رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أحمد جمال .. صاحب الإحساس المرهف

منحه والديه الثقة في أن يكون مطربا

كتبت : سدرة محمد

إذا أردت إحساسا يفوق الوصف، عليك البحث عن أغنية تعكس تجربة عاشها المطرب أولا في حياته الشخصية، فإن أداء أغنية تعكس حالة عاطفية أو اجتماعية واجهها الفنان يفوق أداءه أغنية عادية، لأنه ببساطة يعيش حالات صعبة يريد أن يعبر عنها، ولا تقتصر على حالات عاطفية أو اجتماعية، بل الممكن أن تعبّر عن الوفاء للوطن، أو عن فرح، إنها أحاسيس متفاوتة من شخص إلى آخر، يؤديها الفنان بصوته، ومن الطبيعي أن يكون الأداء في الأغنيات النابعة من تجارب خاصة أقوى من تلك التي تعتبر مجرد وصف أو تركيب كلمات على ألحان لمجاراة السوق، وهنا يكمن الاختلاف بين فنان يتوجه إلى الجمهور من القلب إلى قلب وآخر يعتبر الفن صناعة لكسب المال.

ونجمنا على الطريق هذا الأسبوع هو مطرب من ذلك النوع الصادق في إحساسة وتعبيره عن مشاعره عبر خامة صوت لم تأتي منذ 50 عاما – بحسب الموسيقار هاني مهنى والمطرب الكبير محمد الحلو – إنه المطرب الشاب “أحمد جمال” الذي أستطاع خلال فترة وجيزة أن يكون له بصمة خاصة في عالم الغناء القائم على الشجن، رغم أنه ينتمى للون الغناء الحديث بموسيقاه التي يغلب عليها الطابع الغربي في الألحان، لكن إحساسه وإتقانه للغناء يفوقان أي أمر آخر، وهذا طبيعي لأنه يؤديها من أعماق قلبه.

يعتبر نصير شمة صاحب فضل عليه

الأمر المؤكد في “أحمد جمال” أن إحساسه الصادق يصل إلى الناس بصورة أكبر، عبر أغاني تعبر عن الواقع، وهو من جانبه يبدع ويحاول ابتكار إحساس مطابق للتجربة التي عاشها، سواء عاطفية أو اجتماعية، سيئة أو جيدة، لذلك غالبية أغانيه تعبر عن الإحساس المحمل بدفء المشاعر، وهى بذلك تختلف عن الأغاني الباحثة عن النجاح وملاءمة السوق، فهو دوما يختار كلمات تؤجج الأحاسيس والمشاعر ويعيش الحالة التي يغنيها في خياله، فتبدو من خلال أدائها كأنها حقيقة واقعة، مع العلم أنه لا يقصد ذلك، بل عادة ما تجيئ أحاسيسه الصادقة تلك على جناح الصدفة.

وهنا أذكر مثالا عمليا: عندما خطف المتسابق المصري “أحمد جمال” في الحلقة قبل الأخيرة من برنامج اكتشاف المواهب “Arab Idol” بميدلي الأغاني الوطنية التي قدمها لمصر، ونوع فيها بشكل غريب بين الحزن والفرحة في آن واحد، فقد غنى جمال مجموعة من الأغاني الوطنية الشهيرة كان من بينها “أحلف بسماها وبترابها” و”صورة ” و”بالأحضان ” لعبد الحليم حافظ.

لديه حس وطني عال

ومن فيض إحساسه الوطني لم يتمالك نفسه من البكاء، وتفاعلت معه الجماهير من فرط أداء “جمال” الصادق والمؤثر لكلمات الأغاني، خاصة الموزع الموسيقي “حسن الشافعي” الذي بكى بشدة وتأثر بكلمات الأغاني، بينما تمكن “أحمد” بقدرة مدهشة وغريبة في نقل الحالة المزاجية للجمهور من الحزن إلى الفرح بشكل سريع مع بدئه لغناء بعض الأغاني الوطنية ذات الطابع الحماسي.

“أحمد جمال” صاحب الصوت القوي والإحساس الصادق والذي يشبه الكمان ولد بمدينة طنطا محافظة الغربية لوالده “جمال عبد الناصر” الذي يعمل محاسباً في جامعة الأزهر، ووالدته “راوية” التي تعمل كربة منزل، واللذان كانا لهما دوراً كبيراً في إكتشاف وتنمية موهبته، وله شقيق واحد هو “خالد” وشقيقة واحدة هى “نهى” وهو أصغر إخوته، لكنه الوحيد بين أشقاءه الذي يتمتع بموهبة الغناء، وأيضا والداه يتمتعان بآذن موسيقية مما ساعد أحمد على صقل موهبته.

احترف الغناء الكلاسيكي في بداية حياته

في الرابعة من عمره اكتشف والده بداخله موهبة الغناء، فقد لاحظ أنه كان يجلس أمام التلفاز ويستمع إلى الإعلانات ويحفظها، ثم بدأ في حفظ مقطوعات موسيقية و”يدندنها بفمه”، وفي يوم لفت نظر والده غناء “أحمد” لقصيدة النهر الخالد للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، والتي كانت تذاع يومياً قبل نشرة السادسة حتى عندما كان والده يغلق التلفاز كان أحمد يكملها هو بصوته، ومن يومها عرف والده أنه سيصبح مطربا، وعندما وصل سن العاشرة من عمره قرر والده أن يلحقه بمعهد الموسيقى العربية ولكن عندما أراد أن يتقدم بأوراقه إلى المعهد، كانت دراسة أحمد في المعهد إلى جانب دراسته في التعليم الأساسي.

