مسلسلات على الديب فريزر!
بقلم : محمد شمروخ
لا يمكن أن أصف مسلسل “الآنسة فرح” الذي لفت الأنظار بأنه مسلسل فاشل، لا بسبب أنه اشتهر وحظى بمتابعة قطاعات كبيرة من الجمهور، فالجماهيرية ليست وحدها المقياس وعلمنا الزمان أن الجماهير لها ذاكرة السمكة مع كثير من الأعمال التى تعلقت بها يوم ما، لكن نفس الذاكرة هذه تصبح من فولاذ مع الأعمال الفنية الجيدة!
ــ يا عيب الشوم.. هل تقصد أن مسلسل فرح عمل غير جيد؟!
ــ بالضبط كده!
وكونه عملا غير جيد لا يعنى الفشل الآن، لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن لأننا لو خضنا سنخرج عن الموضوع أساسا.
ــ إذن ما الموضوع؟!.. واختصر
وبدون اختصار أو تطويل، فإن العمل ممتع للمرة الأولى بسبب الصدمة الناتجة من الفكرة “المقرفة” وليست الجريئة، فيمكن أن تكون جريئة لو كانت الفكرة أصيلة من دماغ مؤلفي المسلسل ولكنها للأسف كبوستات فيسبوك وتغريدات تويتر، يمكن الواحدة منها تشعل الدنيا وتحصد لايكات للضحى وكومنتات حتى مطلع الفجر، لكن مع شروق الشمس سيسيطر الملل والتثاؤب وتختم بالبحث عن أي بوستات وتويتات ويتوتيوبات أخرى.
ففكرة أن تحمل آنسة بسبب خطأ طبي وهى المأخوذة عن المسلسل الأمريكي الأصلى المعروض منذ عام 2014 “جين العذراء”، فكرة جديدة وجريئة حتى لو تم تمصيرها حتى مع استبعادها واقعيا، لكنها للأسف أمست “مقرفة” لأنها أخذت “كوبي وبست”، وكان ممكن بدلا من الترجمة في شخوص المسلسل، اللجوء إلى التمصير أو التعريب، أي صبغ الأحداث بصبغة محلية تجعلنا نتقبل الأحداث حتى ولو كانت صادمة، أو جريئة، بل وقد نستسيغها لو عصرنا عليها ليمونة نكسر بها سمها كما نتعامل مع الفسيخ والأكل البايت.
لكن سيطرت على أحداث المسلسل حالة من البرود الذي وصل إلى درجة الصفر المطلق باستقبال “الخطأ المقرف” من جانب المحيطين بالسنيورة الدلوعة “فرح” وخطيبها حتى مع اللويح بالرفض، لكن في النهاية أسفرت عن طباع “ديب فريزرية” وليست طباعا “فرنية” كالتى نعرفها في واقعنا.
لكن يا أخى السادة صناع المسلسلات يتعاملون مع المشاهدين المصريين والعرب على أنهم خريجي مدارس “XXX للغات”
وعلى أي حال المسلسل كما قررت في بداية المقال، ليس فاشلا ولكنه حتما سيفشل!
ــ ما هذا التناقض وكيف ترى أن هذا المسلسل ليس فاشلا ولكنه “سيفشل”؟!
اصبر واهدأ.. سأشرح لك باختصار كيف يمكن أنه سيفشل، فنجاح المسلسلات المصرية والتى علقت بذاكرة مشاهد الدراما العربية مرهون بالقدرة على العرض مرة واثنتان وثلاث وربما أكثر، فهناك مسلسلات شاهدناها عشرات المرات ونحفظ تفاصيل دقيقة لا عن شخصياتها وأحداثها فقط، لكن عن الديكورات والملابس والموسيقات والأغنيات!.
تجد المشاهد الرابض على الريموت يقلبه بنوع من الزهق، فإذا به يتوقف فجأة وتلمع عيناه ويصفق بيديه ويتنطط زي العيال، عندما يلمح مع تقليب القنوات، مشهدا من ليالي الحلمية أو المال والبنون أو حديث الصباح والمساء أو حتى المسلسلات القديمة طحن من أيام مارد الجبل والدوامة والأفعى وعادات وتقاليد!
