أن يكتشف نفسه.
ومن ثم فقد رأت حلمها يتجسد أمامها فقط عندما شاهدت فيلم (الحذاء الأحمر – The red Shoes)، والذي كانت بطلته (باليرينا)، بهرتها وتمنت كثيرا أن تكون مثلها في رشاقتها وحركاتها ولم تكن تدرك – وقتها – أنها ستصير ممثلة كبيرة لها خطوات عملاقة على خشبة المسرح والشاشتين الصغيرة والكبيرة، وذلك على الرغم من أنها كانت تذهب للسينما مع والدتها لمشاهدة أفلام محمد عبد الوهاب، وتذهب للمدرسة تحكيها لزملائها، بل تعيد تمثيل تلك الأفلام معهم، وعلى الرغم أيضا من أهلها كانوا يخططون لها أن تكون طبيبة، إلا أنها تمردت عليهم بفضل شخصيتها القوية وامتهنت التمثيل وأخلصت للفن فأجزل لها العطاء ومنحها الشهرة والمجد وتوجها بالأوسمة والنياشين عن جدارة واستحقاق.
بدأت الفن مبكرا
دخلت الفتاة الصغير “سميحة” عالم التمثيل في سن 14 سنة حين ذهبت مع صديقة لها معهد التمثيل بعدما أعلنوا في الراديو عن طلب آنسات لمعهد الفنون المسرحية، – الذي كان يطلق عليه معهد التمثيل آنذاك – وقبل أن يطردوها نظرا لصغر سنها، سألها جورج أبيض: هل تحبين التمثيل؟، فقالت دون تردد “نعم”، فأدخلها كطالبة مستمعة حتى تصل لسن 16 سنة لتصبح نظامية، وتنحرط في الدراسة الأكاديمية لتصبح ممثلة محترفة فيما بعد.
وحين أبدت استعدادها لممارسة مهنة التمثيل لخالها فإنه قد شجعها على ذلك، حيث كان شاعرا وخريج جامعة “السربون”، وبالفعل أتي لها ببعض مدرسي اللغة العربية لتعليمها أسس وقواعد اللغة، وذهب بها خالها إلى معهد التمثيل واستقبلها زكي طليمات هذه المرة بعد أن كان رفضها في أثناء ذهابها مع صديقتها في المرة الأولى، وكان لجنة الاختبار تتكون من (جورج أبيض ومحمد حسن الشجاعي والدكتور محمد صلاح الدين الذي كان وزيرا للداخلية)، كل هؤلاء كانوا في اللجنة.
وعلى الرغم من تجاهل الفنان الكبير زكي طليمات لها في المرة الأولى، إلا أنه أعطاها بعد أسبوعين من حضورها – كمستمعة – قطعة لحفظها وفي اليوم التالي ذهبت وأسمعته إياها فقال لي لأول مرة يخونني ذكائي، ونبهها لضرورة الحضور لمكتبه بعد انتهاء دروسها، وعندما ذهبت له في مكتبه فاجأها قائلا: لقد أحضرت لك قرار استثنائي من وزرة المعارف كي تكوني طالبة نظامية.
وفي تلك الأثناء قال لها زميلها “محمد الطوخي” مصادفة أنهم يطلبون آنسات يتمتعن بأصوات مميزة، لأن الإذاعة كانت تنوي عمل مسرحية “عذراء الربيع”، وكانت “زوز نبيل” هى الصوت النسائي الوحيد في الإذاعة حينذاك، وقد أفزعتها زميلاتها من مواجهة “زوز نبيل”، وذهبت وهى في قمة الخوف والارتباك، لكن في لحظات عمل “التيست” لاحظ المهندس أن هناك صوت “خبط”، وبعد إعادة التسجيل أكثر من مرة اكتشفوا أنه صوت قلبها الذي يدق من شدة الخوف، وشعرت “زوز نبيل” بخوفها فأشارت إلى فريق التسجيل لعمل استراحة وأحضرت لها عصير ليمون، وهدأت من روعها وقالت لها لاتخافي وقامت بتلقينها أول درس مهني في حياتها الفنية.