وظل أحمد يدرس في المعهد 3 سنوات بقسم “العود والأصوات”، وكان أساتذته في المعهد يعتبرونه ” فاكهتهم ” حتى أن أستاذاً من سوريا سأل مرة أحمد وقال له: “ماذا تغنى؟” فقال له “أغنى لـ عبد المطلب” ثم اختبر أكثر من زميل له، وفي النهاية قال لوالده” ابنك في يوم من الأيام سيصبح فناناً “، وفعلاً أنهى أحمد الدراسة وحصل على المركز الأول على المعهد رغم أنه كان أصغر الدراسين عمراً، حيث إن كثيرا من زملائه كانوا في عمر الـ 40 عاما، ومن هنا فقد اشتهر بلقب “سلطان وسيد الغناء العربى” لما يتميز من صوته الرائع وإحساسه الخيالى.

كانت مرحلة الجامعة بعد ذلك بمثابة  نقلة نوعية كبيرؤة في حياة “أحمد جمال” الموسيقية، حيث بدأ يعمق نفسه في الألحان والأغاني، وفي يوم كان هناك “مسابقة الدلتا” التي تنظمها الجامعة، وفاز بها في المركز الأول كما قدموا له “سي دي” كان بها أغنية “قسمة ونصيب” والحقيقة أن الأغنية سمعت جداً وكانت من كلمات صديقه الشاعر نور الدين محمد وألحان جمال نفسه، حتى أن أحد الأصدقاء وصلها إلى الموسيقار عمار الشريعي مما جعله ينبهر بصوته ثم أعطاه الراحل فرصتين في غناء تترات المسلسلات.

استمع الموسيقارالراحل “عمار الشريعي” إلى إحدى أغنيات أحمد فطلب منه أن يغنّي في إحدى حلقات مسلسل مذكرات سيئة السمعة، وبعد ذلك طلب منه أن يسجّل تتر المقدمة والنهاية لمسلسل “بيت الباشا” بطولة صلاح السعدني، وكانت الكلمات لأيمن بهجت قمر، وتنبأ له الشريعى بمستقبل مشرق في الغناء ثم خرج وتحدث عنه في إذاعة “راديو مصر” ، بدأت بعدها العروض تنهال على أحمد لكن ظروف تجنيده عارضته.

في أواخر عام 2010 شارك أحمد جمال في برنامج المواهب “مودرن ستار” إلى جانب “كارمن سليمان” حاملة لقب “آراب آيدول” في موسمه الأول، وقدم أداءً جيداً لكن توقف البرنامج بسبب أحداث 25 يناير، وعانى أحمد لمدة عام من تلك الأحداث، وبعد ذلك كانت لديَه رغبة في التقدّم إلى أي برنامج، لأن الحالة في مصر لا تسمح بأن يعتمد على نفسه بمفرده، لكن في أواخر عام 2011، ظهر أحمد جمال في برنامج “صولا” مع الفنانة أصالة نصري ،حيث رشحه للظهور الموسيقار العراقي “نصير شمة“، والذي كان يدعمه طوال الوقت ويدين له أحمد بفضل كبير.

خطف قلوب الجماهير في “عرب أيدول” بموال “مين هى مصر”

كانت فرصة “أحمد” الحقيقية في برنامج “آراب أيدول” ، والذي حقق نجاحاً كبيراً من خلاله عبر الأغنيات التي قدمها وقد نال إستحساناً كبيراً من لجنة التحكيم التي أشادت بموهبته وجمال صوته العذب وإحساسه العالي في الغناء، وغنى أحمد خلال مشواره في البرنامج مواله الوطنى (مين هي مصر) الذي أبهر به لجنة التحكيم وكان من كلمات صديقه الشاعر نور الدين محمد وألحانه وغنائه هو نفسه، وقد كان لهذا الموال صدى كبيراً في الشارع المصري حيث أنه سجل وأنتج كأغنية وطنية بعد عودته من قبل الموزع خالد عز، وعلى الرغم من عدم حصوله على اللقب وانتهائه في المركز الثاني بعد الفلسطيني”محمد عساف” بفارق ضئيل في التصويت إلا أنه أكتسب شهرة كبيرة على نطاق واسع في مصر والعالم العربي، واستطاع أن يأسر قلوب الملايين بصوته .

جدير بالذكر أن “أحمد جمال” نال جائزة أفضل مطرب شاب لعام 2019 في استفتاء مجلة “دير جيست”، لتضاف لقائمة نجاحاته، وكان أيضا قد حصد جائزة “الميما” لعام ٢٠١٣ و ٢٠١٤، و جائزة المطرب الأكثر جماهيرية في “الباما” ٢٠١٦، وله ألبومين غنائيين “يلا نعيش2015 ، وكفايه اقول محمد2017” ومجموع أغانيه يصل إلى حوالي 53 أغنية، وجميعها تجمع بين الإحساس الصادق والعيش في تجارب تصقل يوما بعد يوم موهبته الكبيرة، والتي تجعله نجما قادما على طريق المجد والشهرة بفضل إحساسه المرهف وأخلاقه ووطنيته التي تجلت في موال “مين هى مصر” الذي تقول كلماته:

ياللي حضنك هو نفسه حضن أمي

ياللي ليكي فيا أكتر من اللي ليا

ياللي مهما بعدت عنك جوة دمي

ياللي حبك عندي حاجة مش عادية

كل شارع من شوارعك فيه حكاية

عن صحابي وعن حاجات حصلت معايا

ناس كتير قالولي غني الاغنية ديه

بس مهما كان غنايا مش كفاية

رغم اى محنه صعبه عشتى فيها

بكره قادرين نبنى فيكى ألف قصر

ياللي بتقولوا انها راحت عليها

اسألوا كتاب التاريخ مين هى مصر

تحية تقدير واحترام للمطرب الشاب والموهوب “أحمد جمال”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.