بقلم : محمد حبوشة
رغم أنه مسلسل “النهاية” فتح الباب أمام أفكار جديدة ومبتكرة تم تقديمها في دراما رمضان 2020، ونجح المسلسل في جذب الأنظار له خلال أيام قليلة من بدء حلقاته، إلا أنه لم يكن بالمستوى المطلوب من ناحية القصة المسروقة والمفبركة والتنفيذ السيئ على كافة الأصعدة، إذ عانى من مشاكل عديدة وبدرجات متفاوتة على مستويات الإخراج والكتابة والتمثيل، فعلى مستوى الإخراج، هناك مشكلات عدة، حيث تفاوت مستوى الإخراج في مشاهد مختلفة، أو حتى في مشهد واحد، فعلى سبيل المثال مشهد اغتيال الروبوت “عزيز” للروبوت “زين”، كان فيه تفاوت ما بين مشهد اغتيال “زين” ومشهد تهريبه العجيب الذي يثير الدهشة والضحك من فرط السخرية.
وعلى المستوى الأصغر إخراجيا، هناك أزمات مشتركة اتضحت منذ البداية بين الإنتاج والإخراج، كمشكلة الكتابة باللغة الإنجليزية في الأدوات المستخدمة، وهى مشكلة إنتاجية لأن المواد التقنية التي تم اقتناؤها مكتوبة باللغة الإنجليزية ومن ثم لم يتم تعريبها، وهذا انعكس سلبيا على الإخراج، وربما تكمن المشكلة في المخرج “ياسر سامي”، الذي تعد تجربة مثل مسلسل “النهاية” مهمة ثقيلة عليه، لأنه مخرج كليبات بالأساس كما نعرف، وهذا المسلسل هو تجربته الثانية بعد “نسر الصعيد” في العام 2018، والذي لم يشهد نجاحا كبيرا هو الآخر، بسبب إخراجه الذي اعتمد على مشاهد أكشن قام بها “محمد رمضان” باجتهاد شخصي منه أفسد العمل بالضرورة.
على مستوى القصة أبرزت بعض المشاهد سقوطا زريعا في فخ الاستسهال كتابيا، كالحلول الساذجة لدخول الصحفي مسكن زميله، أو الأمثلة التي يتم ذكرها طوال الوقت على لسان الشخصيات كأمثلة تطوير الهواتف، وأثر التباين في مستوى الكتابة من حلقة لأخرى على تماسك المسلسل نفسه والموازنة بين خطي الأحداث، فهناك خطوط جذابة وكتابتها أفضل من خطوط أخرى، كالمقارنة بين عالم القدس موقع التكتل العربي والروبوت “زين”، حيث الشخصيات غنية والأحداث أكثر، وعالم الواحة الذي يوجد فيه المهندس “زين”، حيث الشخصيات أفقر والأحداث بطيئة ومملة، مما أفقد المسلسل حيويته لدى مشاهد وجه نقد لاذعا للمسلسل أولا بأول على مواقع التواصل الاجتماعي، جراء تعرضه لنوع من الخداع البصري.
أما على مستوى التمثيل جميع المشاركين تقريبا، بدأوا الانخراط في أداء جيد في الحلقات الخمس الأولى، ثم بدا الافتعال وعدم الاكتراث واضحا حتى أصيبوا مع تطور الأحداث بنوع من الفقر الإبداعي، فيوسف الشريف – على سبيل المثال – صاحب التحدي الأكبر، حيث يجسد شخصيتين مختلفتين على مستوى المشاعر أو التفكير أو القدرات، فلا يمكنك التفريق بين الاثنين لولا وجودهما في مكانين مختلفين، حيث يبدو الأداء تقليديا باهتا وتائها وسط عناصر الجرافيكس والموثرات الأخرى، أما أداء سهر الصايغ الذي كان يبدو سهلا بسيطا في البداية ما جعل الجمهور يتفاعل معها، سرعان ما اتجه هو الآخر نحو زاوية الافتعال، في الوقت الذي حاول فيه كل من عمرو عبد الجليل وأحمد وفيق التمثيل وأخذ الموضوع بجدية، لكنهما حتما تأثرا نتيجة افتقار المسلسل إلى الأداءات التمثيلية الجيدة الأمر الذي جعل محاولتهما تذهب أدراج الرياح، فالممثل في النهاية يتأثر بأداء زميله نظرا لتبادل الطاقة فيما بينهما.
