كتبت : سدرة محمد
بعد أن رواغت في قول الحقيقة في أثناء شهادتها أما النيابة والبوليس في أثناء استجوابها في قضية محاولة تسلل أحد الملثمين لاغتياله في غرفته وهو في غيبوبة، وذلك خوفا من تورط ابنه الطبيب، تبدأ “قوت القلوب” التي تجسد شخصيتها “ماجدة زكي” بقدر من الكوميديا والتراجيديا في ثوب واحد حديثها الذي يحمل المفارقة بشكره على استضافته لها في بيته الفخيم، وتجلس على فوتيه في مواجهته مبادرة بالسؤال الذي يشغلها منذ مكالمته الغريبة لها قبل ساعة تقريبا من مكتب مديرة المدرسة “الحيزبون” التي تضيق عليها الخناق يوميا، وتقول له: “خير ياباشا بعت لي ليه”.
يرد “جابر طاحون” والذي يلعب دوره ببراعة وهدوء يتسم بالرزانة في الأداء المعروف به النجم “خالد زكي”، صاحب الخبرة الطوية قائلا : جبتك علشان أشكرك، خاصة بعد أن أفقت من الغيبوبة، كنت تايه ومش مركز، لكن بعد ما فوقت اكتشفت اني معرفتش أشكرك بالطريقة المناسبة، فردت عليه “قوت”: صح أنا من امبارح باقول الكلام ده، وفي ردها هذا بدا لجابر أول خيط لاح له في الأفق بأن هناك سرا تحمله تلك المرأة البسيطة في صدرها.
وهنا انتبه جابر قائلا: أنا عارف إن الشيك اللي بعته لك قليل شويه!
قوت القلوب: أهو كده انته فهمتني غلط.
جابر: طيب فهميني الصح؟
قوت القلوب في مرواغة وتردد: كونك تجيبني هنا أشرب في فنجان شاي عمري ما شربت فيه ده وكيكة جميلة .. ده أجمل شكر!، إنما الشيك ده ما كتر خيرك أنا مش محتاجاه!
فيرد جابر في حالة من الحيرة جراء تصرفها: ايه ده ياست قوت؟
فترد في حميمية تكشف عن أصالته التي فضحتها : أنت رجل شهم بس أنا متعودتش آخد تمن شهامتي.
هنا انتبه جابر جيدا لكلام قوت: انتي دلوقتي اعترفتي ان اللي عملتيه ده جدعنة وشهامة، يعني ما دخلتيش الغرفة بالغلط واتكعبلتي في الأجهزة والكلام الفارغ اللي قولتيه في التحقيق؟
تنتبه قوت لورطتها وفي تردد تقول: لا .. لا .. أنا قصدي يعني…
فيباغتها جابر قائلا: قصدك اتقال غصب عنك .. خلاص، وده السبب التاني اللي أنا جايبك علشانه!
فترد قوت وهى في حالة ارتباك : يعني إيه؟
جابر يصدمها قائلا: يعني فيه حد دخل الغرفة وحاول يقتلني وانتي منعتيه؟
حاولت رده ، لكنه استكمل كلامه: أوعي تفتكري أن كلامك ده حيأثر على ابنك الدكتور حسن، المستشفي ده واحد من مشاريعي الاستثمارية، وأنا الوحيد الذي أملك أرفت وأعين، وأضاف : الشيك ده أنا حاقطعه وسأعطيك مليون جنيه.
قوت : مليون جنيه .. يالهوي!!
جابر: دي حياتي ياست قوت مينفعش فيها الشهامة والجدعنة، وبلغة فيها قدر من الحسم والغضب : أنا عاوز أعرف دلوقتي مين دخل على الغرفة وحاول أن يقتلني؟.. عاوزك توصفي لي بالضبط أنا عاوز أعرف هو مين؟
قوت بلغة ساخرة: وانت حتعمل ايه باللي دخل عليك الغرفة يعني .. أكيد بلطجي متأجر عليك، وهنا وضعت نفسها في موضع شك جديد أمام رجل يتعلق بخيط ولو كان رفيعا للغاية كي يصل إلى الحقيقة.
جابر: وانتي عرفتي من أين انه بلطجي؟، ورفع يده في وجهها قائلا: ياست قوت أنا شايف في عينيكي سر مخبياه، وأمام ارتباكها أكثر قال : أنا متأكد أنك تعرفي حاجة مهمة وخايفة تقوليها.
