
بقلم المستشار: محمود عطية *
ظاهره ابتدعها البعض للارتزاق بطرق تدخل في نطاق البدع المنبوذة ويريدون ان يرسخوها عبر البرنامج الرائع عن (التلاوة)، ولكن التنفيذ صفر واللجنه لا يعتد منها الا الشيخ العالم الجليل (حسن عبد النبي) عضو لجنة تصحيح ومراجعة المصحف الشريف.
أكتب وأنا اتابع البرنامج وأدعي انني مستمع من جمهور مستمعين أساطين (التلاوة)، لذا اقول بكل صراحه ما بحثت عنه وسألت ودارات مناقشات مع كبار أساطين (التلاوة)، والآن نحن نحذر ونحذر لأنه انتشرت في السنوات الاخيرة ظاهرة ما يسمى بتعليم القران بالمقامات، وهى ظاهرة تبدو براقة في ظاهرها لكنها في حقيقتها لون من التلبيس الذي يجعل من القران مادة طربية تخضع للرغبات الموسيقية لا لهيبته وجلاله.
والمقامات الموسيقية التي يتحدث عنها المروجون لهذا الفن ليست من علوم القران ولا من علوم الأداء ولا من التجويد ولم يعرفها السلف ولا أئمة القراء، ولا من نقلوا القراءات بالسند المتصل. فالقران نقل (التلاوة) والأداء، وضبطا ولم ينقل أنغاما موسيقية ولا سلما صوتيا ولا قواعد ألحان.
وإدخال المقامات الموسيقية في قراءة القرآن هو في جوهره محاولة لإضفاء قداسة على فن غنائي من خلال ربطه بالوحي، وهذا نوع من الفنكوش الذي يعتمد على المظهر دون الجوهر، وعلى إثارة اعجاب السامع لا على فهمه للقرآن أو خشوعه عند (التلاوة).
ومن يريد تعلم المقامات سيدخل رغما عنه إلى دائرة الموسيقى، لأن المقام مبني على درجات صوتية محددة وانتقالات موزونة وقواعد موسيقية صرفة، وهذا لا يكتسب إلا عبر سماع الأغاني والموسيقى واستخدام الات كالعود والكمان والبيانو، وهى آلات محرمة عند الأئمة الاربعة بلا خلاف معتبر.

تسميات إسلامية خادعة
فكيف يقال أن هذه المقامات تخدم القرآن؟، وهى أصلا لا تضبط الا في بيئة محرمة، ومن خلال أدوات أبعد ما تكون عن مجال التعبد.. بل العجيب إن بعض المروجين يحاولون تغيير مسمى المقام من بيات وحجاز إلى تسميات إسلامية خادعة، مثل المقام النبوي أو المقام الروحاني لتسويق الفكرة لدى البسطاء، بينما الحقيقة أن هذا علم غنائي دخيل لا علاقة له بعلوم السلف ولا بطرائق القراء.
والخلط بين تحسين الصوت بالمفهوم الشرعي وبين التلحين بالمقامات هو أعظم أبواب التضليل في موضوع (التلاوة)، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى تحسين الصوت بالقرآن، وهذا التحسين هو تحسين طبيعي يقوم على سلامة المخارج وجودة النبرة وحسن الوقف وتمام الخشوع ولا يعتمد على أية صناعة موسيقية أو وزن لحني.
اما التزيين بالمقامات فهو اصطلاح حادث يقوم على تحويل القراءة إلى أداء طربي يبحث فيه القارئ عن إرضاء أذواق المستمعين لا عن إقامة حروف القرآن وأداء معانيه.
والمقام في (التلاوة) نفسه يهدف في الأصل إلى إثارة الطرب وتهييج الاحاسيس واستحضار الجو الموسيقي، ومن الصعب بل من المستحيل أن يتوافق هذا الهدف مع طبيعة التلاوة الشرعية التي تقوم على التدبر والخشوع واستحضار معنى كلام الله.
ولذلك قال العلماء إن القراءة بالألحان الموسيقية محرمة، لأنها لا تحصل إلا بتطريب مصطنع يخالف مقادير التجويد المحددة، وقد بينوا أن الأوزان الموسيقية لها مقادير ثابتة ومعايير محددة لا يمكن الجمع بينها وبين مقادير التجويد التي تضبط المدود والغنات واحكام الوقف والابتداء.
