
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
الأزمات تكشف دوماً عن معدن الشعوب، وأزمة فيلم (الست) كشفت أصالة محبيها والتزامهم بحمايتها من العبث رداً للجميل واحتراماً لأم كلثوم، ومن يريد أن يتعرف على معدن الشعب المصري يراقب ردود أفعاله في أوقات الأزمات، أو عندما يكتشف مؤامرة تحاك ضده أو ضد أي من رموزه.
ليراه وقد نفض عن نفسه غبار المعاناة والفقر وتخلى عن فهلوته، ومحى الفروق بين طبقاته، وتوحد واتحد في وجه المتآمرين عليه المتربصين برموزه، يرد عليهم بما لديه من أسلحة متنوعة، ويكشف مؤامراتهم ويفضح آلاعيب من يريدون الإيقاع به أو النيل من تلك الشخصيات التي اتخذها رموزاً ورفعها فوق أعناقه إلى عنان السماء.
بعد أن ساهمت في رفع رصيده الحضاري بالإبداع في مختلف المجالات، الفن والأدب والعلم والاقتصاد والسياسة وغير ذلك، أو قدمت حياتها فداءً للوطن وأهله، أو تصدت لتحمل مسؤوليته وواجهت شياطين العالم الذين يريدون للوطن سوءاً.
الشعب المصري على مدار تاريخه لم يصمت في وجه ظالم ولا مستعمر ولا محتل ولا متربص ولا متآمر على الوطن أو رموزه الفكرية والسياسية والفنية والعلمية، واجه وقاوم وفضح وكشف وفي النهاية انتصر حتى ولو طالت المعركة، وقف في وجه الطامعين سواءً كانوا من أبنائه أو من أشقائه أو من أعدائه أو من الغرباء، لا فرق.
فالطمع والتآمر لا يأتي من الأعداء فقط، ولكن التاريخ علمنا والحاضر يبلغنا أن الأشقاء والأبناء يمكن أن يكونوا أشد عداوة من الأعداء التقليديين، عندما تمتلئ نفوسهم بالأحقاد ويتمكن منهم الطمع ويسيطر عليهم الغرور.
وهو ما حدث خلال الأيام الماضية مع سيدة الغناء العربي وسيدة سادة الفن أم كلثوم من خلال الفيلم الذي أطلقوا عليه (الست).
المصريون اكتشفوا خبائث فيلم (الست) قبل عرضه، وبمجرد بث البرومو الترويجي بدأ الناس دفاعهم عن السيدة التي ملأت حياتهم فرحاً وأملاً وحباً وطرباُ وانتماءً، تقدمتهم في التبرع للمجهود الحربي عقب نكسة 1967، وتجولت في عدة دول لتغني باسم مصر ولصالح جيشها.

تعلي من الروح المعنوية
ولم تهزمها النكسة وتنل من عزيمتها بل حولتها إلى انتصار وهى تقف شامخة مرفوعة الرأس على مسارح عالمية وعربية ومصرية، لتغني للوطن وللشعب وتجمع التبرعات وتشحذ الهمم وتعلي من الروح المعنوية وتزرع الإصرار على استعادة الكرامة والأرض والشرف.
وبمجرد أن بدأ عرض فيلم (الست) تبينت النفوس البيضاء من النفوس السوداء، وواجه الحق الباطل ليكشف الحقيقة، ويزيح التشوهات التي حاول أبناؤنا الضالين من الفنانين والفنيين المشاركين في الفيلم إلصاقها بالسيدة التي ظلت مصدر فخرنا وتباهينا حية وميتة.
نعم، أرادوها حرباً، الضالون من الفنانين الذين طعنوا الفن والوطن والإبداع والحق، باعوا أنفسهم وضمائرهم وانصاعوا لإرادة غريبة، وقرروا مقابل حفنة من الأموال تقاضوها تحت مسمى أجور أن يهدموا الرمز ويسقطوا البناء الراسخ في الوجدان الجمعي ويحطموا الأسطورة.