قوت: تتمتم بكلمات غير مفهومة وتدور في أركان الغرفة وكأنها تشاور عقلها فيما يمكن أن تقوله وتعترف به، مرددة ساعدني يارب، ثم تهم بالتوجه نحو جابر وقررت أن تعترف قائلة: سعادة الباشا .. مش سعادتك بعت لي فلوس عشان تكافئني علشان أنقذتك؟
طيب اللي تجيبلك أصل الحكاية حاتكافئها برده ولا حتإذيها؟
عندئذ يهب جابر واقفا ويوجه لها سؤاله الصادم: يعني انتي عارفه مين الي سلط الواد ده على؟
ترد قوت في ثقة: لا مش أنا ، بس مش حاقول إلا لما تحلف على كتاب ربنا إنك مش حتأذيه، وقالت له حقيقة الممرضة التي جلست مكانها في تلك الليلة.
جابر : أنا مش قادر أصدق ان البنت تعترف بالسهولة دي؟
قوت : علشان طيبة وغلبانة وبنت أصول .. واحدة غيرها كانت خادت الفلوس وسابتهم يموتك؟
جابر: أنا مستغرب من موقفك إهدي بس!!
قوت: أهدى إزاي وهى مستأمناني على سر.. أجيب لها الأذية؟
جابر ومن قالك إني حأذيها أنا لسه حالف على المصحف.
قوت : آه حلفت لكن مسافة ما قلت لك الشر بيرقص في عينيك.
جابر: أنا مش شرير ياست قوت، أنا بس اندهشت من كلامك.
ثم جاءت المفاجأة الأكبر في هذا المشهد عندما عرض عليها مبلغ أكبر على الشيك!!
فترد قوت براحة نفسية وهدوء: لو انتى عاوز عدل ربنا زكي عن بدنك وعافيتك، وهنا إشارة إلى أن يعالج إبن الممرضة الطفل المريض.
جابر مش ممكن يعني كشفتي السر علشان الفلوس تروح لواحدة تانية ؟
قوت: ماهى كنت حتاخدهم حتاخدهم، لكن ما كملتش وما رضيتش تسمع اللي اتطلب منها، ولو مش قادر تستوعب كلامي ده اشتري منها واعرف أوصاف الرجل اللي حاول يقتلك.
يرد جابر في حالة من الدهشة قائلا: أنا مش قادر أفهمك .. يعنى انتي ظروفك تستدعي الفلوس دي وانتي عندك خمس ولاد وتعطيهم لواحدة تانية.
فترد بصفاء نية وضمير: أنا باعمل كده علشان خاطر عيالي.. انته فاكر إني ربتهم بالفلوس؟ .. أنا ربيتهم بالبركة ياباشا .. بركة الناس اللي باعملهم خدمة صغيرة .. بركة التلاميذ الي باقعد معاهم في الحوش أحكي لهم حواديت ويقابلوني في الشارع بعد عشرين سنة ويبوسوا إيدي.. بركة خوفي من القرش الحرام اللي بأكل بيه ولادي.. بركة جوزي اللي مات شهيد وساب لي كل البركة في ولادي.
ثم تضيف قوت قائلة وعينيها تغرورق بالبكاء: أنا أم ياسعادة الباشا ويصعب على أشوف الفلوس دي واستخسرها في ولادي، بس أنا مؤمنة ومتأكدة إني لوساعدت في علاج المسكين الصغير ده ربنا حيعودها في عيالي في صحتهم وعافيتهم وده كله ميتقدرش بمال قارون.
في أسى وتأثر بكلام قوت يرد جابر قائلا: فعلا ما يتقدرش بمال قارون.. ماشي ياست قوت هاتي البنت وأنا حاسفر ابنها وحاعطيها كل اللي هى عاوزاه، بس بشرط ان الشيك اللي طلعتيه من شنطتك يرجع تاني وما يطعلش إلا في البنك، وزي ما طبعك ما بيقبلش ثمن الشهامة أنا كمان طبعي لايقبل رد الهدية.. هنا ينتهي المشهد الطويل الذي استغرق وقتا متقطعا في ثلاث حلقات من السادسة حتى الثامنة، في سياق مسلسل “قوت القلوب الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار محمد الحناوي، وأخرجه مجدي أبو عميرة، لكن أخفقت الموسيقى التصويرية التي وضعها محمود طلعت، في التعبير عن التراجيديا الموجود في هذا المشهد الذي يعد الـ “ماستر سين” في المسلسل، بينما نجح إلى حد كبير في الوقت ذاته في ضبط الإيقاع الموسيقى الذي جاء معبرا وعميقا في باقي تفاصيل الأحداث، وأخص بالذات تتري المقدمة والنهاية.