رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: (المسرح) الجديد يتشكل

عصام السيد يكتب: (المسرح) الجديد يتشكل
الريحاني وجورج أبيض.. أبرز المؤسسين

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

في اعتقادى ان (المسرح) المصرى يمر حاليا بمنعطف جديد يختلف عن كل ما سبق، فعندما بدأ النشاط المسرحى في مصر، كان قوامه الفرق الخاصة غير الحكومية، سواء كانت اجنبية أو شامية أو مصرية فيما بعد، ولم يظهر للحكومة نشاط في الفن الا مؤخرا عام 1935 عندما أنشأت الحكومة الفرقة القومية للتمثيل.

ولكن ظل إنتاج (المسرح) الحكومى محدودا في حين سيطرت الفرق الخاصة التي ارتبطت بأسماء نجومها، بداية من الشوام المؤسسين الى المصريين الرواد أمثال (سلامة حجازى، وجورج أبيض، ويوسف وهبى، وفاطمة رشدى)، مما يؤكد سطوة النجم على مقدرات الفرقة التي أنشأها بنفسه و لنفسه.

وحتى الفرق التي بدأت بأسماء عامة مثل (فرقة عزيز عيد)، والتي اسماها ( الجوق العربى للتمثيل) لم تصمد طويلا لأنها لم ترتبط بنجم ، و لذا رسخ لدينا ان الفرق الخاصة لابد لها من نجم تعتمد عليه.

وفي نهاية خمسينات القرن الماضى ومع انشاء وزارة الثقافة  بدأت الدولة في التوسع في الإنتاج المسرحى، و طغى الإنتاج المتنامى لمسرح الدولة سواء من خلال وزارة الإعلام (مسارح التليفزيون)، أو وزارة الثقافة (مسرح القطاع العام) على الإنتاج الخاص الذى لم يستطع مجابهة سيل الإنتاج الحكومى، و تكريسه لأفكار جديدة و فن مسرحى اكثر تعبيرا عن المرحلة.

وبداية من الستينات اعتمد النقاد تقسيما لـ (المسرح) المصرى يشطره الى مسرح قطاع عام و مسرح قطاع خاص، وارتبط مفهوم القطاع الخاص بأنه تجارى يسعى إلى الربح دون اعتبار للعامل الفني، ولا يعمل إلا من خلال (نجم)، يخضع لشروطه ومزاجه ويأتمر بأمره، سواء كان صاحب الفرقة وعاملا بها، في حين اتسمت عروض القطاع العام في غالبيتها بالجماعية و عدم الخضوع للشروط التجارية.

وبعد النكسة و بالتحديد عام 1968 تقلص الإنتاج المسرحى الحكومى إلى أقصى حد واختفت – و كادت – الفرق الخاصة، فلا نجد إلا (فرقة تحية كاريوكا وفرقة الريحانى) تقريبا و بدأت (فرقة الفنانين المتحدين) في الظهور وقد استقطبت نجوم فرق التليفزيون المسرحية بعد تصفيتها.

عصام السيد يكتب: (المسرح) الجديد يتشكل

عصام السيد يكتب: (المسرح) الجديد يتشكل
فرق الثقافة الجماهيرية، وفرق (المسرح) الجامعى، وفرق الجمعيات الثقافية

فرق القطاع الخاص المصرية

ولكن بمجرد الانقلاب على أفكار المرحلة الناصرية وظهور سياسة الانفتاح، إلى جانب ظروف أخرى خارجية، استشرت فرق القطاع الخاص المصرية حتى قدمت صيف عام 1975  أكثر من 16 عرض مسرحى، وصارت هناك معادلة معروفة لصناعة عرض قطاع خاص في (المسرح)، وهى (مطرب + كوميديان + راقصة) وتضمن أنك رابح.

استمر هذا التيار لفترة معتمدا على السياحة العربية، ولكن لم يمنع هذا من وجود استثناءات قليلة لفرق مسرحية خاصة حافظت على مستوى فنى جيد، فقدمت أعمالا ضمنت لنفسها مكانا في تاريخ الحركة المسرحية المصرية، و فرقا أخرى تراوحت بين هذا و ذاك.

التغير الثالث جاء بعد حرب الخليج، حيث بدأ القطاع الخاص في الانكماش فقلت أعداد فرق (المسرح)، ولم تستمر سوى الكيانات الكبيرة مثل (فرقة الفنانين المتحدين) مع عدة فرق تظهر و تختفى بشكل موسمى، ولكن في نفس التوقيت كانت حركة مسرح الهواة تتصاعد على عدة جبهات.

