موسم سقوط النجوم
بقلم : محمد شمروخ
لا جدال أن من حق الفنان أن يبحث عن مصادر إيرادات باستغلال شهرته وليس عيبا أن يقوم بأنشطة أخرى بجانب عمله كفنان مادامت لا تتعارض مع ما تفرضه عليه قواعد وشروط مهنته، سواء كانت أنشطة بعيدة عن مجال الفن في العمل العام أو أن تكون مجالات ذات صلة بدوائر الفن كالعمل في الإعلان والإعلام، كأن يقوم بعمل دعائي أو يقدم برامجا أو يشارك فيها كضيف ولو بمقابل.
فما دام الفنان يحترم مهنته فلا غبار عليه، أما أن يتحول بعض النجوم والنجمات الكبار إلى أداء أدوار كلنا يعرف أنها متفق عليها مقدما مع شركات الإنتاج ووكالات الإعلان، فهذا نوع من تعمد إهدار القيمة الشخصية للفنان الذى ارتضى على نفسه أن يؤدى دور كومبارس – مع الاحترام الشديد لطائفة الكومبارسات – في برنامج من برامج الخدع التى يتحول فيها الكبار إلى أراجوزات – مع الاحترام الشديد لطائفة لطائفة الأراجوزات أيضا – فهؤلاء يهدرون قيمة الفن والفنان من أجل أن ينتزعوا الضحكات من الجمهور الذي كشف هذه اللعبة والتى تناقلت الصحف والبرامج تفاصيلها وصارت معروفة للكافة!.
ولكن لابد من أن ضحك كل رمضان, تماما كما نضحك ونحن نشاهد مسرحية هزلية، مع فارق أساسي وهو أن المسرح الهزلى يصارح جمهوره بأنه يقدم عملا تمثليا.
هذا الفارق الجوهري نراه بين فنان يؤدى دورا في مشهد نعرف جميعا أنه مشهد تمثيلي ويعجبنا صدق الأداء الذي يصبح معيارا شديد الحساسية للحكم على الفنان نفسه، ومنه يكسب تقدير وحب الجمهور وبين أن نعرف أن هذا الفنان أو الفنانة يتظاهر بأنه صادق في مشهد تافه يقدم على أنه حقيقي، ونحن نعرف أنه كاذب بتعمد إظهار الصدق ومخادع بتعمد تقديم نفسه على أنه ضحية بريئة لم يكن يعرف.
“كذب؟! – صدق؟! – خداع؟! – احترام؟!”.. لكن هل ترى مثل هذه “المصطلحات الغامضة” يمكن أن تصمد أمام خانة الأجر المتفق عليه في العقد؟!.
للأسف الحقيقة التى تفرض نفسها على الجميع أن الفن صار وسيلة كسب في يد بعض المنتجين أو أصحاب وكالات الإعلان، لاستغلال الفنانين الذين يتهافتون للحصول على المكاسب ومعها رضاء السيد المنتج-المعلن.
فلا كان مقدمو البرامج ولا الممثلون بيدهم شيء لأن الفاصل بين الفقرات قد صار هو المالك والموجه الحقيقي للبرامج التى يتم فيها مسح بلاط البلاتوه بكرامة ووقار الضيف المتظاهر بالبراءة وأنه لا يعرف شيئا، بينما لم يكد حبر توقيعه يجف على العقد بعد شد وجذب ومجادلات وشروط من هنا وهنا.
هناك نجوم ونجمات يصرون على السقوط كل رمضان في هذا البرنامج أو ذاك وصار منهم محترفين فيها نتوقعهم ونحن ننتظر في بلاهة مفتعلة، ما سيصدر منهم.
وحتى نحن كمشاهدين،، صرنا مشاركين في خداع أنفسنا حتى لا نخسر الاستمتاع بالمفاجأة التى نعرف كل تفاصيلها مسبقا ومع ذلك ننتظرها بشغف كأننا بالفعل فوجئنا بها.
وننتظر كذلك ببلاهة الشغف نفسها، رد فعل الضيف أو الضيفة، مع أننا نعرف أنه يعرف وهو يعرف أننا نعرف ولكن “بكمالة الهبل” نظل نضحك ونضحك ونضحك.. حتى ننسى!
ننسى ماذا؟!
ننسى أن كثيرين من الفنانين الكبار – والكبار قوى – تساقطوا بسبب تهافتهم وتكالبهم على حضور هذه البرامج.
ننسى أن عروض مشاركة الفنانين تحولت من مزادات إلى مناقصات بدأت تظهر فيها الخسارة المادية بعد خسارة القيمة.
إننى أحيي نجوما ونجمات كبارا مازالوا يرفضون بإصرار مجرد عرض فكرة الاشتراك في هذه المهازل التى تقدم كل رمضان، والتى صارت مكشوفة وسمجة، بل ويبدأ هؤلاء الذين مازالوا في نظر الجمهور هم الكبار لرفضهم الإغراءات المالية ليحموا أسماءهم من السقوط المزري ويحتفظون بمكانتهم في عيون وقلوب الجماهير التى مازالت تضحك على الخاسرين في أول كل أسبوع في رمضان.
ولكن يجب ألا ننسى أن المكاسب المادية لهؤلاء الذين سقطوا، ستتحول إلى خسائر معنوية ومادية أيضا – لو اعتمدنا المال مقياسا وحيدا – فالنجم الذي يفقد احترامه ما تلبث أن تراه ساقطا خارج حلبة السباق فيبدأ في عرض نفسه حتى يرخص كل مرة بعد أن كان مطلوبا للعرض، والجمهور الضاحك نفسه يبدأ في هجران هذه البرامج بالفعل، بعد الأسبوع الأول في رمضان ويكتفي بعده فقط بمعرفة من سيكون الضحية البريئة ثم يلتقط الريموت ليقلب إلى قناة أخرى، وهذا هو المقلب الحقيقي الذي لم يحسب الساقطون له حسابا.