ومن أراد إرضاء المقام أضاع التجويد، ومن أراد إرضاء التجويد أضاع المقام ولا يمكن الجمع بينهما إلا بافساد أحدهما، وهذا هو بيت المسألة فإن القرآن لا يفسد أبدا من أجل الألحان.
وقد قال (ابن القيم) – رحمه الله أن السلف براء من القراءة أو التلاوة) بالألحان المتكلفة وأنهم كانوا يقرؤون بتحزين فطري لا بما تفرضه الاوزان الموسيقية التي لا علاقة لها بطبيعة التلاوة.. وبين ان تحسين الصوت شرع لتحريك القلوب لا لمجاراة الطرب. وقال (ابن كثير) إن النغمات المحدثة المركبة على الأوزان الموسيقية ينبغي تنزيه القرآن عنها، لأنها دخيلة عليه ولا تليق به، وهذه الأقوال تكشف أن القضية ليست ذوقية ولا شكلية بل قضية أصولية تتعلق بتعظيم كلام الله وعدم تحويله إلى عرض فني.

جودة القراءة بعدد المقامات
ومن أخطر المغالطات التي يروجها دعاة المقامات زعمهم أن المقام يساعد على التعبير عن معاني القرآن، فهذا قول باطل لأن معاني القرآن أعمق من أن تختزل في سبع درجات صوتية، أو أن تربط بمعاني الحزن والفرح والغضب حسب نمط غنائي معين.
فالقارئ لا يحتاج إلى مقام حزين لقراءة آية وعيد ولا إلى مقام مفرح لقراءة آية رحمة، فهذا من السطحية التي لا تمت للمعاني القرانية بصلة.. كما أن ربط جودة القراءة بعدد المقامات التي يتقنها القارئ هو نوع من التشويه لمفهوم التفوق القراني، الذي يقوم على ضبط المخارج واتقان الاحكام والخشوع في (التلاوة) لا على التنقل بين مقامات الغناء.
بل إن ظاهرة المقامات أدخلت على الساحة القرآنية ما لم يكن فيها من قبل، فصار بعض القراء يركزون على الطبقات والنزول والصعود وضبط الانتقال بين مقام وآخر، بدلا من التركيز على مخارج الحروف ومعاني الآيات.
وتحولت (التلاوة) عند بعضهم إلى ما يشبه العرض المسرحي فيرفع صوته هنا ويخفضه هناك لا لأن المعنى يقتضي ذلك، بل لأن المقام يفرضه ويريد الحفاظ على الوزن الموسيقي.. وهذا يفسد نية (التلاوة)، ويصرف السامع عن تدبر القران الى الانبهار بأداء القارئ.
وفي النهاية يصبح القرآن لدى البعض مجرد خلفية صوتية لإظهار المهارة الغنائية، وهذا هو الخطر الذي حذر منه العلماء.. فالقرآن لم ينزل ليعامل معاملة الأغاني، ولا ليصبح وسيلة للطرب أو لتسلية المسامع.
وحين يعتاد الناس على سماعه بالألحان الموسيقية يفقدون صلته الحقيقية بالخشوع والتدبر، ويتحول القارئ الى مؤد غنائي والمستمع الى متذوق فني وهذه نقلة خطيرة تهدد روح التلاوة.
والخلاصة أن تحسين الصوت مشروع بل مطلوب والتجويد، وتعلم المخارج واجب، والمقامات الموسيقية دخيلة وغير جائزة، وتلحين القرآن على أوزان الغناء بدعة منكرة لا يعرفها السلف، وليس المقصود تحريم اختلاف طبقات الاصوات الطبيعية بل المقصود تحريم الصناعة الموسيقية والتكلف الطربي الذي يفسد روح التلاوة.
والقرآن أعظم من أن يقرأ على لحن المغنين أو يعامل كقطعة فنية تخضع لذوق الجمهور فهو كلام الله الذي ينبغي أن يقرأ بخشوع وسكينة ووقار، ومن عرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أهل القران هم أهل الله وخاصته علم ان هذه المنزلة لا تليق بها (التلاوة) المتكلفة ولا الألحان الدخيلة.
فالقرآن نور لا يحتاج إلى أضواء مسرح كي يشرق وجلال لا يحتاج إلى ألحان كي يسمو.. ونسال الله أن يرد الأمة إلى الهدي الأول، حيث كانت (التلاوة) خاشعة طبيعية نقية بلا تكلف ولا تصنع ولا تلحين دخيل.
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع