* لو كتب لي النجاح في تجسيد الشخصية فهذا بمثابة تكريم لكابوتشي ويحقق حلم زملاء لي مثل “رشدي أباظة وفاروق الفيشاوي”
* بحثت كثيرا في تفاصيل حياة المطران، عندما كان طفلا في حلب، وبعد وصوله لبنان، وذهابه لـ “المدرسة الباسيلية الحلبية الكهنوتية”
* شاهدت بتركيز شديد طريقة أدائه ولغة الجسد عنده حتى يتسني لى عمل قاسم مشترك بينك وبين تلك الشخصة الثرية
* لفت انتباهي هذا تمازج الديني بالوطني بداخل شخصيته، وهذا يمثل بالنسبة لي قدرا كبيرا من الأهمية في تناول الدور
* التصوير تم في العاصمة السورية دمشق، وتحديدا في ريف دمشق في ظل الأماكن التي يوجد بها أديرة وكنائس قديمة وحديثة
حوار أجراه : أحمد السماحي
مسيرته الفنية التي تتمتع بقدر من التنوع والتألق على مستوى الأداء التمثيلي تجبرك على التأمل طويلا لقدرة هذا الممثل الفائقة على توصيف الحدث الدرامي عبر لغته الخاصة التي تنعكس بواقعية على ملامحه الحادة، ونبرة صوته القادم من قرار عميق، وحركات جسد نهم لالتهام أدق التفاصيل في فن التجسيد، سواء في ارتفاع وتيرة انفعالاته إثر مواقف بسيطة أو معقدة، واستخدام أدواته وتوظيفها بلغة تعبر جيدا عن امتلاك مفاتيح الشخصية القادرة على التحكم بالحدث والتفاعل معه، وهو في هذا يعتمد نقش ذاته فى لغته؛ ونقش لغته فى ذاته، ويبدو كل ذلك مقرونا بالأداء التحولى الذى يقوم الممثل من خلاله بالتقافز من أسلوب إلى أسلوب آخر، ومن دور إلى دور آخر.
إنه “رشيد عساف” الذي يمثل علامة بارزة في الدراما السورية على اختلاف ألوانها فتارة تجده فارسا مغوارا في مسلسل ينتمى إلى الفانتازيا التاريخية مثل “الفوارس والبواسل والكواسر”، ومرة تجده ملتصقا بجدران الحارة الشامية كما فى “طوق البنات” وغيرها، ومصادفة ودون ترتيب أو قصد ربما، تجده يجنح نحو الكوميديا الملونة بطعم الأزمة السورية تماما كما حدث في “أزمة عائلية” الذي قدم فيه أداء لافتا للانتباه.
وفوق هذا وذاك هو واحد من أهم الممثلين على الساحة الفنية السورية والعربية، ما جعل له مكانة كبيرة عند جمهوره فى السينما والمسرح والتليفزيون، جراء براعته غير المعهودة في “قمر بنى هاشم – راس غليص – أبناء الرشيد – صراع الأشاوس – آخر الفرسان – البحث عن صلاح الدين – حارة الملح – العبابيد – عودة الزئبق – وادى الجرف – التحقيق – رجال العز – الحسن والحسين – زمن البرغوت – طوق البنات – عطر الشام ” وكلها أعمال تضعه فى مصاف النجوم الكبار.
حول تجربة يخوضها باداء تمثيلي لشخصية المطران “كابوتشي” صاحب البصمات المهمة في النضال العربي من خلال مسلسل وفيلم مرة واحدة وبالتزامن معا كان لنا معه هذا الحوار ..
كيف كان استعدادك المسبق للدور الذي حلم به كثير من النجوم وعلى رأسهم الراحل الكبير رشدي أباظة؟
بداية أحب أن أقول لك أن هذه الشخصية التي كتبها ببراعة المؤلف الكبير “حسن م يوسف” صاحب التجربة العريضة في الدراما السورية، وقد عرضت على في أثناء تصوير مسلسل “الباشا” في شهر إبريل من العام الماضي 2019، واعتذرت وقتها لأني كنت مشغول جدا بهذا المسلسل الطويل، ولكن عرضته على جهة الإنتاج في أثناء سفري للخارج واعتذرت مرة أخرى، لكن كان هنالك إصرار من جانب صناع العمل بضرورة تقديم شيئ مهم عن حياة المطران “كابوتشي”، وصادف ذلك أنه مس وترا في نفسي، خاصة أني مؤمن بهذه الشخصية، وعلى هذا الأساس وافقت ونزلت على سوريا، وبدأت بالبحث عن كل ما يتعلق بحياته، عندما كان طفلا في حلب، وسفره بعذ ذلك إلى لبنان، وتحديدا على “المدرسة الباسيلية الحلبية الكهنوتية”، وكيف بدأ بدراسة علم الكهنوت وكان عمره آنذاك 12 سنة، ليتم رسمه “رسم خوري” – طريقة الرسم تسمى هكذا – ثم ذهب إلى القدس، وعاد بعد ذلك ليتم ترسيمه كمطران، وأصبح مطران القدس.
وبالمناسبة كان اسمه القديم”هيلريون” قبل أن يتم رسمه ويتخذ صفة كنسية إذ كان ولابد أن يتخذ اسم قديس مسيحي مدفون في غزة، أما اسمه الحقيقي وهو طفل فكان يدعى “جورج”، وأخوه الأكبر منه اسمه “أنطوان”، وأخوه الأصغر اسمه رزق، وأبوهم اسمه “بشيركابوتشي”، وينحدر من أصول عائلة حلبية، و”كابوتشي” كلمة سيرانية معناها “الحارس”، وتشاء الأقدار أن يكون حارسا للقدس فيما بعد لتصبح القدس جزءا من اسمه “كابوتشي”.
وبالطبع في هذه المرحلة من التجهيز للشخصية شاهدت معظم الفيديوهات المصورة عنه، وكلها تم تصويرها بعد فترة خروجه من السجن، وشاهدت أيضا فيديوهاته في إيطاليا عندما كان يقوم بعمل طقوس دينية في بعض الكنائس، وكذلك الحال أيضا مع فيديوهات له بأمريكا اللاتينية، لأنه كان ممنوعا عليه أن يذهب إلى الدول العربية بعد خروجه من السجن بعد حكم عليه بالسجن 12 سنة، وتم حبسة تحديدا في الفترة من عام 1974، وخرج عام 1978، وأطنه قد كشف سر منعه من دخول الدول العربية بعد ذلك تفصيليا، فقد كان يشعر بذلك دون تفسير.
المهم أنه ذهب إلى روما ومنها أرسله البابا إلى أمريكا اللاتينية على أساس أن يقوم بمهمة لمدة ثلاثة أشهر، لكنه لم يعد خاصة في ظل موت البابا وارتباك الأجواء التي حدثت آنذاك، فلم يعد يعرف مصيره، فقرر الاتصل بسوريا، على سبيل المجازفة وتحدث عن ظروفه وملابسات وضعه المتأزم في أمريكا اللاتينية، فدعوه للعودة إلى دمشق، بعد أن مر على إيطاليا، وبعدها اننتخبوه عضوا بالمجلس الوطني الفلسطيني.
هذه التفاصيل وغيرها قرأتها بدقة، كما شاهدت بتركيز شديد طريقة أدائه ولغة الجسد عنده، فضلا عن دراسة عميقة لمراحل حياته، وطبعا شخصية مركبة ومتعددة الوجوه كهذه يصعب تقليده حرفيا، لكن يمكنك عمل قاسم مشترك بينك وبينها، لأنها شخصية لها حضور آسر، فإما أن تقترب نحوها أو هى تقترب نحوك، وهذا يلزمك الوقوف في منتصف الطريق، وعلى هذا النحو تناولت شخصية المطران “كابوتشي”، وكما قلت في البداية أنني مؤمن جدا بها، وعندما تعرف أن هناك فنانين كبار مثل الراحلان “رشدي أباظة، وفاروق الفيشاوي” كان لديهم رغبة قوية في تجسيد هذه الشخصية العظيمة، هذا أمر يؤكد لك أن هذا الرجل ترك وراءه تراثا إنسانيا راسخا فى أعماق هؤلاء عل جناح حضور وطني من نوع فريد، وشاءت الظروف أن ألعب هذا الدور المهم، وهو ما يعني أنه إضافة كبيرة جدا جدا لي، وإذا استطعت ونجحت في أن أجسد الشخصية على نحو جيد، فهذا يعتبر تكريم لهذا البطل من ناحية، ومن ناحية أخرى هو تحقيق لحلم زملائي الذين حلموا بتجسيد هذه الشخصية العظيمة.
ما الذي لفت انتباهك في شخصية المطران “كابوتشي” بعد اقترابك من عالمه الخاص؟
الذي لفت انتباهي بالضروة هو تمازج الديني بالوطني بداخل شخصيته، وهذا يمثل بالنسبة لي قدرا كبيرا من الأهمية في تناول الشخصية، ولقد توقفت طويلا أمام قوله: أن “الدين يأمرنا بالمحبة والسلام”، وعلى صعيد الواقع راقبت كيف كان يقوم بأعمال نضالية أمام المحتل الإسرائيلي، ولقد أدركت عن قرب كيف كان يبدو ذلك التمازج واضحا جدا في شخصيته هذا البطل الأسطوري، خاصة أنه تمثل حالة السيد المسيح “عليه السلام” عندما خرج إلى خارج الهيكل وطرد التجار، قائلا لهم : “اخرجو من بيت الله”، بعد أن ضربهم بالسوط في نفس الوقت، لذا ليس ضروريا “من ضربك على خدك الأيمن أن تحول له الآخر”، لأنه سيأتي وقت ستكون مضطرا إلى أن تكيل بنفس بالكيل الذي يكيل به غيرك، والمطران كابوتشي بافعاله تلك يمثل حالة وطنية ودينية غاية في الأهمية، تماما كما أدركتها من صفخات حياته المكتظة بالمواقف الوطنية.
كيف كان تعاونك مع المخرج الكبير “باسل الخطيب” في هذا العمل؟
بالتأكيد كان هنالك تعاون جيد جدا وعلى درجة كبيرة من الأهمية بيني وبين المخرج الكبير “باسل الخطيب”، فهو كما نعرف مخرج متميز وموهوب وله أعماله المشهورة والمشهودة التي تتحدث عنه، خاصة تلك الأعمال ذات الطابع الوطني، حيث قدم في هذا الجانب أعمالا مهمة للغاية في مجال القضية الفلسطينية، فضلا عن أعمال أخرى متنوعة، وربما ما شجعني أكثر هو نجاح آخر أعماله فيلم”طريق دمشق حلب”، بطولة الفنان الكبير “دريد لحام”، لأجل كل ذلك أستطيع أن أقول براحة تامة أن التعاون بيينا والحمد لله جيد جدا، بل وأثمر عن كشف جوانب كثيرة في شخصية المطران “كابوتشي كأيقونة وطنية ودينية من طراز رفيع المستوى والقيمة الإنسانية.
ما هو الاختلاف بين الفيلم والمسلسل من وجهة نظرك ، وهل يمكن أن نقول : الفيلم يعتبر تلخيص لحلقات المسلسل؟.
هنالك اختلافات جوهرية بين العملين على مستوى الصناعة والتكنيك، لكن أستطيع القوا بأنه يكمن الخلاف الأساسي بين الفيلم والمسلسل في نظرة الناس إلى العمل فعندما يعرف الناس أن هناك مسلسل نقوم بعمله، وفجأة أصبح لدينا فيلم أيضا في نفس الاتجاه وفي ذات الموضوع، على الفور يقولون بأنه تم اختزال حلقات المسلسل في صورة فيلم، لكن أستطيع أن أقول لك أن المميز في هذا الموضوع أنه يتم تصوير المسلسل، وفي نفس الوقت هناك لقطات خاصة وسط هذا الأجواء يتم تصويرها للفيلم بنفس التوقيت، حتى لا يدعي أحد أنها حالة تليفزيونية مخلوطة بالسينما، أو هناك تشابه بينهما، فالحالة السينمائية موجودة بمعزل تام عن الحالة التليفزيونية، بحيث يمكن أن نقول أن الشرط السينمائي موجود تماما كما هو الشرط التليفزيوني موجود، ولو أننا بهذه الدقة الموجودة في ظل التكنولوجيا التليفزيونية اقتربنا كثيرا من تكنيك السينما، ولهذ لا أتصور أن هناك ثمة تشابه بين الحالتين.
أين كانت أماكن التصوير التي تناسب ظروف هذا العمل التاريخي والوطني والإنساني؟
تم التصوير في العاصمة السورية دمشق، وتحديدا في ريف دمشق في ظل الأماكن التي يوجد بها أديرة وكنائس قديمة وكنائس حديثة أيضا، و”البطريركيات” الأساسية الموجودة في دمشق، وأيضا أماكن أخرى توجد بها أديرة، وأيضا اتجهنا بكاميرات التصوير إلى مدن “حلب، اللازقية، بنياس، طرطوس، دير عطية، ويبرود”، هذا وستجد أن 70% من الجغرافيا السورية موجودة في هذا العمل ، حيث الأماكن التي تناسب أجواء هذا العمل، حتى يتسني لنا أن نحصل على المصداقية التي تتفق مع شخصية المطران “كابوتشي” الذي قضى جزأ كبيرا من حياته في سورية وفي القدس التي تقترب كنائسها وأديرتها من نفس الأجواء السورية.
هل وجدت أية صعوبات واجهتك في تجسيد الشخصية؟
الحقيقة لم أجد صعوبة يمكن أن تواجهني في هذا العمل بالمعني الحرفي، فالحمد لله أنني تارك ذقني سلفا، وهذا ساعدني كثيرا جدا على تجسيد الشخصية على نحو جديد ومتقن في كافة مراحل حياتها، سواء كان في مرحلة الشباب، لأني دوري بالأساس يبدأ من بداية تنصيب “كابوتشي” بشخصية المطران في عام 1967، وقبل ذلك بعدة سنوات هناك ممثل آخر يقوم بتجسيد الشخصية في سنواتها الأولى شخص آخر، وهو ممثل خريج معهد الفنون المسرحية وموهوب جدا اسمه “إيهاب شعبان”، وأيضا في مرحلة الطفولة قام بلعبها طفل موهوب، وهذان اشتغلا على مراحل معينة قبل ظهوري.
وأحب أشير في هذا الصدد إلى أنه ليس لدينا تسلسل منطقي للحدث بقدر ما نبدأ بـ “كابوتشي” في أواخر عمره، ونذهب ونعود لآخر عمره في شكل تمرحل معين، لذا لن يشعر المشاهدة أن هناك تسلسل منطقي من الطفولة إلى الشباب ثم الكهولة، فالعمل يبدو في نهايته عبارة عن كتلة واحدة تلخص حياة هذا المطران الذي لعب دورا مهما في الدفاع عن القضايا الفلسطينية وتحديه للاحتلال الذي استباح المقدسات في غيبة من الوعى العربي.