فهناك فرق الثقافة الجماهيرية، وفرق (المسرح) الجامعى، وفرق الجمعيات الثقافية، ثم ظهر تيار جديد سمى نفسه بـ (المسرح) الحر أو المستقل استطاع أن يجد له مكانا سواء بالدعم الحكومى أو بدعم المراكز الثقافية التي كانت تتطلب شروطا و مواصفات خاصة للاعمال التي تمولها.

ثم جاءت ثورة يناير ليكتشف الشباب الذى صنعها أنه لا مسرح القطاع العام (برغم نجاحه في التسعينات وبداية القرن الجديد) ولا مسرح القطاع الخاص بتوجهاته التجارية يعبران عنه! و حتى دعم المراكز الثقافية تقلص و اتجه الى مناحى أخرى.. فكيف عبر هذا الجيل الجديد عن نفسه؟

هنا بدأ تيار مسرحى ثالث في الظهور، لا ينتمى للقطاع العام، ولا يتبنى معادلات القطاع الخاص، ولا هو ينتظر دعما من احد كالمراكز الثقافية او الجمعيات، فبدأ الشباب في تقديم عروض قليلة التكلفة بحيث يتحملها أفراد الفريق (غالبا ما تبدأ كعرض جامعى داخل مسابقة).

وهى أعمال جماعية ليس بها بطولة مطلقة ولا تعتمد على النجوم، و يتشارك الجميع في تسويقها في مجتمعهم الصغير، وإذا بأحد تلك التجارب تكسر كل القواعد وتحقق نجاحا خياليا يستمر لسنوات على مسارح خارج الجامعة حتى صارت مثلا يحاول كثيرون تقليده.

عصام السيد يكتب: (المسرح) الجديد يتشكل
يصبح صناع العرض الجامعى (1980 وانت طالع) نجوما
عصام السيد يكتب: (المسرح) الجديد يتشكل
الفنان الرائع (أشرف عبد الباقى) لاحظ هذا الزخم فأنشأ مشروعه (سوكسيه)

1980 وانت طالع

ويصبح صناع العرض الجامعى (1980 وانت طالع) نجوما سواء مؤلفه (محمد جمال حديني) أو مخرجه (محمد جبر)، حتى أنهما كررا التجربة مرة أخرى سويا في عروض أخرى، أو كررها كل منهما منفردا.

نمت نلك الظاهرة، واليوم تنتشر فرق كثيرة – ربما فاقت العشرات – من نفس النوعية تقدم تجاربها على مسارح كثيرة في وسط البلد وفي التجمع وفي أكتوبر وفي بعض الكنائس، يعرفها جمهور خاص بها ، يتحمس لها ، و يسعى وراء عروضها، ويملأ مقاعدها، حتى أن الفنان الرائع (أشرف عبد الباقى) لاحظ هذا الزخم فأنشأ مشروعه (سوكسيه) لتقديم الأعمال المتميزة منها على مسرحه.

من ضمن هذه العروض شاهدت مؤخرا عرضين رائعين يقدمهما شباب ممتلئ بالموهبة، أغلبهم هواة ولكن تم تدريبهم بشكل جيد، الأول هو (أوليفر) عن الرواية الشهيرة (أوليفر تويست) لتشارلز ديكنز وموسيقى ليونيل بارت، و قدمتها فرقة فابريكا وهى فرقة تخصصت في الاعمال الغنائية تقودها الأستاذة الدكتورة نيفين علوبة، وقد ترجم النص للعامية المصرية بسنت أيمن و سراج محمود و أخرجت العرض سمر جلال.

والعرض الثانى هو (القضية اللى هىّ) عن التمثيلية الاذاعية (قضية ظل الحمار) لدورينمات، إخراج وليد طلعت الذى قدم عدة تجارب من نفس النوعية على مسارح متعددة لعل اشهرها عرضه الجامعى عريس البحر الذى انتقل الى صيغة أخرى من خلال مشروع سوكسيه.

إنهما مجرد مثالين لتيار كبير قادم وبقوة ليصنع مسرحا مختلفا، (المسرح) الذي يبتعد عن الإنتاج الحكومى بتعقيداته البيروقراطية، وأيضا عن شروط القطاع الخاص من ضرورة وجود نجم، و أن تخضع أعماله للقوانين التجارية البحتة متغاضيا عن الجانب الفني، بل إن هذا التيار الجديد يختار أعمالا عالمية أو محلية ذات ثقل.

لا أدرى تحت أي مسمى سنضع هذا التيار؟، كل ما أعرفه أن مسرحا جديدا يتشكل ولا عزاء للجالسين في انتظار الدعم الحكومى ـو دعم المراكز الثقافية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.