
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
أهلا بكم في دولة (السوشيال ميديا) التي تحولت مواقعها المتعددة وما ينشر فيها تحولت الى المنفذ والمتنفس الوحيد لعشرات الملايين من المصريين في الوقت الحالي، رغم ما ينطوي عليه هذا من مخاطر في ظل التغييب الطوعي أو الإجباري لوسائل الإعلام التقليدية، التي فقدت مصداقيتها منذ زمن.
أولى المخاطر واهمها ان ما ينشر على مواقع (السوشيال ميديا) ليس عليه رقيب ولا يخضع لأي سلطة سواء رسمية أو اخلاقية، ومع انتشار ثقافة الجري وراء الترند، والسعي الحثيث خلف جذب المتابعين من أجل تحقيق الأرباح، لم يعد تحري الدقة والحقيقة هدفا سواء لمن ينشرون الأخبار أو من يتابعونها.
ذلك أن الهم الأساسي للصفحات والأشخاص الذين ينشرون الأخبار هو السبق في نشرها أولا، ثم حشوها بكل ما يلزم من بهارات حارة تسيل لعاب المتابعين لقراءتها، وفي المقابل ما يبحث عنه أغلب المتابعين هي الاخبار التي تمنحهم المساحة التي يبحثون عنها للتعبير عن غضبهم من الحكومة أو بعض مؤسسات الدولة المسؤولة عما آلت اليه حياتهم من صعوبة.
وزاد من فعالية مواقع (السوشيال ميديا) السياج الحديدي المضروب حول وسائل الإعلام التقليدية، التي تعزف كلها لحنا واحدا يتغنى بانجازات ربما تكون حقيقية لكنها بعيدة عن الحياة اليومية للمواطنين، وفي المقابل يتعمد تجاهل انتقاد الأداء الحكومي رغم مسؤوليته عن صعوبات يعيشها المتابعين في حياتهم اليومية.

تجاهل حقيقة خطيرة
ثقافة الإشادة الموحدة في وسائل الإعلام التقليدية تجاهلت حقيقة بسيطة تقول أن الإصرار على نمط واحد من الأداء سواء كان اشادة دائمة أو انتقاد مستمر، كفيل بفقدان أي وسيلة إعلامية مصداقيتها لدى جمهور المتابعين، باعتبار أن الحياة خليط من الالوان بين الاسود والابيض، وأن أي اجتهاد في أداء الوظيفة العامة عرضة للصح والخطأ.
كما تجاهل حقيقة خطيرة أخرى تتمثل في وجود العديد من البدائل أمام المتابعين بخلاف ما كان يحدث في عصور وأزمنة سابقة، كان فيها الإعلام الرسمي هو النافذة الوحيدة المتاحة للمواطنين للحصول على المعلومة أو الخبر.
وبالتالي إمكانية الاستغناء عن متابعة تلك الوسائل الرسمية بسهولة، والذهاب الى وسائل وأماكن اخرى تشبع رغبة البعض في الوصول للحقيقة، حتى لو كانت غير دقيقة، وشغف البعض الآخر في اكتشاف ما يظن انها اسرار تتعمد الدولة الرسمية إخفائها عنه.
ووسط أجواء فقدان الثقة في الإعلام الرسمي، وعدم الارتياح في نفس الوقت لما تبثه برامج القنوات المتربصة من تركيا وغيرها، باتت مواقع (السوشيال ميديا) هى الملاذ للكثير من المصريين، وزاد من سطوتها استجابة العديد من اجهزة الدولة لما ينشر في تلك المواقع، والتعامل معها بجدية.

تجاوزات انتخابات مجلس النواب
وهو ما تجلى مؤخرا بشكل واضح، حين استجاب رئيس الجمهورية الى شكاوى المرشحين والناخبين المتعلقة بحدوث تجاوزات في انتخابات مجلس النواب وتوجيهه بالتحقيق فيما نشر.
وهكذا باتت مواقع التواصل هي ظهر المواطنين التي تحميهم من تغول أصحاب النفوذ، وترد المظالم التي قد يتعرض لها البسطاء ولا يجدون نصيرا لهم في أقسام الشرطة ودهاليز النيابة، لتعوض بذلك الدور الذي كانت تلعبه الصحف والقنوات الخاصة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل حسني مبارك.
في هذا السياق تجب الإشادة بخطوة رئيس الوزراء الأخيرة خلال اجتماعه قبل أيام مع رؤساء الهيئات الاعلامية، حين طالب تفعيل آليات لمواجهة الكم الهائل من الأخبار المزيفة على (السوشيال ميديا)، وضرورة اتخاذ إجراءات رادعة حيال من يتعمد اختلاق وقائع كاذبة، ونشر أخبار مغلوطة تستهدف النيْل من الاقتصاد الوطني.
موقف رئيس الحكومة يعكس وعيه بحجم تأثير مواقع التواصل، لكن الخطوات التي تم الاتفاق عليها في الاجتماع، وأهمها إصدار منصة رسمية جديدة تتولى الرد على الشائعات، لن يحل المشكلة وربما يفاقمها.
بينما الحل البسيط يتمثل في إعادة الاعتبار للإعلام التقليدي ليعود سلطة رابعة مثلما كان، وافساح المجال أمام العاملين به لأداء الدور الذي اعتادوا تأديته طوال عقود، وتقبل النقد بنفس الاريحية التي يتقبل بها المسؤولون الإشادة.
كما أن الترحيب بتوصية رئيس الوزراء بنشر الحقائق والبيانات الصحيحة، لا يجب أن يجعلنا نتغافل عن أن منع الصحفيين والاعلاميين (الحقيقيين) من الوصول لتلك الحقائق والبيانات الصحيحة، هو ما فتح الباب أمام الهواة والمتربصين والباحثين عن الشهرة على مواقع التواصل لإطلاق العنان لخيالهم في اختلاق الأخبار وتأليف المعلومات التي يضر بعضها بالدولة واقتصادها.