محمد الكحلاوي .. نقطة تحول فاصلة قلبت حياته!
بقلم : سامي فريد
ولنبدأ الحكاية من أولها..
فهو من الشرقية وتحديدا من مواليد منيا القمح. توفيت والدته أثناء ولادته ثم لحق بها أبوه بعد شهور فكلفه خاله المنشد والمدَّاح المشهور محمد مجاهد الكحلاوي، الذي أحبه الصبي محمد عبداللطيف مرسي الذي أحب خاله وعشق صوته الجميل ولازمه في كل حفلاته في الموالد وكبريات المقاهي التي كان ينام على دكتها حتى ينتهي الريس مجاهد من وصلته..
طار صيت الولد جميل الصوت الذي حمل لقب خله “الكحلاوي” حتى شب عوده فعمل موظف بالسكة الحديد التي لعب لناديها حتى صار الكاتبن ثم تركها ليتقدم للإذاعة في أول عهدها لتقبله مطربا فيها فتحب الجماهير صوته وأداءه وتلاحقه الشهرة أينما كان فهو المغني والمدَّاح وكابتن فريق السكة الحديد الذي دخل نقابة الموسيقيين فينتخبوه نقيبا للموسيقين، وللعجب ولأنها هكذا كانت أخلاقه يتنازل للموسيقار محمد عبدالوهاب قائلا لمن حوله انه عيب أن أكون أنا نقيب الموسيقيين والأستاذ عبدالوهاب لأ!”..
برع محمد الكحلاوي في الغناء الديني والبدوي، ولذلك أيضا كانت قصته بدأت منذ التحق بكورال المغنين في فرقة أولاد عكاشة، حتى كان ذلك اليوم الذي تفز به إلى الصف الأول عندما تأخر مطرب الفرقة زكي عكاشة فطلب منه مطرب الفرقة الغناء لشغل الجمهور لحين وصول الأستاذ زكي، لكن الجمهور لم يصدق ما يسمعه فلم يتوقف عن التصفين والهتاف للمطرب الشاب الذي أفزعته هذه الحالة التي لم يألفها من قبل من الجماهير ففر هاربا من الحفل..
ومع فرقة عكاشة سافر محمد الكحلاوي إلى الشام دون علم خاله. واستمرت الفرقة تقدم حفلاتها لمدة شهرين عادت بعدها إلى القاهرة، وتخلف عنها الكحلاوي في الشام الذي ظل به لمدة ثماني سنوات تعلم فيها اللهجة البدوية وإيقاعات “الميجا والعتابا” والمواويل، ثم عاد إلى مصر وفي جيبه 31 ألف جنيه ولم يكن معه حين دخل الشام سوى 20 قرشا فقط.
عاد الكحلاوي نجما فبدأت علاقته مع السينما التي سبقته شهرته إليها حتى كان مجموع أفلامه فيها 24 فيلما بدأت بإنتاج الأخوين إبراهيم لاما وبدر لاما، ثم توالت الأفلام فأصبحت فيلمان في العام بعد أن كانت فيلما واحداً كان فيها “بحبح في بغداد” و”عايدة”، ثم “جوهرة ورابحة” وتلتها أفلام متتالية مثل حسن وحسين والزلة الكبرى ويوم في العالي وأحكام العرب وابن الفلاح وأسير العيون والصبر جميل وخليك مع الله وكابتن مصر وكان يمثل فيه دور لاعب كرة مع السيد بدير ومحمد التابعي وماري منيب، كما مثل من قبل مع عبدالوارث عسر وإسماعيل يس وميمي شكيب.. ورغم أنه بدأ في السينما ببعض المشاهد البسيطة، فقد أصر المنتجون على أن تتصدر صورته أفيشات الإعلانات نظراً لشهرته وحب الجمهور له بعد ما رأوا في أفلامه تمسكه بالفضيلة وحضه على السلوك المسلم وكان رأيه أن الأفلام يجب أن تعبر عن الواقع وتدافع عن الخلق المسلم..
ويكون محمد الكحلاوي شركة لإنتلاج الأفلام تحت اسم شركة أفلام القبيلة لتكون أعمالها بداية لتحضير قصص الأفلام بعد أن كانت السينما تلجأ غلى تمصير الروايات الأجنبية..
ومع هذا المشوار الفني الذي تحول معه الإنشاد الديني والمديح إلى فن تكتب له النوت الموسيقية ويقوم بكتابة كلمات أشهر المؤلفين ويلحنها أكبر الملحنين مثل بيرم التونسي وزكريا أحمد.
هكذا أصبح الكحلاوي لاعب الكرة وكابتن فريق السكة الحديد والمشجع الزملكاوي الذي لا تفوته أي مباراة له ولا للترسانة، هكذا أصبح “مدّاح الرسول” بعد أغنيته الشهيرة “لأجل النبي”، وبعد “سيرة محمد” وقصة حياة إبراهيم الخليل.. حتى في غنائه الوطني كان الرسول صلى الله عليه وسلم معه أغنياته الوطنية، فغنى “على نورك قمنا وعدينا يارسول الله”، “ومن بدري كتايب حوالينا كبرو لله”.
وقد كرمت الدولة الحاج محمد الكحلاوي 40 حجة وعشرات العمرات فحصل على جائزة التمثيل عن فيلم “الزلة الكبرى”، وجائزة الملك محمد الخامس ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم حصل بعدها على جائزة الدولة التقديرية. ثم هجر الكحلاوي عمارته المطلة على النيل في الزمالك وعوامته الراسية على نيلها ويبني مسجدا يحمل اسمه وسط مدافن الإمام الشافعي، وفوقه استراحة بناها لخلوته وقريبا من مسجده كان مدفنه..
ولم يندم الكحلاوي في حياته سوي على الفترة التي عاشها سعيدا بلقب “أبو الفوراس” والتي قضاها فيما كان يسميه “جاهلية الكحلاوي” حتى التي ذات اليوم كما يحكي وكان عائد اللقاء أصحابه في العوامة فيلتقي شيخا يعترض طريقه قبل نزوله إلى العوامة ليسأله: وبعدين يا محمد.. إنت يا بني كلك خير.. إرجع لربك واترك المعاصي.. سمع الكحلاوي الكلام جيدا واهتز له ونظر خلفه قبل أن ينزل إلى العوامة فلم يجد الرجل، لكنه وجد النار تشتعل في أجزاء من العوامة وكلما أطفأ جزءا من النار اشتعلت في جزء آخر..
وطرد الكحلاوي أصحابه وألقى بما كان يحمله للسهرة في النيل، وعاد بعدها إلى ربه وإلى مسجده وإلى الإمام الشافعي ليحج أربعين حجة ولا يغني إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد ما رفض أن يغني لمخلوق غيره فعنى “يا أمه التوحيد” وغني ملحمة المولد النبوي وعاش 70 عاما من عمره سعيدا بما انتهى إليه ليتوفى في الخامس من اكتوبر عام 1982 يرحمه الله..
وكانت أمنية حياته التي لم تتحق هى أن يحارب في فلسطين وأن تتحد الدول العربية.. ويسعى ابنه الدكتور أحمد الكحلاوي الآن إلى إنشاء متحف يليق بأبيه يضم ما حصل عليه من الأوسمة مع ملابسه وقصوره النادرة، وقد اختار أحمد الكحلاوي أن يكون متحف أبيه بجوار مسجده بمنطقة الإمام.