رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ذكرى رحيل شاعر الشباب أحمد رامي

رامي في دار الكتب

كتبت : أحمد السماحي

نحتفل يوم الجمعة القادم الخامس من يونيو بالذكرى 39 لرحيل الشاعر الكبير “أحمد رامي” الذي رحل عن حياتنا يوم 5 يونيو 1981 بعد رحلة عطاء كبيرة فى عالم الشعر بصفة عامة، والأغنية المصرية بصفة خاصة، وتغنى بأشعاره أساطين الأغنية المصرية والعربية أبرزهم “أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، فتحية أحمد، صالح عبدالحي، أسمهان، نادرة، نجاة علي، نور الهدى، صباح، فريد الأطرش، محمد فوزي، نجاة، هدى سلطان” وغيرهم من المطربين والمطربات.

حي الناصرية

ولد شاعرنا الكبير  يوم 9 أغسطس عام 1892، وخرج إلى النور في بيت عريق بحي “الناصرية” بالقاهرة، وكان والده “محمد رامي” لا يزال يومئذ طالبا بمدرسة الطب، ولد “رامي” والنغم ملء أذنيه حيث أن والده كان عاشقا للفن والنغم.

وعندما تخرج الأب من مدرسة الطب اختاره الخديو “عباس الثاني” ليكون طبيبا لجزيرة “طاشيوز” وهى جزيرة صغيرة على مقربة من “قوله” مسقط رأس “محمد علي”، تابعة لدولة تركيا، وكانت هذه الجزيرة ملكا خاصا لـ “عباس الثاني”، اصطحب “محمد أفندى” ابنه “أحمد” معه وكان وقتها فى السابعة من عمره، فتفتح خياله على غابات اللوز والفاكهة والبحر والموج والشاطئ، وكانت ملاعبه هناك بين مروج النرجس الكثيفة.

لحظة سرحان

التحدث بالتركية واليونانية

عاد “رامي” إلى القاهرة وهو في التاسعة وقد وعى التركية واليونانية، وهما لغتا أهل جزيرة “طاشيوز”، وبعد أسابيع من وجوده فى القاهرة، عاد والده إلى “طاشيوز” لتكملة عمله، وترك عند بعض أهله في بيت يقع في حضن القبور بحي الإمام الشافعي، فاستوحشت نفسه، وانطوت على هم وحزن عميقين، والتحق انذاك بالمدرسة المحمدية الإبتدائية بحي السيوفية.

وعندما عاد أبوه من ” طاشيوز” عادت الأسرة إلى بيتها القديم بحيي “الناصرية”، لكن سرعان ما يلتحق الأب بالجيش فى السودان، فيترك ابنه ” أحمد” عند جده وهو شيخ فى السبعين، يسكن حي “الحنفي”، فعاودت “أحمد” الوحشة بعد “اللمة”، لكن سرعان ما خففت هذه الوحشة حدتها، حيث كانت نافذة غرفته تطل على مسجد “السلطان الحنفي”، ليستمع طيلة الليل إلى مجامع المتصوفة يتلون أورادهم، ويرددون ابتهالاتهم واستغاثاتهم فى نغم جميل.

فى لحظة انسجام مع صوت ثومه

مسامرة الحبيب

وفى هذه الفترة كان له قريب من بيت “الرافعي” وهو بيت علم وأدب وثقافة ووطنية، وكانت لقريبه هذا مكتبة عامرة، أنس إليها “أحمد” فكان يقضي معظم وقته، وكان أول كتاب وقع فى يده فقرأه وتشبع به، وحفظه عن ظهر قلب، هو كتاب “مسامرة الحبيب فى الغزل والنسيب” وكله مختارات من شعر العشاق والغزليين، هذا الكتاب لعب الدور الأول فى حياة “رامي” فقرر مصير حياته.

ثم قرأ فى هذه المكتبة الكثير من الكتب، وأثناء ذلك التحق بالدراسة الثانوية بالمدرسة “الخديوية” وتعلقت نفسه بحب الأدب، وكانت هناك جماعة أدبية على مقربة منه بحي السيدة “زينب” اسمها “جمعية النشأة الحديثة” تضم مجموعة من كبار المتخصصين منهم “لطفي جمعه، إمام العبد، صادق عنبر، محمود أبوالعيون” وغيرهم، وكانت تقيم ندوة أدبية كل خميس، وتوسم “صادق عنبر” فى “رامي” خيرا، وسمعه يتلو الشعر تلاوة طيبة، فكلفه قراءة بعض المختارات من الشعر القديم فى هذه الندوة.

شاعر الشباب أحمد رامي

مصركنانة الرحمن

كتب “رامي” أول قصيدة فى حياته وهو فى الخامسة عشر من عمره، وكانت قصيدة وطنية بعنوان “مصر كنانة الرحمن” واتته الفرصة فى أن يتلوها على زملائه فى الندوة الأسبوعية وكان مطلعها يقول:

يا مصر أنت كنانة الرحمن

فى أرضه من سالف الأزمان

ساعد بلادك يابن مصر ونيلها

واهتف بها فى السر والإعلان

لاقت القصيدة إعجاب كثير من الحضور، خاصة من زملائه الشعراء الذين ينتموا إلى مدارس شعرية مختلفة.

