كتب: أحمد السماحي
غيب الموت صباح أمس السبت الشاعر الأمير السعودي (بدر بن عبد المحسن) عن عمر يناهز 75 عاما، إثر وعكة صحية مر بها في الآونة الأخيرة.
وكان يتلقى العلاج في أحد المستشفيات بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث وافته المنية، وسيصلى عليه اليوم الأحد، بعد صلاة العصر في جامع الإمام (تركي بن عبدالله) في مدينة الرياض.
وبمجرد إعلان خبر الوفاة نعاه الديوان الملكي، وعدد كبير من الفنانين والشعراء في الوطن العربي منهم (الأمير عبد الرحمن بن مساعد، أنغام، لطيفة، هاني شاكر، أحلام، نوال حسين الجسمي..
وعبادي الجوهر، راشد الماجد، وليد توفيق، راغب علامه، علي عبدالستار، صابر الرباعي، عبدالله رشاد، فايز السعيد، فؤاد عبدالواحد) وغيرهم.
وخصصت إذاعة (صوت الخليج) في قطر برنامجين بمناسبة رحيل الأمير الشاعر (بدر بن عبد المحسن) الذي زار الاذاعة وسجّل حديثا مطولا عام 2011، الأول: برنامج (طربيات) أُذيع صباح اليوم الأحد، والثاني: برنامجا مسائيا حول مسيرة الراحل رحمه الله.
وتداول الجمهور عبر مواقع التواصل الإجتماعي آخر تغريدات الشاعر (بدر بن عبد المحسن) الراحل عبر منصة (إكس)، التي كتب فيها: (الناس ما همَّها ظروفك.. كود الذي يحزن لغمّك، وإن شلت حملك على كتوفك.. بتموت ما أحد ترى يمّك).
نصوص برائحة القهوة العربية
يعد الأمير (بدر بن عبد المحسن) فارس الأغنية الخليجية، والعمود الفقري لها، فقد استطاع أن يكلل بكلماته الصادقة والمبدعة حناجر معظم المطربيين في منطقة الخليج والعالم العربي.
وذلك لما في كلماته من صور بلاغية، وبانوراما نابضة بالشفافية والصدق، فالنص الشعري لديه تتكامل فيه فسيفساء المصداقية والإبداع، فهو يكتب مفرداته بشفافية مفرطة.
وفي شعره تترآى صور الصحراء والبيئة الخليجية، وتفوح من نصوصه رائحة القهوة العربية، وعبق البحر، والهروب إلى الطفولة والأحلام، وبوح العصافير، وطاقات الليل العامرة بالسهر، وآهات المحبين.
فضلا عن كتابات (بدر بن عبد المحسن) الرائعة عن الوطن فقد أطلق خيول كلماته في فضاء الأرض والوطن، وكل هذه المقومات جعلت منه أحد أهم المبدعين من شعراء الأغنية في الوطن العربي.
بدر بن عبدالمحسن والنشأة
ولد (بدر بن عبد المحسن) في حي (الفوطة) في مدينة الرياض عام 1949، وكان والده الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، والذي عرف شاعرا فذا.
وشدا له موسيقار الأجيال (محمد عبدالوهاب) قصيدة (لئن طال عمري) في الستينات والتى يقول مطلعها:
لئن طال عمري في الحياة و حيرتي
وطول اشتياقي وانشغال خواطري
فإن رجائي في لقائك سلوتي
وصلت به ماضي حياتي بحاضري
في هذه البيئة الشعرية عاش الأمير (بدر بن عبد المحسن) حيث التقى بالكثير من المبدعين والشعراء والأدباء والكتاب والفنانيين العرب في صالون والده الثقافي، حيث أفاده حضور مجالس الوالد ونقاشه معه في القضايا الأدبية والثقافية.
ومنذ طفولته كان حريصا على الاستماع لوالده ومن معه من أصدقاء، ورغم أن والدة (بدر بن عبد المحسن) لم تدخل مدارس، لكنها استطاعت أن تعتمد على نفسها وتتعلم.
وعشقت قراءة قصص وروايات كبار الأدباء المصريين مثل (إحسان عبدالقدوس، ونجيب محفوظ، ويوسف السباعي) وغيرهم، فضلا عن دواوين الشاعرة نازك الملائكة.
بدر بن عبد المحسن والقاهرة
في سن الطفولة جاء (بدر بن عبد المحسن) إلى القاهرة ودرس في مدارسها، ويشير في أحد أحاديثه إلى أن مدرسة إنجليزية في مصر كانت أول من اكتشفت موهبته الشعرية، حيث طلبت منه كتابة موضوع عن (رحلة كولومبس إلى العالم الجديد).
فكتب الموضوع عن طريق الحوار (ديالوج)، وعندها توقعت المدرسة له أن يصبح كاتبا له شأن كبير.
وسافر من مصر إلى جدة لاستكمال دراسته الثانوية في مدارسها، وبعدها سافر إلى أمريكا للالتحاق بالكلية العسكرية وأمضى بها سنوات الدراسة، ثم ذهب إلى لندن وعاش فيها 3 سنوات التحق خلالها بكلية الفنون الجميلة، ودرس اللغة الإنجليزية.