ولكن جموع المحبين ممن عاصروا أم كلثوم وممن استمتعوا بصوتها وفنها بعد وفاتها كانوا لهم بالمرصاد، استرجعوا ما تبقى في الذاكرة عنها وبحثوا ونقبوا عن أدلة براءتها مما يحاولون إلصاقه بها، وجدوا في أرشيف الزمن الكثير من الوثائق والمستندات والمقاطع المصورة والأحاديث التليفزيونية ما يردّ غيبتها وما يدحض أكاذيبهم.
الشعب المصري هو الحارس على رموزه، ومحبي أم كلثوم في مختلف الدول العربية شاركوا في المعركة، ليثبت الجميع أن أم كلثوم التي توفيت قبل 50 عاماً مازالت حية بسيرتها وأعمالها في الوجدان الجمعي العربي.
وبدلاً من تحقيق هدف المغرضين بإسقاط (الست) من عليائها، أعادوا إحيائها لتعود وتتصدر المشهد، وبدلاً من طمس ما ورد في المسلسل المنصف لها (أم كلثوم) للمبدع الكبير الراحل (محفوظ عبدالرحمن) مؤلفاً والمبدعة الكبيرة أطال الله عمرها (إنعام محمد علي) مخرجاً والمبدعة صابرين ممثلة لشخصيتها.

الفن الهادف والفن الهادم
دفعوا الناس للتنقيب عنه والعودة لمشاهدته ودفعوا بعض القنوات للعودة لعرضه لتبيان الفرق بين الفن الهادف والفن الهادم.
المدافعون عن (أم كلثوم) ليسوا فقط المعاصرين لها، وليسوا فقط مصريين، ولا ينتمون لفئة اجتماعية بعينها، ولكنهم من كل الأجيال وكل الشعوب وكل الانتماءات، عادوا وتوحدوا وراء الكوكب الذي وحّد العرب، تأكيداً منهم أن الفن الأصيل لا يموت، والرمز الأصيل لا يسقط بأفعال المغرضين.
قلب الناس السحر على الساحر، وبدلاً من أن يكون (الست) الفيلم الذي يشوه (أم كلثوم) كان الفيلم الذي شوه صانعيه وأفقدهم مكانتهم الجماهيرية، وفضح نواياهم وألقى بهم مع كل الساقطين الموتورين من تجار الفن وتجار القيم والمبادئ.
كانوا، ومنذ إعلان قرارهم بإنتاج فيلم عن (أم كلثوم)، يداً واحدة تمسك بمعول واحد للهدم، وبعد عرض الفيلم وانكشاف المخطط تفرقوا، وأطل صاحب الفكرة وأول المعلنين عن إنتاج الفيلم الأسبوع الماضي عبر بيان ليعلن تبرؤه منه ومن كل ما جاء فيه، نافياً أي صلة تربطه بالفيلم وأنه صناعة مصرية 100 في المائة وأن كل العاملين فيه مصريون.
وذلك بعد السيل الجارف من البوستات والمقالات والفيديوهات والوثائق التي تؤكد أنه فيلم كاذب وعمل هادم، واليوم نسألهم: ماذا أنتم فاعلون بعد بيان التخلي وترككم وحدكم في مواجهة الغضب الساطع من عشاق (الست).
ونعلم أنكم لن تعوا الدرس وقد تكررون التجربة لأنكم لا تنشغلون سوى بالسعي وراء مكاسبكم، وأنتم لستم وحدكم، حيث يدعمكم ويدافع عن خطاياكم كتيبة من أمثالكم على مواقع التواصل ومواقع إعلامية، ولكن المفاجأة أن تتورط معكم حفيدة أم كلثوم؟!
الغريب أن المؤلف الذي كتب سيناريو الفيلم المفكك والموبوء والخالي من أي رؤية (أحمد مراد) أطل علينا عبر شاشة النهار ليعلن أنه ينوي كتابة سيناريو لفيلم عن (طه حسين)، وهو ما يعكس أن محاولات هدم رموزنا وأيقوناتنا المبدعة لن تتوقف عند أم كلثوم ولكن الخطة تتضمن سواها.
وهو ما يجب الانتباه له، ونصيحة لهم لا تضيعوا جهودكم وتنفقوا أموالكم وتهدموا تاريخكم بما لن يجدي شيئاً، فمهما أنتجتم من أفلام ومسلسلات لن تستطيعوا المس برموز خالدة بإبداعها وستظل باقية بيننا رغم أنفكم.