كان الشيخ “سيد مكاوي” عاشقا لوالدته، ويعتبرها صندوقه الأسود الذى يختزن فيه كل أسراره، وفي بداية عمله بالإذاعة المصرية طلب منه رئيس الإذاعة المصرية في ذلك الوقت “محمد حسن الشجاعي” أن يقدم أعمالا تراثية ودينية فقط، وبادره “سيد مكاوي” بطلب آخر بأن يعتمده كملحن أيضا وليس كمؤدي أومطرب، ورغم صعوبة الطلب إلا أن “الشجاعي” نصحه بالتركيزعلى الغناء فقط، وبعد إلحاح الشيخ سيد وافق الشجاعي أن يعطيه فرصه كملحن، وحدد له ميعادا للوقوف أمام لجنة الاختبار المكونة من أساتذة كبار فى عالم التلحين والغناء.
يومها رجع الشيخ “سيد” إلى منزله سعيدا بهذه الخطوة الهامة في مشواره، وحكى لوالدته ما حدث، وبدأ يبحث عن شاعر يكتب له أغنية تصلح أن يلحنها ويعتمد بها كملحن، وفى هذا الوقت كانت تربطه علاقة صداقة بأحد الشعراء، الذى كان يتردد كثيرا على منزل الشيخ “سيد” ويزاحم الأسرة في تناول الغذاء والعشاء معهم بدون استذان ولا عزومه، وطلب الشيخ من صديقه الشاعر كلمات تصلح للغناء فأسرع وأعطى له الكلمات المطلوبة، على شرط أن يحصل هو كمؤلف على النصيب الأكبر من أجر الأغنية، عندما تذاع فى الإذاعة، ووافق الشيخ سيد الذى لم يكن مطلع على أوزان الشعر والزجل، وقام بتلحين الأغنية دون أن ينتبه لعيوب الكلام فيها.
وفى الميعاد المحدد وقف الشيخ “سيد” أمام لجنة الاختبار، وأسمعهم الأغنية فرفضوها نظرا لضعف كلاماتها وعدم تماسك وحداتها الإيقاعية، ووزنها الشعري، ورجع الشيخ سيد إلى منزله حزينا فسألته والدته عن سر حزنه، فحكى لها ما حدث، وأنه فشل كملحن لأن كلام الأغنية “مش موزون”!، ودخل غرفته لينام.
وأثناء ذلك حضر شاعر الأغنية كي يطمئن على مستقبله الفني والشعري، وعلى ميعاد قبض ثمن كلماته، وبمجرد أن فتحت الحاجة أم سيد الباب حتى صرخت في وجهه وهي متغاظة قائلة بزهق وملل: ” أنت جيت يا بوز الأخص!، مش عيب عليك تدي الواد غنوة مكسره، مش كان لازم توزنها عند أي حد قبل ما تديها له!!، أوعى تدخل البيت هنا تاني”، وأغلقت الباب في وجهه.
ونظرا لأنه شاعرا لزجا وسمجا فلم يغضب من الكلام، ونزل إلى الشارع وظل ينتظر صديقه تحت شباك غرفة نومه، يتلصص السمع، ينتظر أن يسمع عوده أو صوته حتى ينادي عليه، أو يدق الباب مرة ثانية، وأثناء ذلك شاهدته والدة الشيخ سيد، فقامت بهدوء بحمل “جردل” ماء “وسخ” وفتحت شباك ابنها وصبت الماء على رأس الشاعر الموهوم، فنظر الشاعر إلى فوق قائلا يبدو أن السماء تمطر!، الجميل أنه بعد أن سمع صوت الشيخ سيد دق الباب مرة ثانية وسأله عن مصير أغنيته!.