وعلى الرغم من كل العيوب السابقة والواضحة بشدة في “النهاية” فإنه يحسب له المحاولة الواضحة لخلق مساحة جديدة في دراما رمضان، فوجود عنصر مختلف مثل الخيال العلمي أو أفكار الجماعات السرية التي تحاول السيطرة على الأرض، أو حتى ظهور شخصية تشبه توصيف المسيح الدجال وقدراته هى مساحات وأفكار مختلفة لو استمرت، فإن الدراما تصبح قادرة مستقبلا على علاج أخطائها والنجاة منها، لكن المأخذ الأساسي هو أن المسلسل في مجمله يجنح نحو خرافة أزعجت الكيان الصهيوني حتى أنها دفعت وزارة الخارجية الإسرائيلية للتعقيب على الحلقات الأولى ، مؤكدة أن “المسلسل التلفزيوني المصري – الذي يقدم مستقبلا دمرت فيه الدول العربية إسرائيل – غير مقبول، إذ عرضت الحلقة الأولى من المسلسل مشهدا للأطفال في فصل دراسي عام 2120، حيث يلقنون درسا حول حرب تحرير القدس”، وظهر في المشهد الذي أثار الجدل مدرس يشرح الدرس لتلاميذه قائلا “كانت أميركا الداعم الرئيسي للدولة الصهيونية، وعندما حان الوقت لتتخلص الدول العربية من عدوها اللدود، اندلعت حرب تحرير القدس”.
وعلى الرغم من أن فرضية التحرير تلك هى فرضية مثالية في اتجاه عالم أكثر عدالة تنقلب فيه موازين القوى لصالح من وقع عليهم الظلم في الماضي، فإنها فرضية هشة – بحسب سذاجة القصة – فقدت رومانسيتها ولم يتم تناولها بالجدية الكافية التي تجعل منها فانتازيا شعبية مقبولة، فإذا كانت البذرة الأولية لبناء العالم هو تصور لواقع مواز يتمكن فيه العرب من تشريد الصهاينة والاستحواذ على القدس فلماذا ساء كل شيء مجددًا، أو ما جدوى أصلًا تناول رؤية متصورة تفيد بأن العالم العربي بات أكثر حرية وقوة، هل يعني ذلك أنه من الحتمي وقوعه تحت حكم سلطوي أشبه بالاستعمار كيفما جرت الأحداث وفي كل العوالم الموازية؟، لكن لا يبدو أن صناع العمل يهتمون كثيرًا بإيجابية الفرضية أو سلبيتها، بل الهدف الرئيسي هو خلق عالم بديل لأن هذا ما تفعله أفلام الخيال العلمي المستقبلية الأخرى، فالمهم أن نبدو لا أن نكون .
فكما لاحظنا أن المسلسل دمج في أحداثه نوعًا آخر من الخيال العلمي وهو “السايبربانك”، وهو نوع متفرع يعنى باختلاط حياة البشريين باللابشريين من الآليين وأصحاب الذكاء الاصطناعي الذي صنعه الإنسان لتحسين حياته، لكنه ينقلب عليه الأمر في النهاية لأن تلك الآلات غالبًا ما يتطور وعيها ويفقد صانعوها السيطرة عليها، وهو ما أبرز بالضرورة ضعف القصة التي كتبها (عمرو سمير عاطف) على جناح خيال يبدو أنه خارج الإطار هذه المرة، وهو كاتب عادة ما يلجأ إلى الفنتازيا في جو من الإثارة والتشويق التي تناسب ممثل مثل “يوسف الشريف”، لكنه فشل فشلا زريعا في (النهاية) التي جاءت بطريقة ساذجة تفتقد للحبكة الدرامية التي تصنع الإثارة وتتوازي تماما مع صناعة الجرافيكس.
لا أنكر أن المسلسل مع بدايته كان جاذبا للانتباه خاصة في حلقاته الخمس الأولى، لكن بعدها سرعان ما بدأ في التراجع وهبوط المستوى حتى الحلقة 22 و23، واللتين ظهرا من أحلى الحلقات التلفزيونية في رمضان 2020، حيث تم استخدام عناصر جاذبة ومثيرة فعلا، مثل (المنتظر) والصحفي الذي قام بدوره (محمود عبد المغني)
، وللأسف بعد هاتين الحلقتين عاود المسلسل السقوط من جديد في متاهة الغموض إلى حد أن علق كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي قائلين: تحس أنه بين كل مشهد ومشهد بوقوع مشهد ثالث جاء على سبيل الحشو ليس إلا!، وربما برر صناع العمل بأن ذلك جاء نتيجة ارتباك أجواء التصوير بسبب كورونا، وأنه وقع حريق في الاستديو حسب بعض المصادر، وأنهم صوروا 50 من أفكارهم والباقي لم يتمكنوا من تصويره.
