
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
يوما بعد الآخر يزداد الهزل الذي يكسو المشهد الإعلامي المصري الذي تحول تدريجيا من أداة أو ذراع للنظام كما كان الرئيس يتمنى في لقاء قديم له، يفترض به أن يلقى الضوء على إنجازاته ويساعده في ضبط الفساد والفاسدين، إلى عبء توجب على النظام تحمل اخفاقاته في ظل مشهد (إعلام المصطبة).
ليست فقط المهنية وفشله الذريع في أداء مهمته، ولكن أيضا خسائره المالية التي تتضاعف بمرور الوقت، وتحتاج إلى مقال منفصل للحديث عنها تفصيليا.
مبدئيا فإن أهم مبادئ العمل الإعلامي التي أثق أن معظم من يعملون به في مصر لا يعرفونها وربما لم يسمعوا عنها من الأصل، هى ما يعرف بنظرية المسؤولية الاجتماعية، التي تقول: إن فلسفة أي عمل إعلامي ناجح تنطلق من كونه خدمة عامة قبل أن يكون منتجا تجاريا أو أداة نفوذ.
الإعلام المؤثر يسعى الى تفسير الواقع لا مجرد نقله، ويمنح الجمهور القدرة على الفهم واتخاذ الموقف المناسب منه، من خلال التركيز على ثلاث ركائز أساسية هى السعي لتقديم المعلومات الموثقة والمتوازنة، بعيدا عن التحريض أو التضليل، أو أسلوب (إعلام المصطبة)، ومراعاة أثر المحتوى على المجتمع، وأخيرا التحرر قدر الإمكان من الضغوط السياسية والاقتصادية والايديولوجية.
الآن يمكنك أن تنظر حولك على كل الوسائل الإعلامية المصرية أو التي تعمل في مصر باستثمارات غير مصرية، لتقييم أي منها يلتزم بالركائز الثلاثة السابق؟!
الحقيقة المرة ان الاعلام المصري تحول إلى (إعلام المصطبة) لا تحكمه أي قواعد أو آداب مهنية، فالمطبوع يسير نحو هاوية النسيان، إن لم يكن قد بلغها بالفعل، وصار من يعملون به مدركين لهذه الحقيقة ولا يفعلون شيئا لمقاومتها عملا بمبدأ (وقوع البلاء ولا انتظاره).

البحث عن الإثارة والتفاهة
أما الإلكتروني فقد صار عبدا بالمعنى الحرفي لثقافة الترند وخوارزميات مواقع التواصل، يبحث عن الإثارة والتفاهة التي تجذب المزيد من المتابعين، وتترجم إلى إعلانات وعوائد مربحة بالعملات الصعبة، وابتعد تماما عن أدبيات الإعلام الحقيقي التي (لا تفتح بيوت) كما يؤمن أصحاب المواقع.
أتذكر أن صديقا هاتفني يطلب مساعدتي في التخطيط لإنشاء موقع ذي توجه عربي، يجلب له إعلانات وعقود رعاية خليجية، مثلما حدث مع فلان وفلان (وعدد أسماء صحفيين معروفين في الوسط الإعلامي يتلقوا تمويلات خليجية منتظمة لإصدار مواقع صحفية ومراكز دراسات أغلبها لا يتجاوز تأثيره حدود الشقة التي يشغلها).
أما الإعلام المرئي فيتحكم في المحتوى الذي يقدم فيه جاذبية المذيع التسويقية، التي تدر العوائد الإعلانية على القناة، أو علاقاته (بالناس المهمين) الذين يفتحون أمامه الإشارات مهما بلغت درجة احمرارها، ويأمرون له بالعقود السنوية المغرية.
ولهذا لم يعد أي مذيع من الأسماء المعروفة يجد نفسه مضطرا لإرهاق نفسه بالبحث عن الحقائق أو ارهاق فريق الإعداد الذي يقوده في الغالب أحد أصدقاء المذيع نفسه بتحري الدقة من خلال التواصل مع المصادر الموثوقة، أو مناقشة القضايا الجادة.

نيل حصة من (كعكة الترند)
وبدلا من ذلك أصبح الأغلبية في مختلف البرامج سواء سياسية أو رياضية أو حتى في المنوعات، يكتفي بمقدمة طويلة يلقى فيها (عظاته) على الشعب باعتباره رسول العناية الالهية لهم كما كان يقول الراحل يوسف بك وهبي.
وبعد ذلك يتابع البرنامج أي حالات تافهة من تلك التي تحظى بالشعبية على مواقع التواصل لينفخ في نارها محاولا نيل حصته من (كعكة الترند) من جهة، والابتعاد عن الموضوعات الجادة التي لا يؤمن عقباها من جهة أخرى، وإذا حاول أي برنامج الاقتراب منها فيكون بالإشادة والتهليل واستضافة الوزير المختص لكي يعطي المشاهدين دروسا حول عبقريته التي لا يرونها.
خلال الأسبوع الماضي تابعت موقفين كاشفين لما وصل إليه حال (إعلام المصطبة)، الأول هو (لقاء الاشقاء)، حين استضاف (عمرو أديب) شقيقه (عماد) على الشاشة بدلا من المقهى، ليقدم نصائح للرئيس ومعاونيه حول كيفية إدارة أزمات مصر السياسية والاقتصادية، دون احترام أن الضيف فشل في إدارة صحيفة ومجلة وموقع إلكتروني، لدرجة عدم دفع مستحقات عشرات العاملين.
الموقف الثاني رياضي حيث أقدم برنامج على نفس القناة شبه المصرية، على استضافة الكابتن أسامة نبيه الذي فشل بدوره مع منتخب الشباب، ليقدم (نظرياته) التدريبية لمدرب المنتخب المصري الذي يشارك في كأس الامم الافريقية بالمغرب.
وفي الحالتين تجاهل القائمون على البرنامجين حقيقة بسيطة توصل إليها المصريون قبل قرون وعبروا عنها في المثل البليغ الذي يقول (كان الفاشل نفع نفسه)، ويمنعني الأدب من استخدام الوصف الشعبي للفاشل!