“جيمس كاميرون” الذي جمع 5 مليار دولار من فيلمين فقط
بقلم الدكتور: طارق عرابي
اللهم احفظ مصر من شر الأذكياء وإخلاص الأغبياء .. كانت هذه هى دعوتي الثابتة خلال الهزات التى تعرضت لها مصر ابتداءً من تاريخ 28 يناير 2011، وأصبحت أدعو نفس الدعوة للسينما في مصر، فهناك من يروجون للبلطجة والدعارة بحجة أن الأفلام لا تحقق عائداً جيداً إلا من خلال تلك البضاعة الرخيصة، والمفهوم الذي يحاولون فرضه لتحقيق مآربهم هو “الجمهور عاوز كده” والجمهور بريءٌ من ادعائهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
وسواء كان هذا الترويج عن عمد (شر الأذكياء) أو عن جهل (إخلاص الأغبياء) فإن النتيجة واحدة وهي تدمير قيم المجتمع وخلق أجواء دافعة للفوضى والإجرام والتطرف والإرهاب. إن هذا النوع من المنتجين هو عدو حقيقي للمجتمع والوطن.
أما عن مفاهيم ورؤية هؤلاء السفهاء حول أدوات تحقيق العائد الجيد من السينما فإن الردود بالحجة والبرهان على ضلالهم أو محاولات تضليلهم للآخرين كثيرة جداً، ولن نتناول منها هذه المرة سوى تجربة المؤلف والمخرج والمنتج “جيمس كاميرون” James Cameron وما حققه من عائدات وأرقام خيالية من أفلام خلت من سنجة “عبده موتة وغنوة الليثي ورقصة صافيناز وجراءة سما المصري”.
جيمس كاميرون .. النشأة والتحول:
جيمس كاميرون هو مخرج سينمائي حاز على استحسان النقاد واشتهر بتحقيق أفلامه أعلى إيرادات شباك التذاكر في كل العصور.
وُلد جيمس كاميرون، عام 1954 في مدينة أونتاريو الكندية، كان منذ طفولته شغوفاً بكل ما يتعلق بالخيال العلمي، أكمل دراسته الثانوية في كندا ثم انتقل إلى الولايات المتحدة وعمره 17 سنة والتحق هناك بجامعة ولاية كاليفورنيا لدراسة الفيزياء، ثم سرعان ما غير مجال دراسته من الفيزياء إلى دراسة اللغة الإنجليزية، ثم ترك جيمس كاميرون، في نهاية المطاف الجامعة دون أن يكمل دراسته، واضطر إلى العمل كسائق شاحنة ، وأصبح يسعى نحو طموحه في كتابة السيناريو.
بدأ بالحصول على بعض فرص العمل كمخرج فني أو مشرف معارك في بعض الأعمال الصغيرة حتى جاءت نقطة انطلاقته الأولى عام 1984 عندما كتب وأخرج فيلم The Terminator للنجم “العضلات” أرنولد شوارزنيجر Arnold Schwarzenegger وقد حقق نجاحاً ساحقاً فنياً ومالياً، وهو ما وضع جيمس كاميرون في قائمة المخرجين المطلوبين جداً في هوليوود.
بعد ذلك جاءت سلسلة من أفلام الحركة والخيال العلمي الناجحة مثل “فيلم الكائنات الفضائية” Aliens عام 1986 بطولة النجمة سيغورني ويفر Sigourney Weaver التي ترشحت للأوسكار ثلاث مرات من بينها جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي عن هذا الفيلم ،، وفيلم “الهاوية” The Abyss عام 1989 من بطولة النجم إد هاريس Ed Harris الذي ترشح للأوسكار 4 مرات ،، ثم الجزء الثاني من Terminator عام 1991 بنفس نجم الجزء الأول “أرنولد شوارزنيجر” والذي كان من إنتاج شركته الجديدة التي أسسها عام 1990 تحت اسمها المعروف “لايت ستورم للترفيه” Lightstorm Entertainment ، ثم فيلم أكاذيب حقيقية True Liesعام 1994 أيضاً للنجم أرنولد شوارزنيجر وقد ترشح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل مؤثرات بصرية Visual Effects (خدع سينمائية) عام 1995.
الفيلم الرومانسي الأسطوري وبداية عائد المليارات:
حادث السفينة العملاقة “تايتنك” التي غرقت بالفعل في المحيط الأطلنطي عام 1912 تم تناوله بالسينما أكثر من مرة ، ففي عام 1953 قام المخرج جان نيجوليسكو Jean Negulesco بتقديم فيلم سينمائي تحت اسم Titanic بطولة النجمة التي رشحت لأربع جوائز أوسكار ونالتها كجائزة شرفية عام 1982 باربرا ستانويك Barbara Stanwyck، والنجم الذي رُشح لثلاث جوائز أوسكار كليفتون ويب Clifton Webb ، ثم قام المخرج جيري جيمسون Jerry Jameson بتقديم فيلم عن حادث هذه السفينة عام 1980 مع النجم الحائز على جائزتي أوسكار ” جيسون روبردس” Jason Robards، والنجمة التي رشحت لجائزة الأوسكار عام 1988 “آن آرتشر” Anne Archer والنجم ريتشارد جوردان Richard Jordan .
ثم جاء العبقري جيمس كاميرون بخياله اللا محدود عام 1997 لينسج قصة حب الفتاة الأرستوقراطية “روز” مع الشاب الفقير والفنان “جاك” ليجعلها المحور الدرامي الأساسي في حدث غرق السفينة العملاقة تايتنك، جيمس كاميرون كتب وأخرج الفيلم وشارك في إنتاجه من خلال شركته Lightstorm Entertainment مع شركة Twentieth Century Fox وشركة Paramount Pictures ثم يبحث عن بطل وبطلة الفيلم وبعدما مر على ثنائيات عديدة كان من بينهم الثنائي أنجيلينا جولي Angelina Jolie و ماثيو ماكنوي Matthew McConaughey حتى استقر أخيراً على الثنائي ليوناردو دي كابريو Leonardo DiCaprio في دور “جاك” وكيت ونسليت Kate Winslet في دور “روز”.
ولقد أبدع جيمس كاميرون، إبداعاً فريداً لا مثيل له سواء كان ذلك في كتابة السيناريو بحرفية فائقة أو تكنيك الإخراج ما بين التصوير الحي وأعمال الخدع السينمائية التي شملت أعمال الجرافيك للسفينة ومحتوياتها والأفراد أثناء ميولها وانقسامها وغرقها.
نسخة 1997 لفيلم “تايتنك” من تأليف وإخراج جيمس كاميرون نالت الترشيح لعدد 14 أوسكار فاز الفيلم منها بعدد 11 جائزة، وحصد منهم جيمس كاميرون وحده ثلاث جوائز أوسكار، ولأول مرة في تاريخ السينما بأي مكان في العالم يتجاوز فيلم المليار دولار من عائدات شباك التذاكر حتى وصلت عائداته مع نهاية عرضه بالسينمات حول العالم إلى 2,194,439,542 $ أي أكثر من 2 مليار دولار.
فيلم الخيال العلمي Avatar اقترب من 3 مليار دولار:
بالإضافة إلى مهاراته الفنية الفائقة كتابة واخراجاً، يتميز جيمس كاميرون بقدرة خيالية لا حدود لها ،، تلك القدرة الخيالية النادرة هي ما مكنته عام 2009 من تأليف وإخراج فيلم “آفاتار” Avatar، والذي يفترض فيه أن هناك عالم بعيد عن عالم البشر يقع بنطاق القمر ويدعى “باندورا”، والذي يذهب جندي مشاة البحرية المشلول “جيك سولي” في مهمة فريدة بعدما قُتل أخاه في عملية سطو وسرقة، وهناك يتعرف على النوايا الشريرة للشخصية البارزة ذات النفوذ، وهو “باركر سيلفريدج” الذي يريد طرد كائنات شعب “نافي” Na’vi من أرضهم بغرض التنقيب عن كنوز ثمينة تنتشر بجميع غاباتهم الغنية بالمواد عالية القيمة المالية.
ويهدف “جيك سولي” إلى علاج شلله لدى هذا الشعب المتحضر جداً بإجراء جراحة متقدمة بالعمود الفقري ستصلح ساقيه ، فيبدأ في جمع المعلومات عن العرق الأصلي لهذا الشعب وعن ثقافتهم لصالح الوحدة العسكرية المتعاونة بقيادة العقيد “كواريتش”. ويحاول “جيك” في نفس الوقت التسلل إلى عالم Na’vi باستعمال اسم “آفاتار” Avatar كهوية رمزية له، وعندما يبدأ “جيك” رحلة التواصل والترابط مع القبيلة الأصلية يقع في حب إمرأة من شعب الـ Na’vi تدعى “نايتيري” Neytiri، وبينما يتقدم العقيد الوحشي كواريتش بخطة إبادة لشعب Na’vi يصبح على جندي مشاة البحرية “جيك” اتخاذ موقف مغاير ويقرر الدخول في معركة ملحمية مع شعب “باندورا” للحفاظ على بقائهم على أرضهم وحريتهم في تقرير مصيرهم دون أي تدخل أجنبي.
فيلم Avatar عرض بالسينمات حول العالم عام 2009 وحقق عائدات اقتربت من 3 مليار دولار، وترشح لتسع جوائز أوسكار فاز بثلاثة جوائز منها وهي أفضل تصوير Cinamatography وأفضل إخراج فني Art Direction وأفضل مؤثرات بصرية Visual Effects.
ويضع جيمس كاميرون حالياً خطة طموحة لسلسلة قادمة من أفلام Avatar ومن المقرر أن يأتي الجزء الثاني عام 2021 والجزء الثالث 2023 والرابع 2025 والجزء الخامس في عام 2027.
نوعية الأفلام التي تخطت المليار دولار في العالم:
بسبب إعجابي بحالة المبدع جيمس كاميرون الذي حقق القيمة الفنية والأهداف التجارية معاً من أفلامه، ذهبت أبحث عن الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات حول العالم ، فوجدت أن الأفلام الأكثر إيراداً في شباك التذاكر على المستوى العالمي هي أفلام الكارتون والخيال العلمي، باستثناء الفيلم الرومانسي “تايتنك” وفيلم الأكشن Avengers، وهذان النوعان من الأفلام “الكارتون والخيال العلمي” لا وجود لهما في قائمة أصناف الأفلام المصرية، ولقد عدت بذاكرتي إلى عام 2001 عندما وقفت في طابور طوله يزيد عن نصف كيلومتر لدخول فيلم الكارتون الشهير إمبراطورية أتلانتيس المفقودة Atlantis: The Lost Empire، وذلك أمام دار سينما الكابيتان AlCapitan بشارع هوليوود بوليفارد، وختاماً أعود لدعوتي مرة أخرى “اللهم احفظ السينما المصرية من شر الأذكياء وإخلاص الأغبياء”.