تجربة درامية نادرة خاضها شاعرنا الكبير نزار قباني في نهاية الستينات، لم يتوقف عندها أحد من قبل، حتى الشاعر نفسه لم يذكرها في أحد حواراته، وكأنه كان يتعمد أن يسقطها من الذاكرة رغم نجاحها الكبير والضجة التى حققتها في هذا الوقت، هذه التجربة كانت من خلال مسلسل إذاعي قام ببطولته مع المطربة الرقيقة “نجاة الصغيرة”، والنجم السينمائي “كمال الشناوي”، والفنانة القديرة “نعيمة وصفي”، والفنانة “وداد حمدي”، والمخرج المسرحي “فهمي الخولي” الذى كان في بداية مشواره الفني، وقام بإخراج المسلسل متعدد المواهب الفنان “السيد بدير”.
كان السبب في خروج هذه التجربة للنور النجاح الكبير الذى حققته قصيدتى “أيظن” و”ماذا أقول له”، ففي هذا الوقت استغل “السيد بدير” الضجة المثارة حول “نجاة ونزار” من خلال الصحف المصرية والعربية، ونجاحهما فى تغيير شكل الأغنية المصرية والعربية، وأحب أن يقدم انفرادا للإذاعة المصرية، فحاول إقناع “نجاة” والشاعر “نزار قبانى” عام 1966 أن يقدما معا عملا إذاعيا للإذاعة المصرية في شهر رمضان حيث تكون نسبة الإستماع عالية، وبعد محاولات عديدة ورفض من جانب الطرفين، وافقا “نزار ونجاة” على القيام ببطولة المسلسل الإذاعى الرومانسى “القيثارة الحزينة” تأليف الكاتب الكبير “يوسف السباعي”، سيناريو وحوار “رمضان خليفه”، موسيقى “محمد عبدالوهاب”.
تدور أحداث المسلسل حول الفتاة الرقيقة “هدى أو نجاة ” التى تعيش بمفردها مع والداها الكبير فى السن، وخادمتها فى فيلا فخمة فى الأسكندرية، وفى أحد الأيام يسكن بجوارها محامى شاب إسمه “عصام أو كمال الشناوي”، يحاول الاقتراب منها، ومعرفة سر حزنها وشرودها طوال الوقت، وبعد طول تردد تحكى له قصتها مع الصحفى الشهير “طارق أو نزار قباني” صاحب باب حل المشاكل فى إحدى المجلات، والكاتب الشهير صاحب الروايات المثيرة، الذى ارتبطت معه بقصة حب، بعد أن أرسلت له أكثر من رسالة تسأله فيها: “هى ترتبط بابن عمها المهندس الشاب “عزت” الذى تربطهما علاقة أخوة، وتتحول حكايتها مع عزت إلى حالة من الشفقة بعد إصابته بإعاقه فى ساقه، مما جعلها تعطف عليه، وتتنازل عن أحلامها، وتوافق على الزواج منه رغم إنها لا تحبه؟، فيقترب منها “طارق”، وتنشأ بينهما علاقة إعجاب تتحول إلى مأساة، وتدور باقى الأحداث.
عن هذا العمل الدرامي الذى يعتبر تجربة نادرة في حياة الشاعر الكبير “نزار قباني” سألت يوم ما صديقي الفنان الراحل “كمال الشناوي” الذى كان تربطني به علاقة صداقة وطيدة فقال: كانت تربطني بالفنان “السيد بدير”علاقة صداقة وحب وزمالة واحترام، وفي أحد الأيام اتصل بي هاتفيا وطلب مني مقابلته، وعندما تقابلناعرض علي بطولة مسلسل إذاعي لإذاعة يذاع في شهر رمضان بعنوان “القيثارة الحزينة”.
ونظرا لإنشغالي في بطولة العديد من الأفلام السينمائية رفضت البطولة، لكنه طلب مني التمهل قبل الرفض، وقراءة الحلقات المأخوذة من قصة لـ”يوسف السباعي”، وأعطاني نسخة من الحلقات، وعندما رجعت لمنزلي وبدأت القراءة لم أترك الحلقات إلا بعد إنتهائي منها تماما، نظرا لإعجابي الشديد بالكتابة، وتوقفت عند شخصية الكاتب الصحفي في الحلقات وأعتقدت إنني سألعب هذا الدور لأنه البطل الرئيسي ومليئ بالانفعالات والدراما والإثارة والرومانسية، لكن بعد مقابلتي للسيد بدير فجر المفاجأة، فقال لي: ستلعب دور “عصام” المحامي الشاب! فسألته باندهاش واستغراب ومن سيقوم بدور الكاتب الصحفي الكبير طارق؟! فصمت بعض الوقت وفجر قنبلته فقال بهدوء شديد: “نزار قباني!”، ففغرت فاهي وتساءلت بدهشة نزار قباني مين؟: الشاعر؟! فقال نعم، وسألته ووافق؟! فرد نعم وافق، وفجر قنبلته الثانية وستقوم “نجاة الصغيرة” ببطولة المسلسل!.
ورغم أن دور “عصام” ليس به شيئا جديدا بالنسبة لي، وسبق ولعبت مثله كثيرا، سواء في السينما او الإذاعة، لكن أعجبني جدا وحمسني للمشاركة في التجربة، الجمع بين “نزار ونجاة” في مسلسل درامي، وخوض “نزار” تجربة التمثيل لأول مرة، ووافقت على بطولة العمل، وصاحب العمل ضجة كبرى في الصحف المصرية، لأنه كان أول عمل درامي لنجاة في الإذاعة، والتجربة الأولى لـ”نزار” في عالم التمثيل، وفي هذه الفترة طلب مني “السيد بدير” تدريب “نزار قباني” على التمثيل، وكيفية الوقوف أمام ميكرفون الإذاعة؟ وكيفية تقطيع المشاهد وبث العاطفة والرومانسية في الحوار، خاصة في مشاهده العاطفية مع نجاة؟! وإذيع المسلسل ونال نجاحا كبيرا بسبب “نزار قباني ونجاة”.
وعن كوالس هذا العمل النادر يقول المخرج المسرحي الكبير “فهمي الخولي”: ياااااااااااااااااه من فكرك بهذا العمل؟ هذا العمل حقق نجاحا كبيرا أثناء إذاعته، بسبب “نزار قباني”، لأنه كان فاكهة شهر رمضان في هذا العام 1966، وشاركت فيه بعد تخرجي مباشرة، وقد رشحني للمسلسل أستاذي “السيد بدير” الذى كان متحمسا لي، وفي هذا العمل اقتربت من عالم “نزار قباني” الشعري، وأحببت شعره جدا، وما لفت نظري في” نزار” الإنسان بساطته الشديدة وتواضعه، وهدوئه ورومانسيته وشياكته الملحوظة، فرغم إننا كنا نمثل في الإذاعة لكنك تجد “نزار” يرتدي أحدث “الموضات” كأنه يمثل في التليفزيون أو للسينما.