نصيحة زوز نبيل
نعم نصحتها “زوز” في تلك اللحظة الحاسمة في حياتها قائلة: “عندما يكون صوتك عاليا إبعدني عن الميكرفون، وعندما ينخفض صوتك هامسا اقتربي منه أكثر”، عندئذ شعرت الصبية الصغيرة “سميحة” بالأمان فوقفت أمام الميكرفون وأدت المقطع المطلوب بحرفية عالية على غير المعتاد، ما جعل “بابا شارو “محمد محمود شعبان” يدخل عليها الاستديو مهلالا، قائلا: مبروك .. مبروك .. أنت نجحتي نجاحا باهرا، وقامت بالدور وكان اسمها في ذلك الوقت “سميحة سامي”، وقامت بتمثل عدة أفلام بنفس الاسم، لأن عائلتها كانت ترفض التمثيل، فقررت التخلي عن اسم “أيوب” مؤقتا لمدة سنتين في بداية عملها في مجال التمثيل.
ويعتبر مسلسلها الإذاعي “سمارة” الذي قامت بعمله بعد فترة من احترافها العمل الإذاعي بمثابة نقطة تحول في حياتها وحياة الإذاعة المصرية، حيث كانت تتوقف المواصلات في أثناء إذاعة هذا المسلسل الذي تحول فيما بعد إلى فيلم سينمائي بفضل نجاحه إذاعيا.
تؤمن “سميحة أيوب” بمقولة “أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا .. أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما” ، ولأن المسرح هو أبو الفنون.. فقد كان الفن الأول في حياتها الذي يجعل الكلمات والأضواء والحركة والحياة تتدفق بلا توقف، فالمسرح من وجهة نظرها يتحرك يضيئ يزعج ويعكر الصفو ويحرك الروح ويثير ويكشف وينتهك التقاليد، هو حوار مع المجتمع، مواجهة بين اثنين يتواصلان عن طريق المشاعر والانفعالات والأحلام والآمال.
مرحلة النضج والتوهج
ولهذا تعتبر مرحلة النضج والتوهج في حياة “سيدة المسرح العربي” سميحة أيوب كانت في الخمسينات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث لعبت أدوار كثيرة سواء على خشبة المسرح أو عبر الإذاعة المصرية وقت أن كانت تقدم مسرحا عالميا بكثافة آنذاك،وهى أعمال ساهمت في التوعية والتثقيف، ووقفت أول على مرة على خشبة المسرح في مسرحية “البخيل” بطولة عمر الحريري ، شكري سرحان، على الزرقاني “السيناريست”، عدلي كاسب، فاتن حمامة، أحمد الجزيري، نعيمة وصفي، والبطل كان “سعيد أبو بكر”.
وبالتوازي مع دراستها وعملها في المسرح عملت في السينما فقدمت خلال فترة الخمسينات العديد من الأعمال وهى: أفلاك “شاطئ الغرام، ورد الغرام، أنا وحدي، الدم يحن، السر في بير، ناهد، قلبي على ولدي، ابن الحارة، موعد مع السعادة، الوحش، كدت أهدم بيتي، الغائبة، أغلى من عينيه، الله معنا، قلبي يهواك، القلب له أحكام، هارب من الحب، بنت البادية، مجرم في إجازة، بائعة الورد، بين الأطلال، المبروك، عودة الحياة، وذلك بالإضافة إلى عملها في العديد من المسرحيات منها مسرحية “الأيدي الناعمة”.
