رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أحمد حلمي فيلسوف الكوميديا بـ 28 حرف!

على مدى تاريخ الفن المصري جمع عدد من النجوم بين حرفية الفن وموهبة الأدب فكتب بعضهم الشعر أو القصة، بعضهم أجاد وبعضهم كان ضيفا خفيفا على الأدب، وفي كل أسبوع سنتوقف مع واحد من هؤلاء النجوم لنلقي الضوء على مشواره الفني، وموهبته الفنية والأدبية.

لحظة تفكير عميق

كتب : أحمد السماحي

نحن شعب يضحك دائما، يضحك بالبسمة، ويضحك بالدمعة، يضحك سرورا، ويضحك ألما، يحتلنا الغزاة فنسخر منهم، ونضحك عليهم، ويستبد بنا بعض الحكام أو المرؤسين فنسخر منهم ونضحك عليهم، فقد استخدم المصريون الفكاهة على مر العصور سلاحا ذا حدين، سلاحا يسرون به عن أنفسهم، فيرفعون عن نفوسهم أثر المعاناة، والظلم، وقسوة الحياة، وسلاحا يشهرونه فى وجه الغزاة والطغاة، يكشفون جبروتهم واستغلالهم ومخازيهم، فيضحكون عليهم ويتندرون بهم إلى أن تحين ساعة الخلاص.

والنجم “أحمد حلمي” وعى هذا كله وأدركه جيدا، لهذا قدم من خلال أفلامه تنويعات مختلفة من الكوميديا، وجسد شخصيات كثيرة ملموسة ومحسوسة لنا جميعا، فليس هناك مصري إلا وفيه الشيئ الكثير من أدواره، ومن شكله، فـ “حلمي” لم يكن له نمط شكلي يلعب عليه مثل كثير من نجوم الكوميديا، الذين اتخذوا من شكلهم أو ملابسهم أو حركاتهم “نمط” معين يضحكوا به الجمهور، وليس أيضا يمتلك الوسامة التى يمتلكها بعض نجومنا، فهو بشكله وملامحه قريب منا جميعا هو أنا وأنت وغيرنا.

الابتسامة العذبة لا تفارق وجهه البشوش أبدا

ورغم ابداعه لكل الشخصيات التى قدمها فإنه ظل موجودا فيها، ولم تبتلعه إحداها وهذا فى حد ذاته إنجاز عظيم، فقد ابتلعت شخصية ” اللمبي” نجم بحجم موهبة “محمد سعد”!، لكن ذكاء “النجم الشاب” منعه من هذا، فضلا عن حبه للمغامرة فى الفن، وتقديم أشكال وألوان وأنماط مختلفة تنير جوانب كثيرة من موهبته، هذه المغامرة التى تحققت فى فيلم “إكس لارج”، ومسلسل ” العملية ميسي” حتى لوأخفق فى الأخير، لكن يحسب له حبه للتجريب وتجديد دماءه.

و”حلمي” يؤمن بالمثل القائل “شر البلية ما يضحك”، لهذا لا يلقي علينا فى أفلامه خطبا سياسية أو اجتماعية أو دينية، بل هو يضحكنا من أنفسنا ومن أفعالنا، ومن بعض الأنظمة الخطأ التى نعاني منها فيطهر نفوسنا من الخوف والعبودية ويفجر فيها شرارة الوعي والتفكير، وهذا هو الضحك الراقي الشافي الذى نحتاج إليه لنبرأ من عللنا، ونسترد وعينا، وعزيمتنا وقدرتنا على المقاومة والتغيير.

ويخطأ من يظن أن “حلمي” نجم كوميدي فقط، فلديه مشاهد تراجيدية فى أفلامه قام بأدائها بشكل مبهر، أهمها مشهده الرائع في فيلم “آسف ع الإزعاج” الذي توجهه فيه أمه بحقيقة مرضه وبوفاة والده وتقول له: “أبوك مات يا حسن”، هنا تجلت “عبقرية” أدائه الصادق الخارج من صميم قلبه، هذا واحد فقط من مشاهد درامية كثيرة قام بأدائها بنفس الروعة.

وما يفعله النجم الشاب لا يأتي بالدراسة، ولكنه يأتي أولا بالقراءة والمشاهدة والذكاء، وثانيا والأهم بالقبول، وهو فى نهاية الأمر مسألة خارج هذا كله إنه هبة من الله، وهذا القبول لا ينفي الموهبة ولا ينفي الجهد، إنما يجئ ليتوجهما بإقبال الناس وانشراحهم.

غلاف كتابه “28 حرف”

28 حرف

اليوم لن نتحدث عن “أحمد حلمي” الفنان، ولكننا سنتحدث عن جانب آخر لا يعلمه الكثيرمن الجمهور، وهو جانب الأدب، حيث طرح منذ سنوات قليلة كتابه الأول “28 حرف” الذي نشرته له دار “الحياة للدعاية والإعلان”، وحقق نجاحا هائلا، وتبرع ” حلمي” بجميع حقوقه المادية عن هذا الكتاب لجمعية ” ألوان وأوتار”.

الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات الجذابة جدا، والتى يغلب عليها روح الدعابة وخفة الظل، قام “حلمي” بنشرها فى إحدى الجرائد اليومية على مدار سنوات مختلفة قبل هوجة يناير 2011، وهى عبارة عن أرائه وذكرياته فى كثير من المواقف الحياتية والشخصية التى مرت به، وتحمل رسائل إجتماعية وإنسانية هادفة جدا.

