الطمع.. تيمة الدراما ووباء كل زمان
بقلم : محمود حسونة
الطمع.. وباء كل زمان ومكان، فشلت الإنسانية في إيجاد علاج له؛ وباء بسببه هبط آدم وحواء من الجنة، وتخلص قابيل من هابيل، حتى بعد أن تجاوز عدد أبناء آدم المليارات السبعة، مازال الوباء ضارباً في أعماق النفس البشرية؛ ومؤمرات الطامعين تأخذ الكثير من وقت الناس وأعمارهم التي سيسائلهم بشأنها رب العالمين في يوم الحساب “وعن عمره فيما أفناه”، وهو الباب الأوسع الذي يدخل منه الشيطان إلى النفس ليوسوس للإنسان بارتكاب مختلف الجرائم بعد أن يزين له سوء عمله ويقنعه باستحلال المحرم.
أمام كل ذلك، من الطبيعي أن يكون الطمع محور الكثير من إبداعات الأدباء والفنانين، ولن ننسى أن سيد المسرح العالمي وليم شكسبير شغلته كثيراً قضية الطمع وأفرد لها العديد من أعماله الخالدة، وعلى رأسها هاملت، حيث تتناول المسرحية قصة مأساة شهيرة تتمزَّق خلالها كل روابط الأخوة والعلاقات الأسرية بسبب الطمع الموجود داخل البشر في السيطرة على الحكم واعتلاء العرش الملكي، وسيظل التاجر اليهودي في “تاجر البندقية” التجسيد الأدبي الأروع للنموذج الإنساني الشره طمعاً وجشعاً.
على منوال شكسبير سار عظماء الإبداع العالمي في التحذير من هذه الآفة الانسانية التي تحرق من يقع في براثنها، وقديماً قال الفرنسيون “من يطمع بكل شيء يخسر كل شيء” وتحول إلى مثل شعبي لديهم، ليعبر عن حقيقة أن الطماع أو الجشع بعد أن يفتضح أمره وتنكشف مؤامراته لن يتركه الناس، وسوف يردون له الصاع صاعين.
ككل عام، استحوذت تيمة الطمع على أكثر من مسلسل تليفزيوني في الموسم الرمضاني المنتهي، وتم التعبير عنها بأكثر من طريقة، ووضع كل مؤلف الشكل الذي يراه الأنسب للانتقام من الطامع حسب قناعاته وحسب أحداث مسلسله.
من بين الأعمال التي تناولت الطمع بشكل نال إعجاب الناس، مسلسل “خيانة عهد”، بطولة يسرا وحلا شيحة وجومانة مراد وخالد سرحان وعبير صبري، إخراج سامح عبد العزيز، تأليف أحمد عادل وسيناريو وحوار أمين جمال ووليد أبو المجد ومحمد أبو السعد. تناول حكاية عهد (يسرا) وأختها وأخيها من الأب (حلا شيحة وخالد سرحان) اللذان يحملان لها الكثير من الكراهية والبغضاء ويسعيان للاستيلاء على ممتلكاتها انتقاماً من كراهية أمها لهما، وتفضيل والدهما لها في صغرهم، فيحيكان لها المؤمرات التي ينتج عنها قتل فرح (حلا) لابن عهد الوحيد بعد دفعه لإدمان الهيروين، وتوريط أخوها مروان (خالد سرحان) مصنعها بضرائب مبالغ فيها للاستيلاء عليه وإفلاسها بشكل كامل، رغم حبها لهما وسعيها الدائم لدعمهما مادياً وتبني مشاكلهما الاجتماعية والتغاضي عن صغائرهما السلوكية والحياتية؛ وبعد مقتل ابنها واكتشافها المؤمرات، تنقلب الأحداث وتقرر عهد الانتقام بنفس سكين الغدر الذي طعنت به، وتدفع الأخ إلى قتل زوجته فيصل إلى حبل المشنقة، وتنال الأخت حكماً بالأشغال الشاقة المؤبدة.
أيضاً، تناول مسلسل “البرنس” لمحمد رمضان وأحمد زاهر ونور وروجينا، تأليف وإخراج محمد سامي، آفة الطمع بأسلوب آخر، من خلال تآمر ٥ إخوة على أخيهم السادس (من الأب) رضوان، بعد أن كتب أبوهم الميراث له مع وصية بعدم منحهم حصصهم إلا بعد أن يتخلوا عن الطرق الملتوية التي يسلكونها، والتي كانت مصدر عدم رضاه عنهم.. وتوالت مؤامراتهم بداية من محاولة قتل رضوان وابنه وابنته وزوجته بحادث سيارة، نجا منه هو والابنة، ثم محاولة قتله مجدداً وهو في المستشفى، إلى تلفيق قضية سرقة بالإكراه نال عنها ٥ سنوات سجن، ولم تقف المؤامرة عند هذا الحد بل استمرت من خلال خطف ابنته لإرغامه على التنازل عن الميراث، ثم رميها في الشارع.. وبعد خروج رضوان من السجن بدأ رحلة الانتقام، ليدفع بأخيه إلى قتل زوجته وأخيه الثاني بعد اكتشافه خيانتهما له، وانتحار الثالث.
معالجة مختلفة تماماً للطمع اتخذت الطابع الكوميدي تابعناها من خلال “ب ١٠٠ وش” لنيللي كريم وآسر ياسين، تأليف عمرو الدالي وأحمد وائل وإخراج صانعة التميز كاملة أبو ذكري؛ يدور حول عصابة تضم نماذج من فئات اجتماعية مختلفة، تتفق على النصب والاحتيال لجني المال طمعاً في أن يصبحوا من أصحاب الملايين، وكلما نجحوا في عملية، طمعوا في المزيد، وخططوا لعملية أكبر، حتى جاءهم في النهاية من ينصب عليهم.
في الدراما الخليجية أيضاً، شاهدنا الطمع بأشكال مختلفة، نختار منها الإماراتي “الشهد المر”، للدكتور حبيب غلوم وهيفاء حسين وزهرة عرفات، تأليف اسماعيل عبدالله وإخراج مصطفى رشيد؛ مسلسل جيد جسد بشاعة النفس البشرية حين تصل بالمرء إلى حدود ارتكاب الجرائم والتزوير وخلق الفتنة بين أفراد الأسرة الواحدة وفِي المجتمع، طمعاً في الحصول على الأموال والسلطة.
هذه مجرد نماذج من أعمال درامية عدة تناولت الطمع، وسنرى في المستقبل الكثير من هذه النوعية، ليظل التيمة التي يشتغل عليها المبدعون؛ فالطمع ينخر دائماً في النفس البشرية، وهو وسيلة الضعفاء والحاقدين وعديمي الموهبة في الحياة، وهذه النماذج موجودة فعلاً في الحياة وستجدونها في بعض المحيطين بكم، فاحذروهم حتى
لا تقعوا في دائرة الطمع وتابعه الانتقام.
mahmoudhassouna2020@gmail.com