وفي فترة الستينات شاركت في عدة أعمال سينمائية وتلفزيونية مع استمرار عملها في المسرح فقدمت أفلام “جسر الخالدين، العملاق، لا تطفىء الشمس، إمرأة فى دوامة”، يوم الحساب، خيال المآتة، رجل وامراتان، جفت الأمطار، ثلاث قصص، سجين الليل، أرض النفاق، هل أنا مجنونة، المتمردة ، أدهم الشرقاوي، فيلم قصير بعنوان “افلاس خطبة”، فضلا عن أعمال مسرحية عديدة مثل “السبنسة، العباسة، كوبري الناموس، سكة السلامة، بير السلم، أنتيجون”، ومسلسلات الضحية، الساقية، كليوباترا في خان الخليلي”.
وفي عام 1970 شاركت في فيلم “سوق الحريم” مع صلاح ذو الفقار وعبد المنعم إبراهيم ومن إخراج يوسف مرزوق، وفي 1971 شاركت في فيلم “فجر الإسلام” مع يحيى شاهين وإخراج صلاح أبو سيف، وفي عام 1972 خاضت أولى تجاربها في الإخراج المسرحي من خلال مسرحية “مقالب عطيات” وشغلت منصب مدير للمسرح الحديث على مدى ثلاث سنوات، وعام 1974 قدمت مسرحية “العمر لحظة” مع عزت العلايلي ومن إخراج أحمد عبد الحليم، وعام 1975 شغلت منصب مدير عام المسرح القومي واستمر فيه لمدة 14 عاماً.
وحتى نهاية السبعينات قدمت العديد من الأعمال وهى: مسرحيتي “ست الملك، فيدرا” ، وفيلم “حكاية رجل اسمه عباس”، ومسلسلات “نقطة ضعف، لحظة اختيار، أيها الحب لا تهجرني، الغضب، المشربية، طيور بلا أجنحة”، لكنها في فترة الثمانينات ابتعدت نهائياً عن السينما وتنوعت أعمالها بين التلفزيون والمسرح فقدمت الأعمال التالية: مسلسلات “دمعة ألم، ولسه بحلم بيوم، الجزار الشاعر، محمد رسول الله – الجزء الخامس، المحروسة 85، قابيل و قابيل” ومسلسل “لك يا شام” وهو مسلسل سوري، ومسرحية “دماء على ستار الكعبة”.
وفي فترة التسعينات قدمت أعمال تلفزيونية متنوعة ومميزة وهى: مسلسلات “السبنسة، حصاد الحب، مغامرات زكية هانم، أمهات في بيت الحب، الخديوي، موعد مع الغائب، رابعة تعود، ذو النون المصري، السيرة الهلالية – الجزء الأول، غابت الشمس ولم يظهر القمر، فضلا عن رائعتها مع الراحل المبدع ممدوح عبد العليم “الضوء الشارد”.
في الألفية الثالة
دخلت “سميح أيوب” الألفية الثالة على جناح أعمال عديدة وهى السهرة التلفزيونية “يا فرحة ما تمت”، مسلسلات “ميم تربيع، سلمى يا سلامة، آوان الورد، رجل على الحافة، أميرة في عابدين، أولاد الشوارع، المصراوية – في جزئيه الأول والثاني، الدنيا ريشة في هوا، عسكر وحرامية، فضة قلبها أبيض، قصص بوليسية، الخيول تنام واقفة” ومسرحيات “في عز الظهر، الناس اللي في التالت، الشبكة، يا أحنا يا هيه”، وفي عام 2010 شاركت في مسلسلي “اغتيال شمس، وسقوط الخلافة”.
أما عام 2012 فقد عادت إلى السينما بعد غياب أكثر من 30 سنة من خلال فيلم “تيتة رهيبة” مع محمد هنيدي ومن إخراج سامح عبد العزيز، وفي نفس العام شاركت في مسلسل “الخفافيش”، وفي عام 2013 شاركت في مسلسل “مزاج الخير” مع مصطفى شعبان وعلا غانم ومن إخراج مجدي الهواري، وفي عام 2014 مسلسلات “المسلمون والإسلام، والمرافعة، ليل البحر “، وفي عام 2015 مسلسلي “مولد وصاحبه غايب، وأوراق التوت”، وفيلم ” الليلة الكبيرة”، وفي عام 2016 فيلم وثائقي بعنوان “حكاية سناء”، إلى آخر محطاتها في هذا العام 2020 بمسلسل كوميدي بعنوان “سكر زيادة” مع نبيلة عبيدة ونادية الجندي وهالة فاخر، تأليف أمين جمال، وإخراج وائل إحسان.