ستقول مزاجي قديم.. لا يا صديقي.. اسأل جمهورك نفسه الذي جعلته يلهث خلف الأحداث ليعرف ما وصلت إليه البنت المسكينة مع مصيبتها التى لم يشعر بها إلا المشاهد وحده لأن كل المشاركين في العمل هيصوا لما حدث للآنسة، حتى خطيبها تقبل الأمر الواقع لأنه كائن ثلجي بشهادة من القطب الشمالي.
وطبيعى أن يتوقع صانعو العمل ثورة فيساوية لرفض أفكار المسلسل الفاسق الفاجر لعلها تؤجج الموضوع ويتدخل الأزهر والرقابة ويصبح حديث اليوم والغد، لكن لم تحدث، فما حدث هو تتبع بشغف للحلقات التي فطن صناع المسلسل الخبثاء لطبيعة المشاهد الملول وقاموا بتقطير حلقاته على يوتيوب حتى لا يفعلها فيشاهد من الآخر وينتهى الأمر، ولكن بالفعل انتهى الأمر ولكن للأسف الهوجة لم تلحق بهوجة أقل أغنية مهرجانات، فكلمة من هنا مع تمتمته من هناك وتوتة توتة خلصت الحدوتة، بس لا والنعمة ما خلصت، فلازم من كلمتين في الجنب لعلهم يفقهون، فالحوار كان مفتعلا للغاية والضغط على الكلمات مع مضغ الحروف وفتح العيون لآخرها وتحريك عضلات الوجوه والأعناق بافتعال ممجوج، كان سمة الأداء العام الذي هو طبع هذه المسلسلات التى تشاهدها ربات البيوت وهن يقلبن في الموبايلات أمام التلفزيون، أو يعدن للحلقات على الإنترنت بين الحين والحين ليستمعن للراوي الممل الذي لا يريد أن ينقطنا بسكاته و”اللي يعيده يزيده”.
بدت بعض الممثلات يتحدثن في الحوار بطريقة هوانمى آخر دلع – بس دلعهم مرئ- فكأنهن يتعلمن العربي لأول مرة للإشارة إلى أنهن في الواقع أو في المسلسل “تربية مدارس لغات”.
كذلك تم حشر أحداث جانبية بدون أي حرفية أو حرفنة خاصة في قضية قتل ارتكبها أبو رجل مسلوخة.
أما نجوم المسلسل الشباب فدعونى أبل ريقهم بأنهم بذلوا مجهودا رائعا ولكن للأسف ظلمهم النص خاصة البنوتة الجميلة أسماء أبو اليزيد “فرح” التى خاضت تجربة فارقة تتجاوز عمريها الفنى والطبيعى، فلأول مرة يظهر السمار الداكن لبشرة فتاة على شاشة عربية بهذا الرونق الذي سيعيد للسمراوات مجدهن على شاشة الدراما، ويفتح مجالا لأصحاب السمار الشديد للبنات لتقديم بطولات مطلقة، فالمسلسل من إيجابيته أنه ثبت أقدام كثير من أبطاله عن طريق النجومية، بينما شرخ تامر فرج نحو طريق “السوبرستارية” بأدائه المتميز.
لكنى أدعوه للتعلم من ملوك جمال السينما المصرية نور الشريف ومحمود عبد العزيز وغيرهم خاصة حسين فهمي الذي ظهرت مواهبه التمثيلية الحقيقية بعد تخليه عن إنه “حلو” عقب سؤال السندريلا “من أنت” فجاءت إجابته متأخرة في أعمال ما بعد “زوزو، العار، جرى الوحوش، المال والبنون”، لأنه بصراحة كان لما يعتمد على شكله دمه بيبقى.. لا يهم.. لأننا سنخرج من الموضوع فاحترس يا فرج وبرافو يا فرح ولا يهم أن العمل سيفشل، فكم من أعمال فاشلة صنعت نجوما ناجحين وإلى اللقاء في أعمال أخرى!.