وحتى إذا سلمنا بأن هذا الكلام مضبوط فهنا لابد وأن يطرح سؤال مهم: لماذا الإصرار على خروج عمل يعد تجربة عربية مهمة وملهمة في الخيال العلمي على هذا النحو؟، لماذا لم يتم الصبر عليه لمدة سنة أخرى؟، خاصة أن الجمهور كان في انتظاره، ومن المتوقع أن أي خطأ فيه سيثير البلبلة حوله، إلى حد أن كتب البعض على موقع “تويتر” بطريقة ساخرة: “كلنا شايفين ومش فاهمين”، وهذا تعبير غاية في البلاغة من جانب أكبر ناقد وهو جمهور المشاهدين، وخاصة أن المسلسل كان من أعلى خمس مسلسلات مشاهدة في بدابة الموسم، وقد عول عليه الذين يدعون الفهم للأحداث، أم الذين شاهدو ولم يفهموا فقد عولوا على مايبدوا على الجرء الثاني من المسلسل، وهو ما يشير إلى أن هذا مبرر للخروج من المأزق الذي وضع فيه المسلسل بعد فشل القصة في صناعة دراما توازي الجرافيكس والمؤثرات التي بذل فيها جهدا مشكورا.
وعليه لاينبغي أن تفكر جهة الإنتاج في جزء من مسلسل فشل بسبب قصته التي تميل إلى السذاجة والاستسهال ولست مبالغا إذا قلت (الاستهبال)، خاصة أن هناك مخاطرة أن القصة لم تعجب الناس ولم يحبوها على نحو يرشحها للاستمرار في جزء ثان، وهنا نطرح سؤالا في منتهى الأهمية حول هذا المسلسل: أيهما أهم: الإبهار البصري أم القصة؟
والإجابة المباشرة والسريعة التي تظهر فورا هى : بصراحة القصة، والدليل العملي على ذلك في إذا ما قارنا بين أفلام “مارفل” وأفلام “دي سي”.. أيهما أحلى من وجهة نظركم، وسواء اخترت هذا أو ذاك يبقى فيلم “بات مان” من أروع الأعمال التي قدمتها “دي سي” لأن القصة كانت رائعة، رغم أن الإبهار البصري بعده أصبح أقوى بمراحل كثيرة، لكن يبقى فيلم “بات مان” هو أقوى أفلام الـ”سوبر هيرو” لأن القصة رائعة والإخراج أروع، ومن هنا فالقصة هى الأهم في العمل الفني أكثر من الإبهار البصري، لأن الإبهار البصري يمكن أن يشبع العين من خلال حلقتين أو ثلاثة، لكن لايمكن أن تستمر في المشاهدة دون وجود قصة حقيقية ومنطق في أن يلحق مشهد بمشهد آخر، وهو الشيئ الذي اختفى في “النهاية” من الحلقة السادسة حتى الحلقة 22 و23، حين ظهر فجأة ثم احتفى ليكتب نهاية “النهاية” بالسقوط في بحار المتاهة.
الواضح للعيان أن صناع مسلسل “النهاية” لم يتمكنوا من استغلال عناصر الإبهار والأداء الاحترافي بطريقة يمكن أن تغطي على ضعف القصة مثل (المنتظر) وإياد نصار، وحتى سوسن بدر، وغيرهم من الممثلين الذين أصبح أدائهم بارد في الحلقات من السادسة حتى الحلقة 22، فمنهم من جمدوه ومنهم من قتلوه، ومنهم من انتحرت، وتقدم 25 سنة ثم التراجع 25 سنة، وهو ما أحدث حالة من الارتباك وفقدان المنطق الدرامي، حتى أن البعض منا أصبح يعيد المشاهدة مرات ومرات كي يصل إلى محاولة لفهم منطق الأحداث، وطبعا كان ذلك دون جدوى في ظل الأكشن بين “عزيز وزين” إلى حد عدم الفهم.