قدمت “سميحة أيوب” للفن المصري أكثر من 170 عرض مسرحي، و42 فيلم سينمائي وعشرات المسلسلات التليفزيونية، فضلا عن أنها قدمت خمس تجارب لمسرحيات عالمية، من إخراج مخرجين أجانب فمن ألمانيا مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية، وروسيا مسرحية “أونكل فانيا”، وإنجلترا “أنطونيو وكليوباترا”، مع المخرج الكبير “فيرنر بوس” وهو مخرج إنجليزي معروف، وفرنسا عرضت مسرحية “فيدرا”، التي قدمتها على أكبر مسارح باريس، ولاقت نجاحاً منقطع النظير، جماهيريّاً وإعلاميّاً.
وطوال مشوار سيدة المسرح العربى “سميحة أيوب” لا نجد خلافا لها مع زميل أو زميلة ولم تتعرض لأى انتقادات على المستوى الشخصى، وفي هذا تقول: “منذ أن بدأت عملى فى مجال الفن إلى هذه اللحظة لم أتعرض لانتقادات لاذعة على الصعيد الإنسانى مثل كثيرات من الفنانات، وهذا يكمن فى نظرتى إلى نفسى طوال الوقت بطريقة بها شفافية وأحاسب نفسى طوال الوقت ما الذى يمكن أن يحدث أولا فأنا التى لا أعطى فرصة لأحد أن ينتقدنى، وإنما على الصعيد المهنى أعطى فرصة لإعجاب جمهورى والنقاد بى حيث إننى منذ أن بدأت وأعمالى ثقيلة للغاية.
ماذا قال لها الشعرواي
ولو كانت أيقونة المسرح العربي تقدم أعمالاً هزلية للتسلية أو للهو، أو أعمالاً عادية كغيرها، لما قال عنها الشيخ أحمد حسن الباقوري، وزير الأوقاف المصري الأسبق، وأحد علماء الأزهر الشريف، بعد مشاهدته فيلم “فجر الإسلام”: “أحب اللغة العربية وهي تخرج من فم سميحة أيوب”، وما كان فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ليحضر عرض مسرحية “دماء على ستار الكعبة” في المسرح القومي، عام 1987م، إلا تقديراً منه لفنها الرفيع الراقي، فقد فوجئ جميع العاملين في المسرحية بوجوده في الصف الأول للجمهور، وأثناء إغلاق الستار سمع الفنان يوسف شعبان دعاء الشيخ الشعراوي: “ربنا يكرمك يا يوسف يا شعبان ربنا يكرمك يا سميحة يا أيوب”، وبعد انتهاء العرض قال لها: “ربنا يبارك لكم ويبارك فيكم… وتقدمون أعمالاً تفيد الإنسانية وتنفع الناس”.
وها هو جان بول سارتر، فيلسوف فرنسا الأشهر عندما أتى إلى مصر… ماذا كانت ردة فعله عندما رآها على المسرح.. نتركها تحكي ذلك من خلال كتابها “ذكرياتي” حيث تقول: “جاء سارتر إلى مصر بدعوة من جريدة (الأهرام) وكان المسؤول عن الدعوة الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير (الأهرام) في ذلك الوقت… وقالوا لي: سوف نغلق مسرحية (الإنسان الطيب) في يوم مجيء سارتر، لأنها معروضة خصيصاً له، فرفضت إغلاق المسرح، وقلت: لا، سوف أعمل في (الندم) الماتينيه، وأذهب إلى سواريه (الإنسان الطيب).