وفى سنة 1910 نشرت له مجلة “الروايات الجديدة”، أول قصيدة منشورة وكان مطلعها يقول :

أيها الطائر المغرد رحماك

فإن التغريد قد ابكاني

أنت مثلت فى الغباء غريبا

غاب دهرا عن هذه الأوطان

حققت القصيدة نجاحا كبيرا، وجعلت اسم “رامي” يتردد فى عالم الشعر والثقافة.

مع بديع خيري

مدرسة المعلمين

بعد انتهائه من المرحلة الثانوية، هم بدخول مدرسة الحقوق، لولا أن نفسه كانت قد تعلقت بالأدب أيما تعلق، فلم يجد ما يروي غلته فى هذا المجال إلا مدرسة المعلمين العليا، فتحول إليها، وتخرج فيها عام الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وكان أول همه أن يتصل بشعراء ذلك الجيل وعلى رأسهم “أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وعبدالحليم المصري، وأحمد نسيم”، فاتصل بهم وأحبهم وأحبوه.

حافظ إبراهيم والسلام عليكم

 من لطيف ذكرياته – كما ذكر الشاعر صالح جودت فى دراسته عن أحمد رامي – أنه كان يعرض شعره الأول على زميله الشاعر “حافظ إبراهيم”، فكان يقول له إذا لم تعجبه قصيدة : دي زي السلام عليكم كل واحد يقدر يقولها!، فلم نضجت شاعرية “رامي” كان ” حافظ إبراهيم” من أوائل المحتشدين والمحبين لشعره.

الديوان الأول

تخرج “رامي” من مدرسة المعلمين العليا، وعين مدرسا بمدرسة القاهرة الإبتدائية بالسيدة زينب، وبعد عامين عين بمدرسة “القربية الأميرية”، يدرس للطلبة اللغة الإنجليزية، والجغرافيا، والترجمة، وفى عام 1918 يصدر ديوانه الأول، وكان صدور ديوانه حدثا أدبيا فى ذلك العهد، فقد طالع قراء العربية بلون جديد من الشعر، اختلفت فيه المدرستان القديمة والحديثة، هذه تؤيده وتلك تنحاه.

وضاق “رامي” بالتدريس ذرعا، فعاد مرة أخرى إلى رحاب مدرسة المعلمين العليا، حيث عين أمينا للمكتبة، فاطمأنت نفسه، وانصرف إلى حياة أدبية خالصة، وانكب على ما في المكتبة من آداب العالم الثلاثة العربية والفرنسية، والإنجليزية.

لحظة تأمل

السوربون

وهكذا ظل حتى سافر فى بعثة لدراسة اللغات الشرقية وفن المكتبات بباريس سنة 1923، وهناك فى السوربون ومدرسة اللغات الشرقية قضى عامين هما أسعد ذكريات شبابه، وعاد رامي بعد العامين إلى القاهرة حيث عين فى دار الكتب المصرية، وظل يتدرج فى مناصبها حتى أصبح وكيلا لها.

شاعر الشباب

كان “أحمد رامي” يلقب فى المجامع والمنتديات بشاعر الشباب، وقصة ذلك أنه كان فى بداية حياته الأدبية ينشر شعره بمجلة “الشباب”، لصاحبها المرحوم “عبدالعزيز الصدر”، الذي أطلق عليه اللقب نسبة إلى المجلة، وبقى مقترنا باسمه حتى رحيله.

مع ثومه والقصبجي الثلاثي الذي شكل وجداننا

اللقاء مع أم كلثوم

تشير الدكتورة “نعمات أحمد فؤاد” إلى أن سبب تحول “رامى” بعد كتابة ثلاث قصائد بالفصحى إلى العامية، هو أن “أم كلثوم” نفسها هى التى أقنعته.. ونظرا لحالة الإعجاب المبكر التى استولت على شاعرية شاعر الحب والشباب تجاه الآنسة “أم كلثوم” التى لم ترفض له كلمات قصائده الفصحي- رغم أنها كانت عكس رغبتها !، فقد استجاب رامى أخيرا وتحول تماما إلى كاتب أغنية باللهجة العامية، فقدم لها أول ما قدم منولوج “خايف يكون حبك”، من تلحين الدكتور أحمد صبرى النجريدى.

ومنذ أن كتب “رامى” هذه الكلمات العذبة، ظل شيطان الشعر العامى مسيطرا عليه حتى كتب لـ “أم كلثوم” أكثر من مائة وخمسة وثلاثين أغنية ما بين العاطفية والوطنية وأغنيات بعض الأفلام.

تعليق 1
  1. سامية حبيب يقول

    شكرا وننتظر جزء ثاني عن شاعر الحب والمحبة الخالد رامي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.