كتب : مروان محمد
على تلة عالية وسط عناصر الطبيعة الساحرة، حيث ألوان البيوت التي تتفق مع لون الماء والسماء والجبال التي تحيط المكان من كل جانب، جسلت “رحيل”، والتي تجسد دورها “حنان مطاوع” بجبروت امرأة قوية دافئة المشاعر متدفقة العواطف التي تخفيها، على إيقاع موسيقى ناعمة يختلط فيها المزمار البلدي بالدف وغيرها من آلات تنتمى إلى اللون الموسيقي الصعيدي، في لحظة صفاء تجتر الذكريات، وتسرح بخيالها الذي يجرفها نحو ذلك الحب المستحيل، الذي يربطها بـ “حجاج” الذي يلعب دوره بنعومة ودفء “محمود عبد المغني”، ذلك الإنسان البسيط في كل شيئ، حياته، ملابسه بيته المتواضع، لكن قلبه بحبها يتسع بحجم هذا الكون، وذلك عبر مشهد يعتبر الـ “ماستر سين” في مسلسل “بت القبايل”، من تأليق محمد البجلاتي، وسيناريو وحوار “شاذلي فرح”، وإخراج حسني صالح.
تنتبه من غفوتها على صوته وهو ينادي: رحيل؟
فترد: حجاج .. كيفك ياواد عمي .. عيوناتك ماليهم عناد ليه؟
حجاج: عاوز أحطب معاك يابت عمي؟
رحيل: ههههه معقول؟ .. ثم تعدل ملابسها ناهضة من رقدتها قائلة: حجاح عيحطب معاي؟
حجاج: وعاغلبك يا بت عمي!
رحيل ترفع العصا في وجهه قائلة : بقوتك ياحجاج؟
يرد حجاج بلوعة العاشق الولهان: لا بشوقي .. بحبك .. بسهري في الليالي وأنا بافكر فيك.. بقلبي اللي دايب ومتقطع في حبك.
تصعد رحيل خطوتين للأعلى فوق نفس التلة التي كانت تجلس عليها، مستندة على عصاها، وبتنهيدة تقول : قلت لك ماليش في العشق ياواد عمي.
حجاج في شجاعة المحب الوله: قدري وقدرك منحوتين في معبد العشق .. مهما تجرى الأيام وتمد مش حاقدر أبعد عنك .. حتلاقيني ظل في حصرية حبك، خيال مآتة وراقف زنهار في زرعة عشقك.
ثم يلتفت لها وتلتفت إليه قائلا: رحيل.. أنا مش بنام الليل بسببك .. كداب .. كداب يالي تقول العاشق بالليل ينام .. كداب .. رحيل أنا حبي ليك صدق.
رحيل: في حيرة من أمرها تقف مستند على عصاها وهى في حالة من التيه.. مترددة وتهز رأسها قليلا ثم تنطق باسمه : حجاج وتدخل في صمت لحظي…!!
ينتفض حجاج ويدور حول رحيل دورة كاملة كي في محاولة لإنهاء هذا الموقف لصالحه، قائلا: عايز أحطب معاك يابت عمي.
تنظر رحيل إلى عصاه المشرعة في وجهها، ثم تهز رأسها في إعلان واضح وصريح لرفضها التحطيب مع حجاج، ثم تدير ظهرها لها وتهبط درجتين قائلة: ما حتقدرش!!
حجاج بعد أن ينزل عصاه على الأرض: نفسي أبل ريقي يا بت عمي من خمر جمالك .. نفسي أمسح بكفوفي على قلبك علشان أشيل كل الرفض اللي جواكي.
رحيل رافعة رأسها في شمم وتيه: خمري يسطلك، وقلبي نار جهنم، وجلدي شوك وسلاع.
حجاج يقترب منها في حذر : نفسي أركب مهرك الزاعقة في وش الريح عشان ألجمك بمرجلتي.
رحيل: لجامي في يدي ومفيش خيال يقدر يملك لجامي.
حجاج: نفسي أركب مركبي وأشق الموج في بحر جبروتك عشان أغطس في غويطك وأجيب آخره.
رحيل: بحري مالوش قرار، وإذا جبت قراره تغرق.. تزعل ناسك.
عندئذ ينتهي مشهد العشق الجدلي المستحيل بين رحيل وحجاج، لكنه على نهايته المبهمة يوشي بفتح باب الأمل من جديد كما تشير الأحداث فيما بعد، ولعلي هنا أشيد بزوايا التصوير التي اختارها المخرج حسني صالح، لإظهار جمال الطبيعة الأسوانية، وإدارته الاحترافية لمشاهد رومانسية تتسم بحرفية ممتزجة بالغوص جيدا في قلب الأحداث الدرامية التي تميل إلى الصراع والتراجيديا في أبشع صورها.
وقد ساهمت في إضفاء جماليات وبهاء الصورة والإضاءة وجود موسيقى تصويرية رائعة لـ “عمرو إسماعيل” في استدعاء مبهر للمزمار والدف وغيرها من آلات تنتمي للبيئة الصعيدية في فتنتها الآسرة وقسوتها الهادرة، وما خدم وعمق السياق الدرامي أكثر وجود صوت المطربة “ياسمين على”، وهى تطل بأغاني تواكب الأحداث في توازى رائع في ظل التراجيديا التي تغلف كل جوانب المسلسل.. تحية لكل صناع هذا العمل الذي قدم لنا الصعيد بشكل مختلف.