وحتى الصاروخ التكنولوجي الخارق “الخزعبلي”، وقصة العصير وسخافتها، عبر حكاية ساذجة جدا، حتى أنك تشعر بأن الأمر ليس سوى تقضية الحاجة، رغم أن الفكرة كانت في البداية قوية جدا، وهو مايؤكد أن هناك مشاكل طارئة أدت إلى تراجع الكاتب – الذي كان على مايبدو يكتب على الهواء مباشرة من داخل البلاتوه – ومن ثم خلقت تلك الحالة من الارتباك، الأمر الذي أضاع عملا فنيا كان يمكن أن يكون تجربة رائدة في الدراما العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى يتسبب لنا في نوع من المتعة البصرية على جناح هذا اللون الجديد من الخيال العلمي العربي، وهو ما ينذر بوأد فكرة الخيال العلمي في مهدها لو تم تنفيذها على هذه الشاكلة الرديئة عبر تطبيقات “نيتفلكس” أو “شاهد”، بعدما قرروا الدخول على العالم العربي في الاستثمار في مثل هذه الإنتاجات، وقد أنتجت “شاهد” بالفعل مسلسلات أصلية عبارة عن عشرة حلقات، ولعل قالب العشر حلقات يبدو مناسبا جدا للون الخيال العلمي.
ولدينا المثل والعبرة في مسلسل مثل “حرب النجوم – Star wars “، فقد ظلت “ديزني” تعمل فيه سنتين كاملتين بكامل قوتها وجبروتها، حتى أنتجت في النهاية مسلسلا عبارة عن 8 حلقات فقط، والحلقة لايستغرق زمنها أكثر من 30 دقيقة، ولكنها تتمتع بجو من الإثارة والتشويق إلى أقصى درجة، ومن هنا يبدو واضحا أن الخيال العملى لايتطلب 30 حلقة على شاكلة “النهاية” الذي كتب شهادة فشله بعد خمس حلقات في البداية.
لقد أقحم “النهاية” نفسه متاهات أنواع الخيال العلمي المختلفة كواجهة لمناقشة أفكار ميتافيزيقية مثل الجماعات السرية التي يسهل كشف قصديتها المباشرة وربطها بالماسونية، وكذريعة للتمهيد لالتواء الحبكة الذي يستدرج التنهدات المبهورة من جمهوره، ويصبح الهدف الأساسي هو التحول المفاجئ لذاته وليس طرح أفكار للمناقشة والتأمل الجدي، بل هو أشبه بخدعة سحرية رخيصة تساعد العمل على التنصل من تفكك سرده وضعف بنائه وتشتته، ووسيلة لصناعه لإقناع مشاهديه أنهم متقدمون عنهم بخطوة، وأن مشكلات العمل هى أنك لم تفهمه منذ البداية، فتلك مفاجأة تجعل الانتظار واحتمال الحلقات الرتيبة المفرغة من المعاني والأفكار وحتى من التشويق تستحق العناء بمشقة وصعوبة.
يبقى أن نقول أنه بانتهاء العمل برز على السطح ذلك التشابه الشديد بين مسلسل “النهاية”، و”رواية2084 – حكاية العربي الأخير” للروائي الجزائري “واسيني الأعرج”، وهو ما أثار جدلاً واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي منذ بث البرومو الخاص بالمسلسل قبل بدء الشهر الفضيل، وانتشرت مجموعة من المقالات لمثقفين وأدباء وإعلاميين ذكروا خلالها تعرض رواية الأعرج للسرقة، وهنالك عدد كبير طالبه بأخذ خطوة جادة نحو حماية حقوقه كروائي وأديب، خاصةً وأن صناع العمل لم يشيروا إلى موافقة الأعرج على بث المسلسل، ما يضعهم محط اتهام بالسرقة الأدبية.
ومن الغريب أن الأعرج اكتفى بالصمت طيلة أيام الشهر الفضيل ولم يعلق على أي من المنشورات المتداولة حول تعرض روايته للسرقة، إلا أنه وأخيراً خرج اليوم عن صمته خلال مقالة نُشرت على صفحته على فيسبوك وإنستغرام، جاءت بعنوا: فضيحة من العيار الثقيل: مشيرا إلى أنه ومنذ اللقطات الأولى من مسلسل النهاية، بدا واضحاً أن السيناريو أخذ الكثير من وقائع رواية: 2084 – حكاية العربي الأخير.. إذا وقع “عمرو سمير عاطف في خطأين قاتلين، الأول أنه لم يذكر المصدر الذي استقى منه القصة، والثاني أنه فشل في نسج خيوط درامية يمكن أن تتماشي مع الجرافيكس الذي لم يجد ما يمكن أن يغزله بأداء فشل فيه الممثلون جراء سطحية المعالجة.. ومن هنا فنحن نلفت نظرا جهة الإنتاج إلى عدم تكرار الفشل في جزء ثاني في العام القادم بإذن الله.. رجاء ياسادة ألا تتكرر التجربة!!!