السياب والبياتي وعبدالصبور
في فترة الصبا والمراهقة، كان يميل (بدر بن عبد المحسن) كثيرا إلى قراءة الشعر القديم، وخاصة الشعر الحماسي والمعلقات مثل معلقة (عمرو بن كلثوم) التى حفظ كثير من أبياتها، كما أحب أشعار الشاعر نزار قباني.
وبعد أن بدأ يكتب الشعر كان الشاعر العراقي (بدر شاكر السياب) هو الشخصية التى لفتت انتباهه بقوة، وكذلك (عبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصبور).
نجاة وموال الشوق
بدأت المسيرة الشعرية للأمير (بدر بن عبد المحسن) مبكرا، حيث كانت البداية وهو في سن الـ 22 ربيعا، حيث كتب عام 1971 لقيثارة الحب نجاة، أغنية باللهجة المصرية بعنوان (موال الشوق والليل).
تتميز الأغنية بمشاعر الشجن في وصفها لبعد الحبيب، وصعوبة المنال، وكانت ذات لحن عذب جميل وضعه مهندس الألحان الملحن الكبير (محمد الموجي)، ويقول مطلع الأغنية:
موال الشوق والليل، ياليل
موال وطريقي طويل، ياليل
للي غايب وساب لي طيفه في عيني دايب
واللي ناسي، واللي فات بعده حبايب
أبعت موال لعيونه الحلوة
وأبعت مرسال واكتب له سلامي في غنوة
موال للشوق والليل
موال وطريقي طويل ياليل
محمد عبده.. مركب الهند والرسايل
بعد رائعة (موال الشوق والليل) بدأت أشعار (بدر بن عبد المحسن) تعرف طريقها إلى أصوات وحناجر المطربيين، فغنى له فنان العرب (محمد عبده) أكثر من 60 أغنية وقصيدة.
ومن هذه الأغنيات (سهرانة والدنيا نعسانة، أول القصة) من ألحان سامي إحسان، ومن ألحان محمد شفيق غنى (أنا حبيبي، خواف، رجل ودولة، سيرة بطل) ، ومن ألحان الدكتور عبدالرب إدريس (إلى من يهمها أمري، الفجر البعيد).
كما لحن (محمد عبده) لنفسه من أشعار بدر بن عبد المحسن (في أمان الله – التى اشتهرت باسم الرسايل، مركب الهند، ردي سلامي للهوى، حسايف، الله أحد، حبيبي ياللي كاويني، خطأ، يا سيدي، يا هلا، سيوف العز..
وفوق هام السحب، صوتك يناديني، عطني في هواك الصبر، عيون الليل، عيونك لا توريها لغيري، كلما أقفيت، عشاق النصيحة، فارس التوحيد، لا تجرحيني، مجنونها، ما قلتله..
وهل التوحيد، وين أحب الليلة، وقفة حق)، وغيرها الكثير من الأغنيات التى رددها الشارع العربي.
طلال مداح.. ضايع في المحبة
يعتبر المطرب والملحن الراحل (طلال مداح) أكثر المطربيين غناءا للشاعر (بدربن عبد المحسن)، حيث غنى له ما يقرب من 80 أغنية منهم 30 أغنية من ألحان (سراج عمر).
ومن هذه الأغنيات: (غربة وليل، عز الكلام، عندك أمل، روحي هوى السوده، العشق، والله يعلم، نام الطريق، هدى خطانا يا هوى، هلي الجدايل، لك الله يالعاشق المحروم، ليلكم شمس، لا تعتب، ما أطول يا ليل..
لا تنسانا يا أغلى الناس، مرتني الدنيا، يا هلا هذا قمرنا، يا ويلاه يا ليالي، العطر، ويا كريم، وعدتيني وتركتيني، شعاع، أنا بودي، الموعد الثاني، الإختيار، أربع ليال، مري علي قبل الرحيل).
كما لحن محمد شفيق له أغنيات (المحبة والسلام، فاتر اللحظ، عشب الفخر، أحبابك سروا)، ولحن محمد الموجي (ضايع في المحبة)، وعبادي الجوهر (طويلة يا دروب العاشقين).
ولحن (طلال مداح) لنفسه من كلمات (بدر بن عبد المحسن): (لا تشد القيد، يا طفلة تحت المطر، قصيت ضفايرها، قلت للمطر، ليلة تمرين، الا يا خل ساعدني، الله على قلب قاسي، ماني بنام، ما نسيتيني..
ونجمة ونهر، بعد روحي، زمان الصمت، سافري، سوالف ليل، سيدي قم، صعب السؤال، ذكرتك يوم، عطني المحبة، عيني يا ولهانة، عز الوطن).
وكان الأمير (بدر بن عبد المحسن) ينسب شهرته في بداياته إلى الراحل (طلال مداح)، فهو – في نظره – كان وراء معرفة اسمه في الأوساط الفنية، حين كان لا يزال في بداية الطريق.