ابتعدت الدراما عن الأدب فوقعت فى فخاخ المط والتطويل
كتب : أحمد السماحي
منذ أن أوجد الله الإنسان في هذا الكون واستخلفه في الأرض، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل دور الدراما في محاكاة نماذج التجربة الإنسانية المستمرة والآخذة في التجدد – فكرا وفعلا – لذلك فإني لا أُحبذ تسطيح المعنى الفني واختصار هدفه في كلمة (الفن رسالة) إذ إن الفنون والآداب بمفاهيمهما العمومية أعمق وأشمل من ذلك الاختصار الساذج والنظرة البدائية القاصرة.
الكلام في مناسبة طوفان المسلسلات الذي أغرق المشاهدين خلال شهر رمضان الماضي، لدرجة جعلت الكثيرين منهم لا يملكون الوقت للالتفات حولهم، ورغم سعادتنا بهذا العدد ــ “25 ” مسلسلا ــ الذي كان يمكن أن يزيد أكثر لولا أزمة فيروس كورونا، لأن هذا العدد فى الأول والآخر يفتح بيوت ناس كثيرين يعملون فى مهنة الفن، ويؤكد ريادة مصر، وسيطرتها على السوق الدرامي العربي، لكن وسط هذا الزخم الدرامي الهادر، غاب الأدب والأعمال الأدبية عن شاشة الدراما، ولم يظهر هذا العام على شاشة الفضائيات في مصر مسلسل واحد مأخوذ عن عمل أدبي، مما جعل جمهور المنازل بعد أن عانوا من المط والتطويل فى أحداث المسلسلات التى عرضت يصرخن بالشكوى من هذه الظاهرة التى تعاني منها الدراما المصرية كل عام، فالحدث الذي يمكن أن ينتهي فى مشهدين أو ثلاثة، يجعله صناع العمل حلقة واثنين وثلاثة.
ورغم علم كل العاملين في هذا المجال بظاهرة المط والتطويل، ورغم تأكيدهم على أزمة نصوص طاحنة، فإنهم لا يقتربون، وقت الجد، من الأدب إلا على استحياء، رغم أن الأدب حسب تأكيدات بعضهم يمكن أن يقدم طوق نجاة للدراما التلفزيونية، مثلما أنقذ السينما فى الخمسينات والستينات.
الشوارع الخلفية
لو نظرنا إلى الخريطة الرمضانية سنجد أن ثلاث أعمال درامية فقط هى التى قدمت فى العشر سنوات الماضية وأخذت عن نصوص أدبية، أول هذه الأعمال الثلاثة هو مسلسل “الشوارع الخلفية” تأليف الكاتب الكبير “عبدالرحمن الشرقاوي”، وقدم هذا العمل عام 2011 من إنتاج شركة “العدل جروب”، سيناريو وحوار “مدحت العدل”، بطولة “جمال سليمان، ليلى علوي، حورية فرغلي، أحمد داود، وغيرهم من النجوم، وقد أخرج العمل “جمال عبدالحميد” وحقق وقت عرضه نجاحا كبيرا.
لا تطفئ الشمس
توقعنا أن تنهال علينا الأعمال الدرامية المأخوذ عن أعمال أدبية بعد نجاح مسلسل “الشوارع الخلفية”، لكن للأسف الشديد انتظرنا حوالي ست سنوات حتى قدم العمل الثاني المأخوذ عن نص أدبي، وهو مسلسل “لا تطفئ الشمس” قصة الأديب الكبير “إحسان عبدالقدوس”، حيث قام السيناريست الشهير”تامر حبيب”، بتحويل هذه الرواية الشهيرة في عام 2017 إلى عمل درامي يقع في 30 حلقة، لكن المسلسل حقق فشلا ذريعا لدرجة أن الناقدة “ماجدة خيرالله” كتبت قائلة : ” تامر أرجوك لا تفشخ الشمس” بسبب ضعف وركاكة المسلسل.
أرض النفاق
آخر مسلسل قدم عن عمل أدبي كان مسلسل “أرض النفاق” عام 2018 إنتاج “العدل جروب”، وبطولة النجم الكوميدي “محمد هنيدي، هنا شيحه، دلال عبدالعزيز، سامي مغاوري، وقصة المسلسل مأخوذة من رواية للكاتب الكبير “يوسف السباعي” تحمل نفس الاسم، وحقق المسلسل نجاحا كبير وقت عرضه، وإزداد مع إعادة عرض الحلقات.
سؤلان لصناع الدراما
والسؤال الآن هل نرى بعد مهزلة الأعمال الكوميدية الضعيفة السمجة الرزلة التى قدمت هذا العام، باستثناء مسلسلي “100 وش” و”سكر زيادة”، إن المسألة التي يتحجج بها الذين وافقوا على عرض تلك المسلسلات هى أنها كوميدية، ومن الطبيعي أن تعتمد على عنصر الإضحاك، ولكنهم لم يعوا أن هناك فرقًا كبيرًا بين الإضحاك والابتذال، بين السخرية والإسفاف، بين النكتة والتهريج، بين الكوميديا و(ثقل الدم)، إنهم مازالوا يعتقدون أن ارتداء الملابس الغريبة، ونكش الشعر، واعوجاج اللسان في نطق بعض الكلمات، واستخدام التعابير الجسدية الغريبة، والانفعالات أو التفاعلات مع المواقف بشكل غير متوقع ومستفز ومفاجئ ومبالغ فيه أمر يثير الضحك، وهو بالفعل يثير الضحك لدى البلهاء، ويجعل الآخرين الذين ينتظرون فنًا مصريا – في هذا الزمن خاصة – الذي تتاح فيه كامل الفرصة لظهور ما لدينا من طاقات ومواهب وإمكانات، يجعلهم يشفقون علينا، وعلى وعينا، وعلى بدائيتنا الفنية، وسذاجة تجربتنا في الفنون والآداب.
وهذا حري بنا أن تلجأ إلى أعمال كوميدية مأخوذ عن أعمال أدبية؟! وهل نرى بعد مشاهد المط والتطويل التى قدمت فى كثير من الأعمال الدرامية التى عرضت طوال شهر رمضان، أعمال مأخوذ من روايات أدبية ترحمنا من هذا المط والتطويل؟ سؤلان الإجابة عليهما في يد منتجي الدراما المصرية.