عندما حدثت النكسة عام1967 كتب نزار قباني قصيدته الشهيرة “هوامش على دفتر النكسة”، ومنذ ذلك اليوم وهو شاعر العرب والعروبة الكبير، لقد خرج شاعر النساء من مخدع المرأة وإرتدى زى المقاتل وشهر قلمه الذى لا يملك سواه، وحمل هموم الأمة، وبدأ برسم قصائده الثائرة الغاضبة، فكتب قصيدته الرائعة “القدس” التي يقول مطلعها:
“بكيت حتي انتهت الدموع
صليت حتي ذابت الشموع
ركعت حتي ملني الركوع
سألت عن محمد فيك وعن يسوع
يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء
يا قدس يا منارة الشرائع
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
يا واحة ظليلة مر بها الرسول
حزينة حجارة الشوارع
حزينة مآذن الجوامع
يا قدس يا جميلة تلتف بالسواد”
وما إن نشرت القصيدة حتي أعجبت شادية بها، واستهوتها معاني القصيدة، وأبكاها يومها، وكما يقول الشاعرالكبيرمجدي نجيب الشطر الذى يقول فيه نزار: “من يحمل الألعاب للأولاد فى ليلة الميلاد”، بكت شادية مثلما يبكى الأطفال الذين فقدوا وافتقدوا الحلم وفقدوا ذاكرة الألوان، فهي معجونة بحب الأطفال وعالية الإحساس بمفهوم الوطن، يومها سلمت شادية القصيدة للموسيقار الكبير”رياض السنباطي” وطلبت منه تلحينها.
وفى زيارة خاطفة للشاعر “نزار قباني” للقاهرة لتسليم الزعيم جمال عبدالناصر رسالة يوضح فيها موقفه من قصيدة “هوامش على دفتر النكسة”، كما نصحة صديقة الكاتب الصحفي “رجاء النقاش”، قابل”نزار” الموسيقار “رياض السنباطي”، والشاعر “مجدي نجيب” وجلسوا الثلاثة في حديقة “جروبي”، واتفق “السنباطي ونزار” على كل التفاصيل، وكان الجديد في الموضوع أن “الأخوين رحباني” سيقومان بتوزيع الأغنية.
ولكن “عبدالحليم حافظ” أراد غناء القصيدة، وأثار ضجة يومها معلنا أنه صاحب الحق فيها لأن نزار كان قد أعطاه الوعد بغنائها، و”محمد الموجي” انتهى من تلحينها بالفعل، والحقيقة أن شادية احترمت رغبة العندليب وأخبرت “السنباطي” أن يحتفظ بلحن القصيدة، ويبحث مع “نزار” عن قصيدة أخرى تقوم بغنائها، وعندما علم عبدالحليم بهذا وحبا في شادية التي كان يعتبرها “وش السعد” عليه ومثل أخته فلم يفرج عن القصيدة، ونفس الأمر فعلته شادية وحبست القصيدة في درج مكتبها ولم تخرجها، لأنها لا تقل جدعنة ولاشهامة عن عبدالحليم، وأيضا لأن قانون حق المؤلف يمنع تلحين كلمات الأغنية الواحدة بلحنين مختلفين.
ومع انتفاضة أطفال الحجارة، التي اندلعت أواخرالعام 1987 لتكتب فصلا ملحمياً جديداً من فصول القضية اندلعت القصائد والأغنيات التي خلدت هذه الانتفاضة، وسعت لمواكبة أثرها الملهم والعابق بالأمل في الوجدان العربي، يومها يلحن الملحن الخليجي “عبدالعزيز ناصر” هذه القصيدة وتغنيها المجموعة، كما يقوم المطرب والملحن المغربي “محمد بوخريص” بغناء القصيدة، وتمر الأيام والشهور والسنين وتجذب القصيدة انتباه المطربة “لطيفة” وتعيد اكتشاف هذه القصيدة الجوهرة وتعهد بها إلي المطرب والملحن كاظم الساهر ليلحنها وتقدمها بصوتها، كما تقدمها “كديو” مع الساهر في حفل في ” البرت هول” بلندن.