ويضم الكتاب حوالي 24 مقال هى “ماليش فى الكورة، 28 حرف، كيس السعادة، أنا وأخويا وميكي ماوس، كابينة خمسة، السقيط، غروق الشمس، قميص أبيض 1/ 1/1 ، جرس الفسحة، سنة 1900 حاجة و80، عسل أبيض، كان نفسي أطلع عربجي، ماتيجوا نقرأ الفاتحة، عيد ميلادي، جواب، مجرد سؤال، وقت إضافي، عصيدة عمصاء، أبطال البطالة، زغروطة وحشة، مكرونة باشاميل، وزير التنقية والتقليم، خليك لئيم، اعتذار مؤقت”، عبر فيهم عن رأيه بأسلوب ساخر وبُعد فلسفي خفيف فى أكثر من موضوع، سواء فى حياته الخاصة أو فى الحياة بشكل عام، تصدرت واجهة الكتاب أو غلافه صورة الفنان “أحمد حلمي”، فيما يختتم الوجه الثانى بعبارة ابنته “لي لي” قائلة : “يا رب الكتاب يعجبكوا يا جماعة”.

مع ياسمين عبدالعزيز ورامز جلال والسقا ومنى زكي

مش مقدمة

يقول في بداية الكتاب وليس مقدمته لأنه يكره المقدمات: قرأت العديد من الكتب لم أقرأ يوما مقدماتها، ولا أعرف السبب، ربما لأنني لا أحب المقدمات وأفضل الدخول فى صلب الموضوع، لذلك وبسبب عدم حبي للمقدمات، فليس هناك مقدمة لما سأكتب، علما بأن ما كتبته الآن قيل لي أنه بمثابة مقدمة، فلتكن كما قالوا “مقدمة”، ربما ما تقرأونه يكون خياليا من وحي خيالي، وربما يكون من الخيال أنه بالفعل حدث، وسأبدأ كتابي بمقالة كتبتها في جريدة “الشروق” بعنوان “ماليش في الكورة”، وهى لها وضع خاص فى قلبي، فهي مقالتي البكرية وأول خلفتي، كانت لي سندا قويا فى الارتكاز عليها لتكملة رغبتي فى خلفة غيرها من أخواتها البنات والصبيان من المقالات .

مقال 28 حرف

من المقالات التى أعجبتني جدا لأنه يحمل فكرة مبتكرة وجديدة “28 حرف” حيث استعرض المؤلف حروف اللغة العربية وكل حرف يبدأ به جملة، ويستكمل ما يريد قوله بالحرف الثاني، فمثلا قال : أـ أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم كتابة مقال أسبوعي، ” ب” ــ بداية من النهارده اللي هو، “ت” ــ تقريبا كل يوم أربع، “ث” ــ ثابت من كل أسبوع، “ج” ــ جايز أكون، ” ح” ــ حابب موضوع الكتابة ده، أو جايز أكون، ” خ” ــ خايف أصلي عملت لنفسي امتحان زي ما نتوا شايفين.

وهكذا إلى أن ينتهي من كل الحروف وينتهي مقاله.

كان نفسي أطلع عربجي

يا ترى عمرك اتمنيت تطلع عربجي؟ أنا أتمنيت وكنت فاكر أن كل الورق المطلوب علشان الواحد يبقى عربجي ورقة تثبت أن الواحد بيعرف يسوق حصان أو حمار، بس أنا كان طموحي أني أبقى بسوق حنطور مش كارو، كنت معجبا جدا بشكل الحنطور وخطوطه الانسيابية ولونه ودناديشه والكلاكس بتاعه اللي كان بيضربه العربجي برجله، يا سلام على شكل العربجي وهو متربع على عرش الحنطور كده وماسك كرباجه لحد ما ابتديت أسمع جمل من ناس كان وجود لفظ العربجي فيها لا يدل على أنه حاجة لطيفة…

مع والدته

كلمة أخيرة

من يقرأ كتاب “28 حرف” لـ”أحمد حلمي” يعتقد أنه كتاب لذيذ وخفيف، لكن المتأمل جيدا للكتاب يجده يتحدث عن أوجاع وطن، وأحلام بعض البسطاء بشكل غير مباشر، فشكرا لنجم الكوميديا على هذه الجرعة من الأدب، ونتمنى أن تواصل المشوار وتكتب لنا مقالات أخرى، تحمل هموم شخصية و إنسانية وحياتية ووطنية خاصة وعامة.

أحمد حلمي يمتلك موهبة فنية عالية جدا ونادرة إلى أبعد الحدود، وهذه الموهبة هى التى أمدته بالقوة والقدرة على تجديد نفسه بصورة مستمرة خلال فترة امتدت 20 عاما حافظ فيها على موقعه من القمة الفنية، وموهبة “حلمي” موهبة خصبة وغنية وليس من السهل إزاحتها من القمة بسهولة، مثل غيره من نجوم الكوميديا الذين إنطفأ توهجهم مبكرا، لأنهم لم يطوروا ولا يجددوا من أنفسهم، فـ “حلمي” وصل إلى القمة بمجهود بالغ المشقة وموهبة نادرة فى تاريخ الفن العربي، وسوف يبقى فى موقعه مهما تعددت النجوم حوله، لأن المواهب الحقيقية لا تموت بظهور مواهب أخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.