عناق روحاني بين “هبة القواس” و”عبد العزيز الخوجة”
كتب : شهريار النجوم
على مسرحها الجديد والحميم في الفضاء التخيلي، خاضت المؤلّفة الموسيقية ومغنية الأوبرا دكتورة هبة القواس “هبة القوّاس” تجربة جديدة ومميزة، في بث مباشر من خلال منصات التواصل الاجتماعي المتعددة التي باتت اليوم حاجة ملحة لاستكمال الحياة بحدها الأدنى، كما اقامت في الوقت ذاته عدة لقاءات موسيقية شعرية ثقافية مع مجموعة من الضيوف، كل من مكانه تجمعهم شاشة الهاتف أو الكومبيوتر.
ظهرت “القواس” خلال تلك تجربتها الغنائية الجديدة في أبهى تجليّاتها، وأصدق لحظاتها الفنية وأمتع أعمالها الموسيقية، تاركة خلف البيانو كل أدواتها الباحثة عن الكمال لأنها وجدته في عري الحقيقة غير المتبرجة، وفي ارتجالٍ يُخرج الذات من ردائها، إنه ارتجالٌ وتلقائية بشكل مغاير حيث رافق عملها المصوّر الأخير “الله يا الله” ، كلمات “عبد العزيز خوجة” حتى الخاتمة ولحظة صوت إطفاء التسجيل.
يذكر أن الدكتورة هبة القواس سلكت الطريق المباشر إلى المستقبل، من دون الوقوف على أطلال الزمن الجميل القريب الذي وضّبتْه في حقيبةٍ بانتظار إخراجه إلى الضوء، إذا حدث وكان هذا الضوء قريبا، زمنٌ جديد إذا فرضته جرثومة غير منظورة هبطت من قدَرٍ ما وحلَّ على العالم أجمع وناسه بمن فيهم المثقفين والفنانين والمبدعين، بعض هؤلاء كانت لهم معه قصة تُروى من خلال تجربتها الجديدة.
هبة القوّاس المكتملة الصورة الإبداعية، أو كما طمحت دائماً أن تكون، عبر مسارٍ عابر للتأليف السيمفوني وعلم الموسيقى والأداء الاحترافي والمسارح والأوركسترات العالمية، والأوبرا العربية التي تُوّجت رائدتها في العالم العربي بعد سنوات من التحدي والدراسة والبحث والتجريب والغناء، وجدت نفسها في غفلة من الزمن أمام حقيقةٍ قلبت مفاهيم وغيرت قناعات وعبرت بنا بسرعة قصوى إلى أقصى عمق فينا.
أيقنت “القواس” أن التحدّي الأكبر في مسيرتها ربما آن أوانه: الوقوف وجها لوجه أمام هذه الحقيقة ولكن من دون إضافات وأنماط تجميلية، وفي الوقت نفسه من دون المساومة على القيمة الفنّية أو التخلّي عن سنوات من البحث عن الكمال، فإذا بالمؤلفة الموسيقية التي تملأ المسارح وروّادها بصوتها، وبجيش من الأوركسترا والعازفين والتقنيين وبفخامة الإطلالة، تجلس منفردةً على البيانو في ركنٍ من المنزل، عازفةً، مؤدّيةً، مرتجلةً، متفاعلة مع جمهور ما خلف الشاشة، مكتفيةً بالحقيقة الجديدة في حجْرٍ صحّي روحيّ موسيقيّ يؤسس لعصرٍ مختلف الملامح.
يعكس هذا العمل الموسيقي الجديد كثير من ميزات “القوّاس”، لأنه من صنع القلب وارتعاشات الروح، ولاسيّما أنه أحد عملين قدّمتهما المؤلفة الموسيقية في افتتاح الفاعليات الثقافية الرمضانية وفي ختامها، التي نظمتها مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون ADMAF. ، هذان العملان لـ “هبة القواس” هما ثمرة تعاون ناجح ومثمر بين الجهتين بهدف الحفاظ على الإطار الثقافي ومكتسباته وإرثه العريق، وتأسيساً لمرحلة ثقافية مختلفة فرضها إيقاع الزمن الراهن، ولكن تحت ظلال بنيان ثقافي متين كانت بدأته منذ سنوات بجهود جبارة مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون، واليوم تُستكمل هذه الجهود، مع اختلاف الظروف، وإنما بدفع أكبر ورسالة ثقافية فنية سامية، تهدف إلى توثيق التعاون وتعزيز التواصل بين المؤسسات على مستوى العالم العربي للنهوض الثقافي في أصعب الأزمات وفي ظل جائحة كورونا الحالية.
العمل الذي أطلق عبر المنصّات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وعلى الشاشات العربية، ارتكز على قصيدة الوزير والشاعر السعودي عبد العزيز خوجة، التي تحمل أبعادا روحانيّة صوفيّة إنسانية عميقة في عناق فنّي مع موسيقى وأداء القواس، في ارتجالات موسيقية غنائية من إنتاج مؤسسة HKI بالتعاون مع ADMAF، قُدّم في شهر رمضان المبارك بمثابة دعاء وصلاة للإنسانية وهي تمرّ بالمحنة الأصعب في تاريخها الحديث.
…………………………………………………………………………………………..لينك ابتهالات “هبة القواس على يوتيوب