وجادلني كثيراً في هذه الجزئية أستاذنا الكبير توفيق الحكيم الذي كان يشعر ساعتها أنه أنجبني وأنني ابنته التي يفتخر بها، وقال لي: (ليه يا سميحة، دي ليلة عرسك، يجب أن تقضيها مع ضيوفك، ونحن أقمنا حفلاً كبيراً بهذه المناسبة وأنتِ العروسة)… فقلت له: اعذرني، وفي زميلاتي وزملائي الكفاية، لأنني لا أستطيع أن أغلق ليلة في مسرح كامل العدد”.
وتضيف سيدة المسرح العربي قائلة : وآه، لو كان يعلم أنني أردت أن أذهب فوراً بعد الماتينيه الذي سيحضره سارتر حتى أتجنب أي نقد أو وقاحة، كما قال كلود استيه، ويوم العرض وأنا أسوق عربتي، وفي طريقي إلى المسرح، قلت في نفسي: (يعني إيه سارتر، لقد عرضت هذه المسرحية لجمهور بلدي مصر، وقد أعجب بها هذا الجمهور أشد الإعجاب، فما قيمة سارتر إذا أعجبته أم لم تعجبه؟).
وجاء مدير المسرح يقول لي: اتفضلي يا مدام، ويا للهول – على رأي يوسف وهبي – أصابني الهلع لدرجة أنني كنت أسمع دوي دقات قلبي، ودخلت إلى خشبة المسرح، مشهد لم تره عيني من قبل، وأزعم أنها لن تراه أبدا بعد ذلك… المسرح مكتظ بالمثقفين والمسؤولين والصحافيين، ولا موضع لقدم من أعلى التياترو إلى الوقوف في الترهات حتى وصل الزحام إلى خشبة المسرح، وجسدت دوري كما جسدته من قبل، وانتهى العرض، وإذا بسارتر وسيمون دي بوفوار يصعدان إلى المسرح، وسارتر يقبلني ويقول لي: (أخيراً وجدت إليكترا في القاهرة).
سيدة المسرح العربي
وتحكي لنا “سميحة أيوب” أيضا وبنفسها ملابسات حملها لقب “سيدة المسرح العربي” قائلة، أطلق على هذا اللقب الرئيس السوري الراحل “حافظ الأسد”، وذلك بعد أن قرر بقائي بعد انتهاء حضوري مهرجان دمشق السينمائي، وذلك بعد أن أبلغني وزير الثقافة السورية ذلك مباشرة، وقال انتظري بعد مغادرة الوفد المصري، أنت الآن في ضيافة رئاسة الجمهور، وسيقدم لك الرئيس وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وفوجئت في لحظة تقيلدي الوسام أن قال لي الرئيس الأسد : “تقدمي يا سيدة المسرح العربي”، ولأنها عاشقة لهذا اللقب فحين سئلت عن من هو سيد المسرح العربي قالت هو “عبد الله غيث” بجدارة، فهى تكن له كل الحب والتقدير منذ أول عمل لهما “الصفقة” حتى أحب عمل لهما معا “الوزير العاشق”.
بقى القول الأخير بأن الفنانة القديرة سميحة أيوب تولت العديد من المناصب الإدارية، ومنها مدير المسرح الحديث، وظلت مُتمسكة بالوصول إلى إدارة المسرح القومى حتى أصبحت مدير المسرح القومى لمدة ١٤ عامًا، وأطلق اسمها على أهم قاعات المسرح بعد ذلك، كما حصلت الفنانة على العديد من الجوائز، وتم تكريمها محليًا وعالميًا، وكرمها العديد من الرؤساء تقديرًا لمجهوداتها الفنية – فكما قلنا من قبل – كرمها كل من الزعيم جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات، والرئيس السورى حافظ الأسد هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من التكريمات التي تجعل منها – أمد الله في عمرها – أيقونة مصرية عربية خالصة في المسرح والسينما والتلفزيون.. فتحية تقدير واحترام لسيدة المسرح العربي “سميحة أيوب”.