في عهده إزدهرت السينما وتألقت الدراما والمسرح فتح باب الحرية على مصرعيه
تم إطلاق مهرجان المسرح التجريبي رغمن اعتراض المسرحيين والنقاد
مهرجان القاهرة السينمائي أخذ صبغة الدولية وجلب كبار نجوم العالم لمصر
إنتاج السينما والمسرح والدراما التليفزيونية كان بجودة عالمية سبقت المنطقة كلها
بقلم : محمد حبوشة
في تصريحات سابقة، قال المخرج الكبير”جلال الشرقاوي” إن ازدهار الفنون والثقافة وتدهورها أمر يتوقف على طبيعة اهتمامات الحاكم، فعندما كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر محبا للفنون، ازدهرت في عهده الفنون، وكذلك الحال في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أما الرئيس الأسبق حسني مبارك فكان محبا لكرة القدم فازدهرت في عهده كرة القدم، وكان كارها للفن والفنانين، فتدهورت الفنون في عصره حتى وصلت إلي مرحلة بشعة من التدني، وهنا لابد لي وقفة بعد رحيل الرجل الذي أراه قد ظلم حيا وميتا، وخاصة اتهامه بأنه كان معاديا للفنون.
بداية لابد لي ولغيرى من الاعتراف بأن عصر الزعيم “جمال عبد الناصر” شهد نهضة كبيرة في كافة المجالات الفنية على مستوى الغناء والسينما والمسرح، وهذا ربما يرجع إلى إلى عودة البعثات الفنية التي سافرت في بداية الثورة وقبلها إلى الدول الأوربية وأمريكا، وعادت بفكر مختلف، هذا الفكر انصب في صالح الفن المصري على كافة المستويات، ومن ثم فقد شهد هذا العصر نهضة كبيرة في الفنون كافة، والغناء منها بصفة خاصة، جراء المد الثوري الذي أرسى دعائمه “أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم” وغيرهم من أساطين الغناء في هذا الزمن الذي شهد فتوة مصرية في مجالات الأدب والثقافة والفنون، حيث جاءت الكلمات معبرة عن شئون وشجون الشعب المصري والعربي والأفريقي.
كما كان لانفتاح السينما على الأدب دورا كبيرا في إثراء الأعمال السينمائية والمسرحية بدرجة كبيرة، حيث شاهدنا استعانة السينما والمسرح بأدباء مثل: “توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، يوسف إدريس، يحيى حقي”، وغيرهم، ممن أثرو الحياة المصرية على جناح إبداع حقيقي عبر بكل جوارحهم عن كافة طوائف الشعب في وقفة مشهودة مع زعيم ثوري شاب أراد أن يعبر بمصر نحو الاشتراكية وحقوق الشعب العامل أنذاك.
ولابد لأي باحث منصف أن يذكر حجم الإنتاج السينمائى فى عهد “ناصر”، والذي قدر بنحو 700 فيلم، رغم أن كل ما عرض من أفلام على التليفزيون خلال القرن العشرين لم يتجاوز 3 آلاف فيلم فقط، وهذا يعنى أن ما أنتج من أفلام فى عهد ه خلال 18 عام فقط – هى فترة حكمه – يعد ربع ما أنتج خلال قرن كامل، كما أنتج ما يقرب من 1300 أغنية وطنية في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، وارتبطت جميعها بأحداث كثيرة على الصعيد المحلى والعربي والأفريقي، ومن أهمها أغاني عن الثورة وتأميم القناة والإصلاح الزراعي والسد العالي وحرب اليمن والقومية العربية.
وجاءت هزيمة يونيو 1967، ورحيل الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970، بمثابة هزيمة كبرى منى بها هذا الفن المصري الخلاق في تفاعله مع هموم المواطن والوطن العربي الكبير، خاصة بعد أن حدثت جفوة من جانب كثير من الدول العربية، فضلا عن هجرة كثير من نجوم الفن المصري إلى “سوريا ولبنان” وغيرها من دول العالم الأخرى في إطار البحث عن ملاذ آمن يحميها من بطش رجال السلطة الذي أسرفوا في موجة من الكراهية لكل ما يخص البلاد والعباد، وبالطبع كان لكل ذلك انعكاس كبيرا على الفن المصري، خاصة في السينما والمسرح والدراما التليفزيون التي كانت قد بدأت تتشكل ملامحها في تلك الفترة، وذهبت في موضوعاتها إلى مزج الأدب ممثلا في الرواية في صورة أعمال سينمائية ودرامية تهتم بأدق تفاصيل القضايا المصرية الخالصة، وتم تطعيمها – أنذاك – بأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية كان يندر التطرق لها من قبل.
وبعد اغتيال الرئيس السادات وتولى الرئيس الراحل حسني مبارك، والذي أعاد المياه إلى مجاريها بعد مقاطعة غالبية الدول العربية على أثر عملية السلام مع إسرائيل، بدأ الفن المصري النهوض من جديد، على مستوى الشكل والمضمون في فنون “السينما والمسرح والتليفزيون”، وعلى عكس ما كان يتردد بأن مبارك لم يكن محبا للفنون، كما ذكر “جلال الشرقاوي” الذي نمى مسرحه في عهده، من خلال عدة مسرحيات كانت بمثابة إفاقة مباشرة للجمهور مثل مسرحيات “ع الرصيف 1987، إنقلاب 1988، قصة الحى الغربى 1996، دنيا أراجوزات 1999، دستور يا أسيادنا 2000، وهل كل هذا لايعد تطورا لفن المسرح في عهد الراحل “حسني مبارك” بالنسبة لك يا أستاذ جلال ، ظني أنه يعد إنقلابا في المسرح المعاصر في ظل سياسة دولة مستقرة ورئيس يعي قيمة الفنون.
إنه من الظلم البين أن يقول “الشرقاوي” هذا، وهو الذي حاز عدة جوائز وتكريمات لايستطيع إنكارها في عهد مبارك، منها على سبيل المثال وليس الحصر حصد الفنان الكبير جلال الشرقاوى العديد من الجوائز وشهادات التقدير لعل من أهمها : شهادة التقديرمن وزارة الإعلام عن إخراجه لأوبريت (أفراح النصر) عام 1989، شهادتى التقدير عن إخراجه لأوبريت الليلة المحمدية السادسة والسابعة من وزارة الإعلام، شهادة التقدير من وزارة الداخلية عن إخراجه لأوبريت (حراس الوطن) عام 1993 ، جائزة أحسن مخرج لمدة ثمانى سنوات متتالية متصلة من
عام 1986 حتى عام 1993 ثم عن عامى 1995،1996 فى الإستفتاء الجماهيرى لإذاعة الشرق الأوسط وجريدة الأهرام.
كما حصل على تمثال الأوسكار لأفضل مخرج عامى 95 / 1996 فى الاستفتاء الجماهيرى لمجلة السينما والناس ، ميدالية وشهادة تقدير عن أفضل كتاب ألف عن تاريخ السينما المصرية من المركز الكاثوليكى المصرى عام 1964 ، تمثال الجائزة الأولى فى الإنتاج عن فيلم (موعد
مع القدر) من المركز الكاثوليكى المصرى عام 1986، ميدالية المسرح التجريبى من وزارة الثقافة المصرية عام 1993، جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1994 ، درع المسرح الإستعراضى المصرى عام 1995 .
وبنظرة منصفة على أرض الواقع نجد أن الحقبة المباركية قد شهدت تطورات مذهلة في صورة أفلام ومسرحيات ومسلسلات تليفزيونية كانت غاية في البراعة من فرط واقعيتها المذهلة، فمع بداية عهده تم الإفراج عن كل الأغاني الوطنية والسياسية التي كانت تتحدث عن أمجاد الزعيم عبد الناصر، وبدأت الإذاعة تعيد إذاعة ماكان ممنوعا من قبل مرة أخرى، ويبدو ملحوظا اهتمام الرئيس الراحل مبارك بألوان الفنون المصرية الخالصة التي تهتم بالأصالة، كما تمثل ذلك في تبنيه بصفة خاصة للمطربة الصاعدة “آمال ماهر”، بعد أن استمتع لها وهى تشدو لكوكب الشرق أم كلثوم، وقرر وقتها صرف مبلغ شهري لها، كي تنفق منه على تعليمها، خاصة أن كنت ماتزال تلميذة بالمدارس الإعدادية، وتحتاج لرعاية خاصة للحفاظ على موهبتها المتفتحة على الغناء الطربي الأصيل، حتى لا تنجرف إلى غناء الضجيح الذي يخلو من المعني والقيمة والأصالة التي تربى عليها مبارك وكل أبناء جيله.
على مستوى الدراما شهدت المسلسلات التليفزيونية تفوقا ملحوظا على مستوى النصوص والإخراج والإنتاج والأداء التمثيلي، ويكفي أن نذكر على سبيل المثال وليس الحصر أعمال مثل “دموع في عيون وقحة، رأفت الهجان، الشهد والدموع، هو وهى ، ليالي الحلمية، بوابة الحلواني، عمرو بن العاص، أم كلثوم، أرابيسك، ضمير أبلة حكمت، السيرة الهلالية ، ألف ليلة وليلة، الطارق، إمرأة من زمن الحب، وجه القمر، النوة، نصف ربيع الآخر، قصة الأمس، الرجل الآخر، هارون الرشيد، عمر بن عبد العزيز، لن أعيش في جلباب أبى، عائلة الحاج متولي، الوسية، من ما يحبش فاطمة، المصراوية، هوانم جاردن سيتي، زيزينيا، الضوء الشارد، الرحايا، ناهيك عن “فوازير نيلي وسمير غانم وشهريان ويحيى الفخراني وصابرين ، وهالة فؤاد” وغيرهم من أعمال أعمال مبهرة للفنانين الكبار “محمد صبحي، نور الشريف، يحيى الفخراني.
