المهووسون بالابتذال
بقلم: محمود حسونة
لم نتخيل أن يتخلى بعض فنانينا عن الحد الأدنى من الحياء الإنساني، ويقدموا أسوأ ما لديهم على شاشة رمضان، من دون أي مراعاة لحرمة الشهر الكريم، ولا للظروف التي تعيشها البشرية؛ وكأنهم غير معنيين بأحوال الناس في ظل فيروس لعين يطاردهم ويجبرهم على التباعد في شهر التقارب، وعلى حياة الوحدة في شهر اللمة.
كنا ننتظر من العابثين بالفن وجمهوره، أن يرتقوا بأنفسهم قليلاً خلال هذا الظرف الاستثنائي، فيفكرون ألف مرة بما سيقدمونه على الشاشة ويتراجعون عن الابتذال والتفاهة المعهودة، ليقدموا في هذا الموسم المختلف، شيئاً مختلفا، يحمل بعضاً مما ينفع الناس ويرتقي بذائقتهم ويعبر عن همومهم.. لكن يبدو أن أمنياتنا فاقت مستوياتهم وقدراتهم، فإذا بهم يزدادون عبثًا، ويغرقون في مستنقع الابتذال بشكل مستفز.
رامز اعترف بأنه مجنون رسمي، واستدرج زملاءه وأصدقاءه ليمارس عليهم ساديته، ويجبرهم على البكاء استعطافًا له كي يعتقهم من تنمره وممارساته الشيطانية، وألاعيبه المؤذية للبدن والنفس والمشوهة لكل من يقعون بين يديه، وهي ألاعيب مارسها رامز منذ سنوات ولكنه في هذا العام ازداد استشراساً، وأصبح الأذى “عيني عينك”، من دون أي حمرة خجل ولا مراعاة لمن يتوسلون إليه أن يرحمهم أو من يكشفون له عن مرض يعانونه ويخشون أن تنتهي لعبته بإنهاء حياتهم.
رامز اتخذ من ايذاء الآخرين وسيلة للارتزاق وتحقيق الشهرة الوهمية، حتى ولو كان ذلك على حساب أي قيمة أو معنى، فالأهم أن يظل له وجود وأن يحصل على أجره من شركة الإنتاج،وأن يتحدث عنه المهووسين بالمقالب، بصرف النظر عن أي عواقب.
هذا الموسم أيضاً فوجئنا بفيفي عبده التي كانت دوماً من ضحايا رامز، تتعلم منه الدرس، وتمارس لعبة مشابهة، تقدم خلالها وصلات مما تجيده من ردح وسوقية وابتذال وصراخ، متوهمة أن برنامجها الموتور سيعيدها إلى الأضواء، بعد أن غربت عنها شمس الشهرة، وأصبحت غير مطلوبة لا تليفزيونياً ولا رقصاً، واكتشفت أن لا مجال أمامها سوى أن تنتج برنامجاً وتسوقه بنفسها أملاً في أن يظل لها بعض الوجود، متجاهلة أنها ستلقى من سباب الناس وغضبهم ما لا يقارن بمال ولا بشهرة، وإن كنا نعلم أن هذه الأمور لا تفرق معها.
إذا قبلنا تجاوزاً بحق رامز وفيفي سلوك أي طريق دفاعاً عن حقهما في التواجد، فلن نفهم موقف الفنانين والمشاهير الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات لعبث كل منهما، وموافقتهم على عرض هذه الحلقات، مقابل بعض المال، وهو ما يضعهم في نفس الخانة، فالعابثين والضحايا سواء، ومن يقبل أن يبيع كرامته ويشوه صورته مقابل مبلغ مالي، ينبغي أن يسقطه الجمهور من حساباته، ويتعامل معه على أنه مرتزق ولا يستحق أن يكون نجماً أو قدوة حتى لأولاده.
رامز مجنون رسمي، وخلي بالك من فيفي، ليسا سوى نموذجين للابتذال الفني والتليفزيوني في رمضان، وما يشبههما كثير، أمام قليل مما هو هادف ويحمل رسالة ويقدم قيمة ويحترم الجمهور.. فليس من الممكن أن من يشاهد عملاً عظيماً مثل مسلسل “الاختيار”، يرضى أن يضيع وقته أمام أعمال مبتذلة مثل برامج رامز وفيفي ومن هم على شاكلتهما.
من يتتبع الشاشات يجد أن كلا من “رامز مجنون رسمي” و”خلي بالك من فيفي” تعرضهما شاشة واحدة، ألا يثير ذلك العديد من التساؤلات حول هدف القناة من عرض مثل هذه الأعمال؟
وإذا كانت للمحطة مآرب أخرى ربحية أو تجارية أو أكبر من ذلك، فإن مآربها لن تتحقق، والدليل حملة الغضب ضد هذا النمط المشوه على مواقع التواصل الاجتماعي.
بيننا مهووسون بالابتذال، ولكنهم كالزبد يذهب جفاء، ولن يصح في النهاية إلا الصحيح.
mahmoudhassouna2020@gmail.com