كتب : مروان محمد
في خلال أربعة دقائق وخمس وأربعين ثانية فقط، أجرت قناة CNN الأمريكية حوارا غاية في الأهمية مع الدكتور شيرين حلمي الرئيس التنفيذي لشركة “فاركو” للأدوية بالأسكندرية، ولقد لفت نظري أن الحوار على قصر مدته كان لفتة ذكية من جانب تلك المحطة من ناحية هو يستعرض إنجاز مصريا يدعو للفخر في علاج الالتهاب الكبدي الوبائي “فيروس سي” من ناحية، ومن ناحية أخرى يعكس طبيعة الإنسان المصري في تحدي الصعاب والتغلب عليها بأقل الإمكانات، وتلك هى المعجزة المصرية عن كثب، ومع ذلك لم تلتفت القنوات الفضائية المصرية الغارقة في أخباركورونا إلى هذا الإنسان الجسور الذي أخذ على عاتقه علاج المصريين بتكلفة تصل إلى واحد في الـ 1000 من تكلفة سعر الدواء عالميا.
وفي خلال تلك الدقائق والثواني المعدودة استطاعت المذيعة بحرفية عالية جدا أن تلم بجوانب الموضوع حيث استعرضت نقطة البداية عندما أنشأ والده الشركة عام 1983، قائلة: لماذا أنشأ هذه الشركة؟، فتحدث الدكتور شيرين قائلا وبجديث دافئ ودود: كان والدي صيدليا، حيث تخرج من كلية الصيدلة وعمل مدرسا بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية، وبعد الظهر عمل في إعداد المحاليل الوريدية في مستشفى نفس الجامعة، وعمل مساء كممثل مبيعات في شركة دواء فرنسية، كما عمل كخدمة ليلية بإحدى الصيدليات.
ترد المذيعة : عمل في أكثر من مجال إذن؟
يتابع الدكتور شيرين حلمي: حديثة حول نقطة البداية فيقول: لقد بدأنا بإنشاء شركة للصناعات الدوائية واستحوذنا على عدد من الشركات بعد ذلك، فنحن ننتج حوالي(2.500.000) عبوة دواء يوميا، أو نقترب من 750 مليون عبوة دواء ما بين الأقراص والأمبولات وغيرها، ولدينا 8 آلاف موظف بالشركة، ونحتل المركز الأول في مصر من حيث عدد الوحدات المباعة، ونصدر منتجاتنا لأكثر من 50 دولة.
أما عن نقطة التحول بالعودة إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي – فترة إنشاء الشركة – يقول: إن نقطة النجاح الحقيقية بدأت عندما أنشأ والدي شركة كبسولات جيلاتينية رخوة كوكالة لشركة ألمانية، والتي كانت تنتج من قبل في ألمانيا ثم نقوم باستيرداها، لكن الاستيراد توقف، وكان الحل الوحيد هو إنتاجها محليا، وبشرح مبسط يضيف: العديد من شركات الأدوية ستجد بداخلها أقسام لصناعة الأقراص، لكن الكبسولات الجيلاتينية الرخوة لن تجدها سوى في 10% فقط من الشركات، وذلك لأن ماكينات صناعة الأقراص تسبه “المترو” – لاحظ اختياره للتعبير – كلما ما عليك هو أن تضغط على زر الانطلاق، لكن ماكينات الكبسولات الجيلاتية الرخوة تشبه الحصان – ما أروع التشبيه – فالحصان يجب أن تحبه، فهى مليئة بعيوب التصنيع والتقنيات المعقدة، وهذا ما يجعل إنتاجها عملية صعبة.
وفي شأن النقطة المحورية في عمل الشركة سألته المذيعة: بعد سنوات من التأقلم والعمل أصبحتم في منطقة مختلفة عن الآخرين، لكن التهاب الكبد الوبائي سي قضية كبيرة، لماذا تهتمون بها إلى هذا الحد؟
يحيب بحماس مصري معهود على أثر الإحساس بالكارثة أولا: لأن والد زوجتي توفي بهذا المرض، حيث تعرض لحادث وتم نقل دم ملوث إليه مما أدى إلى إصابته بالتهاب الكبد الوبائي.
ثانيا: أن “ريموند شينازي” مخترع علاج “فيروس سي” زار مصر عام 2014، وقال لي لماذا لا تنقذ دولتك من فيروس سي؟
فقلت له كيف؟، قال: بإنشاء مصنع، وأن أحاول إنتاج الدواء بأسعار منخفضة، وبالفعل حصلنا على تكنولوجيا إيطالية لهذا الأمر، وقمنا بعمل طريقة تصنيع جديدة وحصلنا على براءة اختراع على هذا، ونجحنا في إنتاج 10 كليو بتكلفة مليون و50 ألف دولار، تلك كانت تكلفة الكيلو الواحد، وبعدها أنتجنا 100 كليو، ثم 1000 كيلو بنفس التكلفة فوصلنا إلى واحد من 1000 من التكلفة، فعندما كانت تقوم الولايات المتحدة ببيع العلاج بـ 100 ألف دولار، كنا نبيعه بـ 96 دولار، أي واحد على ألف من التكلفة، ودلل على كلامنه بطريقة غاية في الذكاء والنباهة قائلا : فعندما تذهبي لمحل وتجدي خصم 50% ستشعرين بسعادة، وإذا كان الخصم 90% فستشعرين بالاندهاش، وإذا كان 99% فإنك ستشعرين بأن هناك حيلة ما في الأمر، فكيف يكون شعورك إذا وصل الخصم إلى 99.9% وهذا ما فعلناه.
ويستعرض الحالة المصرية في إيجاز غير مخل قائلا: في عام 2014 قالوا أن نسب الإصابة في مصر بلغت 10%، فمصر بها 100 مليون نسمة، أي أن عدد المصابين يبلغ 10 مليون، وهذا يحتاج إلى تكلفة آلاف الملايين من الدولارات وربما تصل إلى ترليون دولار.
فردت المذيعة قائلة: هذه قصة مذهلة فعلا.
ويستطرد الدكتور “شيرين حلمي” قائلا: نعم فعندما سمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بهذه القصة قال إنه يحلم بعلاج ملايين المصريين المصابين بفيروس سي، وبدأنا باستخدام سياسة اقتصاديات الكم، حيث أردنا تخفيض تكلفة علاج المصابين بـ “فيروس سي” ليس فقط لمصر بل لكل العالم، حيث يوجد 71 مليون مصاب بفيروس سي حول العالم، تم علاج 5 مليون مصاب، منهم 3 مليون في مصر وحدها، و2 مليون من باقي دول العالم، لذلك حصلنا على كأس العالم، ليس في كرة القدم، ولكن في إنقاذ الحياة.
انتهى الحوار عند هذا الحد، لكنه فجر بداخلي أسئلة كثيرة حول انشغال كافة الفضائيات المصرية قبل أزمة كورونا وبعد تلك الجائحة بأخبار تبعث على الكآبة والأسى، ولا تحاول أبدا إدارة الدفة إلى جوانب من شأنها أن تبعث على البهجة والسعادة، ومنها قصة هذا الإنسان المصري الوطني حتى النخاع “الدكتور شيرين حلمي”، ألا يستحق هذا الرجل حوارات موسعة من جانب برامج “التوك شوز” التي تخصصت في تصدير الطاقة السلبية يوميا بزعم متابعة الأحداث؟، أليس حريا بها تسليط أضواء كاشفة على إنجازه هذا المصري الذي استحق كأس العالم في إنقاذ الحياة، بدلا من التركيز على تصفيات كأس العالم في كرة القدم، وأخبار شائعات إصابة بعض الفنانين بفيروس كورونا، وغيرها من أخبار تصيب الناس بالإحباط وهم جالسون قسرا في بيوتهم الآن؟
أرجو أن تدير برامج الفضائيات المصرية دفتها – الآن .. الآن وليس غدا إلى الدكتور شيرين حلمي، ورصد إنجازاته المبهرة في مجال الأدوية، خاصة أنه أعلن مؤخرا عن قيام شركة “فاركو” للأدوية، بطرح عدد من الأدوية الجديدة خلال العام الجارى ببعض الأسواق الخارجية، منها السوق الأمريكى، الذى ستقوم الشركة خلال النصف الأول من العام بطرح دواء لعلاج حب الشباب قدرت تكلفة إنتاجه بنحو ١٣ مليون دولار، كما سيتم طرح دواء آخر بالنصف الثاني من العام بالسوق الأمريكى بلغت تكلفته ١٠ مليون دولار.
وأضاف بتصريحات خاصة على هامش افتتاح معهد حلمى للعلوم الطبية بمدينة زويل والذى تم إنشاءه بتبرع شخصى من الدكتور حسن عباس حلمى رئيس مجلس إدارة شركة فاركو، أن الشركة ستقوم كذلك بطرح عدد من الأدوية الجديدة بكل من السوق الصيني وماليزيا، لافتا إلى أن تلك الخطوات تأتى بهدف مساعدة البلاد فى جلب عملات أجنبية، وتوفير ما يلزم من دولار لتلبية احتياجات الشركة المختلفة من الخامات.
وأعلن أيضا عن تعاون سيتم ما بين شركة “فاركو” ومعهد “حلمى” لإيجاد علاجات جديدة لمرض “سرطان البنكرياس”، لافتا ألى أن التعاون ما بين الصناعة والبحث العلمى يعد هو السبيل الوحيد لإيجاد أدوية بأسعار أقل تكلفة مما يتم استيراده من الخارج.
ظني أننا نخطئ كثيرا حين نظن أن فضائيات السبوبة والشللية في مصر تعمل لحساب هذا الشعب، ومنه “حلمي” وأمثاله من النابهين والمخلصين الوطنيين الذين يستحقون تسليط أضواء كاشفة عليهم، (يأخي) حتى من باب تصدير روح التفاؤل والفخر بالمصريين الذي يصرون على الإنجاز ودعم الدولة في هذا الوقت العصيب من عمر وطن تحفه المخاطر من كل اتجاه !!!
لينك الحوار القصير مع د. شيرين حلمي مع قناة CNN الأمريكية