وتلك الأعمال الخالدة في وجدان الجمهور المصري والعربي التي ذكرت بعضا منها، كتبها كبار الكتاب مثل: “أسامة أنور عكاشة، يسري الجندي، محفوظ عبد الرحمن، محمد جلال عبد القوي، محمد صفاء عامر، كرم النجار، مجدي صابر”، هذا بجانب ظهور جيل الشباب على رأسهم المبدع الحقيقي عبد الرحيم كمال، كما شهدت هذه الفترات نضج عدد كبير من المخرجين المتميزين مثل “نور الدمرداش، محمد فاضل، أحمد طنطاوي، أحمد توفيق، إسماعيل عبد الحافظ، إنعام محمد على، وظهور جيل جديد من المخرجين مثل “مجدي أبو عميرة ، أحمد صقر ، رباب حسين، وغيرهم.
ولابد لي أن أشيد بجرأة مبارك المشهودة في مجال السينما، حيث أتاح الفرصة كاملة لعرض أفلام روائية طويلة وتليفزيونية عن حرب أكتوبر، فضلا عن أفلام لزعماء سبقوه في حكم مصر، ولم يجد أن نوع من الخجل أوالحقد أو الكراهية من عرض مسيرتهم الوطنية في حب مصر والحفاظ على ترابها المقدس، مثل “ناصر 56، وأيام السادات”، ويلاحظ أن موضوعات الأفلام في عهده شهدت ما يسمى بالجرأة الاجتماعية في التناول للقضايا السياسية الحساسة، ونقدها للواقع بتفاصيله الموجعة، ومع ذلك لم يتم منع فيلم واحد طوال 30 سنة من حكمه، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر “البرئ، الهجامة، الحب فوق هضبة الهرم، الحرافيش، الجوع ، قلب الليل، أحلام هند وكامليا، المطارد، شهد الملكة، أريد حل، زوجى رجدل مهم، الإرهاب والكباب، الخادمة، الكيف، العار، أرض الخوف، سواق الأتوبيس، ليلة ساخنة”، بالإضافة إلى سلسلة أفلام الثنائي المتمرد “وحيد حامد – عادل إمام” في التصدي للمشكلات المعاصرة، والتي كانت تمثل نوعا من التعبير عن الوجع المصري.
في المسرح سمح “مبارك” بعرض مسرحيات ذات بعد سياسي وديني وتاريخي، مثل “دماء على ستار الكعبة، إنقلاب، الخديو، لن تسقط القدس، أولاد الغضب والحب، الملك هو الملك، الست هدي، ماما أمريكا، وجهة نظر، أهلا يا بكوات، الهمجي، عفريت لكل مواطن، بالعربي الفصيح لـ “لينين الرملي”، وأقيم في عهده مهرجان المسرح التجريبي، رغم هجوم كثير من النقاد وكبار مخرجي المسرح بحجة أولوية أن تصرف هذه النقود على المسارح بدلا من استضافة فرق أجنبية لاتنتمي إلى قيمنا وتقالدينا المسرحية، وأيضا والمهرجان القومي للمسرح، فضلا عن أن “مهرجان القاهرة السينمائي” أصبح ذي صبعة دولية، وإذا كان “عبد الناصر” قد أسس في عهده فرق دار الأوبرا مثل أوركسترا القاهرة السيمفونى، وفرقة الموسيقى العربية، والسيرك القومي ومسرح العرائس، وأكاديمية الفنون عام 1969، فإن مبارك قد أقام صرحا عريقا يحتضن كل هؤلاء وسيكتب باسمه في سجل التاريخ إسمه “دار الأوبرا المصرية”.
وبعد كل مامضى من ذكر علامات مهة في تاريخ السينما والمسرح والتليفزيون يصبح من الظلم الفادح القول بأن مبارك لم يكن يحب الفنون، بل على العكس شهد عهده تطورا ملحوظا فيها؟.. ومن هنا أرى أن الرجل – رحمه الله – ظلم حيا وميتا للأسف، و أندهش كثيرا عندما ينكر فضله أكثر الذين استفادو من مناخ الحرية الذي أتاحه لهم ولغيرهم، ومن ثم فقد استحق منا قول شهادة حق لرعايته واهتمامه بالفنون التي نرى أثرها مازال موجودا الآن في إنتاج تطور كثيرا، بحيث أصبح يواكب عصر التكنولوجيا وينافس الدول من حولنا، وبفضل جهود الرئيس السيسي ودعمه واهتمامه ورعايته للفن المصري الذي يبنى على القيم الأصيلة، حتما سيعبر نحو آفاق أكثر رحابة في عالم اليوم التي يموج بالتحولات الكبرى.