بقلم : الناقد المجهول
يبدو أن فيروس الدراما الهندية والتركية قد اجتاح الدراما المصرية مع انتشار فيروس “كورونا” هذه الأيام، فالذي شاهد مسلسلي “الأخ الكبير”، و”ختم النمر”، سوف يشعر بتلك العدوى المخيفة في قلب مسلسلاتنا، والتي كادت أن تتعافي يوما بعد يوم من كثير من أمراضها، وقد تفاءلنا كثير بهذا، إلى أن لجأ صناع الدراما إلى مسلسلات الـ 45 حلقة، والتي لازمها بالضرورة حالة من المط والتطويل على غرار المسلسلات الهندية والتركية بطابعها السيئ، فقد غرق هذين المسلسلين للأسف في تفاصيل ومطاردات وتحول المسار الدرامي إلى حالة من العبث، ما أفسد العمل برمته مع الوصول إلى خط النهاية.
ولعلنا قد لاحظنا أن مسلسل “الأخ الكبير” بدأت أحداث بنعومة في التأصيل لشكل العائلة المصرية، وملامح الحارة الشعبية التي يسودها الحب والتفاهم والترابط، فضلا عن الأخوة بمعناه الصحيح بملامحها الاجتماعية الناضجة، والتي افتقدها منذ زمن طويل في طي الدراما المصرية، لكن المسلسل بعد منتصفه تقريبا انقلب رأسا على عقب، حيث اجتهد المؤلف والسينارست في وضع بعض البهارات على الطريقة الهندية في صورة مطاردات كثيرة لـ “حربي أبو رجيلة” في محاولة القبض عليه، لكن مطاردوه عادة ما يفشلون في مسعاهم كل مرة.
لقد ظن الكاتب أنه بكثرة المطاردات يستطيع أن يمط الأحداث بشكل منطقي في سبيل صناعة 45 حلقة من مسلسل كان يمكن أن يكون من لون الدراما الاجتماعية بامتياز، لكنه للأسف فشل مع الإخراج والمونتاج، وحتى الموسيقى التصويرية التي بالغت كثيرا في مشاهد تراجيدية تخلو من طزاجة الأداء الذي بدا تقليديا ومكررا إلى حد الملل، ومع تلك الحالة ضاعت الإثارة المطلوبة في عمل بدأ بداية مبشرة، وانتهى نهاية خطابية مباشرة لا تتفق مع السياق الدرامي الذي سارت عليه الأحداث.
كنا قد عشنشا طوال 22 حلقة في حالات من الشجن بفضل موسيقى تصويرية معبرة تضاف إلى أداء احترافي من جانب “محمد رجب، إيهاب فهمي، أحمد حلاوة، هبة مجدي، محسن منصور، محمد عز، محمود حجازي، أيتن عامر” وغيرهم ممن برعوا بالفعل في تجسيد حالة من التراجيديا الإنسانية بعذوبة تختلط بقدر من الشجن، لكن للأسف تاهت الحقيقة (حقيقة مقتل صفية) وسط أحداث اتسمت بالعشوائية، وكأن السيناريو قد أصابه فيروس “هندي تركي” لعين أصاب الأحداث في مقتل، فشاهدنا مطاردات لامبرر لها، وبكاء وعويل وحالات من الألم والحزن غير المبرر إلى أن وضعت النهاية بطريقة تقريرية مقيتة.
أما مسلسل “ختم النمر” والذي ظل طوال 30 حلقة يجسد حالة من الرومانسية غاية في الرقي والعذوبة، جلبت معها قدرا من الطاقة الإيجابية في قلب مجتمع صعيدي يتسم بالعنف بالأساس، ولقد برع “أحمد صلاح حسني” في تجسيد دور العاشق الولهان بقدرة تعبيرية غاية في الروعة، وساهمت في خلق حالة الرومانسية بشكل أكبر نجمة الدراما العربية “نسرين طافش في دور “مريم” التي لعبت دورها بطريقة تنم عن موهبة وقدرة خرافية على تلمس الخط العاطفي على جناح الصدق الذي لعبته من قبل في قلب الدراما السورية في عدة أعمال طابعها الرومانسية.
أعترف بأنه قد برع كل من “حسني وطافش” في خلق أجواء رومانسية غاية في الشفافية، وكانا مبعث الدفء في قلب شتناء قارس، ومعهم في الأداء الاحترافي لكل من “رشدي الشامي، جميل برسوم، تميم عبده، المرحوم إبراهيم فرج، عفاف شعيب، إسلام جمال، أمير صلاح، حنان سليمان، حسنة سليم، هدى الإتربي” وغيرهم مما أجادوا بالفعل في تجسيد ملامح الرومانسية في ثوب قشيب جميل انسجم تماما مع البيئة الفرعونية، وظل لافتا لأنظار المشاهدين طوال 30 حلقة من المسلسل.
لكن الكارثة وقعت بدءا من الحلقة 31، حيث شعرنا بأن كاتب السيناريو قد تغيرتماما في أسلوبه، بعدما اتخذت الأحداث منحنى آخر قوامه إفساد الحالة التي عشناها، فقد ضرب مع سبق الإصرار والترصد إسفينا بين “عمر ومريم” بطريقة عجيبة، وغير مبررة، كما لم يتم التمهيد لهكذا حدث مفاجئ في الحلقات السابقة جراء هذا التحول المريب، الأمر الذي أفسد العمل وفقد جاذبيته اليومية في الحصول على جرعة رومانسية قادرة على أن تبعث فينا الأمل وتحمل مصاعب الحياة القاسية التي نعيشها الآن.
نعم كان لدينا أمل بأن تتوج حالة الحب بين “عمر ومريم” بالزواج كنهاية طبيعية لأحداث كانت تسير بوتيرة هادئة إلى أن انقلبت تلك الأحداث إلى حالات من العنف وجفاء المشاعر، وتنمية الروح العدوانية لدى “عمر” الذي ظل طويلا يتنمر بـ “مريم” بلا أدني مبرر، كما أن السيناريو عجز عن وجود تبرير لخوف “مريم” على حبيبها “عمر”، حتى صارت الأحداث أشبه بحالة سيرالية غير مفهومة في جعبة عمر لكل هذا التحميل على “مريم”، كما لم يبرر السيناريو أيضا دخول “جوليا” في حياة “عمر” بهذه السرعة، وكأنه يملك مفاتيح قلبه بطريقة ميكانيكية فيستطيع أن يغلقه في وجه واحدة ويفتحه في وجه أخرى خلال أيام قليلة.
الحالة العامة لكلا المسلسلين تشير إلى أننا بحاجة ماسة إلى مؤلفين، أنضج وعلى درجة عالية من الوعي والحرفية لصناعة مسلسل 45 حلقة، بحيث لا تفلت في أحداثه هنة واحدة حتى النهاية، ونتفادي تماما أن لانقع في براثن المط والتطويل بطريقة عشوائية – أخشى ما أخشاه أن تصبح آفة أو فيروس يصيب الدراما المصرية الحالية – تسود طويلا ، بل تصبح سمة المسلسلات في غير موسم رمضان، وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على نسب المشاهدة التي لاحظت أنا وغيري تدنيها مع قرب نهاية “الأخ الكبير و”ختم النمر” بصورة تبعث على الفزع.