رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية
محمد حبوشة

تحقيق يكتب: محمد حبوشة

انتشر بيان (لجنة الدراما) المزعوم كانتشار النار في الهشيم خلال الأيام القليلة الماضية، حيث شهدت الساحة الفنية موجة واسعة من الجدل، بعد تداول شائعة تزعم بأن (لجنة الدراما) بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أصدرت ضوابط جديدة للأعمال الدرامية المقرر عرضها فى موسم رمضان 2026.

غير أن هذه المعلومات اتضح لاحقًا أنها مجرد (فبركة صحفية) من جانب موقع (القاهرة 24)، الذي دأب على نشر الأخبار – التي يصدرها عادة بـ (انفراد) – ثم يسارع بنفيها بعد نشرها بساعات، وكأن شيئا لم يكن، وهو ما يتطلب تدخل المجلس الأعلى للإعلام في وقف هذه المهازل المهنية في حينها.

المهم: ثبت أن بيان (لجنة الدراما) بالمجلس الأعلى للإعلام لا أساس له من الصحة، إذ لم تصدر اللجنة أى بيانات رسمية أو تعليمات جديدة خلال الفترة الماضية، كما نفى السيناريست (عبد الرحيم كمال)، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، صحة هذه الأخبار المتداولة، قائلا بشكل قاطع: (لم يحدث).

وسارعت الناقدة ماجدة موريس، رئيسة (لجنة الدراما) بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بنفي صحة ما تم تداوله حول إصدار اللجنة ضوابط جديدة لمسلسلات رمضان 2026، مؤكدة أن اللجنة لم تعقد أى اجتماعات خلال فترة الإجازة الصيفية.

وقالت رئيسة (لجنة الدراما) القرارات التى نشرت بشأن توجيهات درامية مزيفة ولا أساس لها من الصحة، معتبرة أن (مثل هذه المعلومات المضللة تخلق بلبلة غير مبررة داخل الوسط الفنى)، داعية وسائل الإعلام إلى تحرى الدقة وانتظار البيانات الرسمية قبل نشر أى أخبار تخص اللجنة.

وأضافت: (لجنة الدراما) لم تصدر أى تعليمات لصناع المسلسلات، وأول اجتماع رسمى لها يعقد الأسبوع الجارى، لذا فإن ما تردد حول وضع توجيهات تمنع مشاهد البلطجة أو ترويج المخدرات أو الخيانة الزوجية أو التشهير بمؤسسات الدولة، لم يصدر عنها مطلقًا.

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية
شددت رئيسة (لجنة الدراما) على ضرورة الالتزام بالمهنية الإعلامية

الالتزام بالمهنية الإعلامية

وشددت رئيسة (لجنة الدراما) على ضرورة الالتزام بالمهنية الإعلامية عند نقل الأخبار الفنية، حفاظًا على استقرار قطاع صناعة الدراما، وعدم إثارة البلبلة بين صناع الأعمال والجمهور.

وحول طبيعة عمل اللجنة، قالت الناقدة (ماجدة موريس): (دور اللجنة يبدأ بعد عرض الأعمال الفنية وليس قبلها، عملنا الأساسى يبدأ بمشاهدة الأعمال التى تقدم، ثم نرصدها ونقيمها ونبدى وجهات نظرنا فيها، ومدى علاقتها بالحراك المجتمعى وأخلاقيات المجتمع.. التقييم يأتى لاحقًا للعرض، ولا يتم فرض قيود مسبقة على الإبداع).

واستنكرت فكرة منع تناول قضايا، مثل الطلاق أو المخدرات، مؤكدة أن الدراما يجب أن تعكس الواقع لتقديم حلول، قبل أن تتساءل مستنكرة: (هل يوجد مسلسل يروج لخطورة المخدرات لا يتحدث عنها؟!.. هناك مسلسلات كاملة صنعت لتفسير ظاهرة المخدرات ومحاربتها).

وفيما يخص قضايا الأسرة، قالت: (الدراما جزء مهم جدا من المجتمع، وعليها تقديم القضايا الشائكة لتعزيز الحريات ومبادئ المواطنة)، متسائلة: (كيف نمنع مشاهد الطلاق وهناك نقاش مجتمعى حول قانون الأحوال الشخصية وقانون الطفل؟)، مستشهدة بنجاح مسلسلات العام الماضى التى ناقشت قضايا المرأة والطلاق، وكشفت عن خلل مجتمعى يحتاج إلى علاج.

ومن جانبها ردت  الكاتبة (مريم نعوم) على ما يتردد حول وجود (محاذير درامية)، مشددة على أن صناع (الدراما) في مصر يتحملون بالفعل مسؤولية اجتماعية تجاه الجمهور والمجتمع، وأنها تتوقع أنه قد يكون قد نوقشت بعض المحاذير الدرامية أو طُرحت ضمن نقاشات، ولكن القرار النهائي كان بعدم تفعيل أي منها.

وقالت (نعوم): إنها لم تتعرض في أي وقت لتدخل من أي شخص أو جهة فيما تكتبه أو في طريقة معالجتها الدرامية، موضحة أن بعض الأعمال قد يكون لها سقف معيّن لكن خبرتها الطويلة جعلتها قادرة على ممارسة حرية مسؤولة ومتوازنة.

وأضافت أن مسلسل (لام شمسية)، الذي عُرض في شهر رمضان العام الماضي، كان نموذجًا لتعامل رقابي متفهم، حيث لم تُطلب منها أي تعديلات، ولم تُفرض عليها أي توجيهات من أي جهة، مؤكدة أن العمل قُدّم كما كُتب تمامًا دون تغييرات مرتبطة بالرقابة.

وفي صدد نفس المسلسل، أكد المخرج (كريم الشناوي)، أنه يتمسك بالحرية المطلقة في العمل الفني، معتبرًا أن دور صناع الفن هو الانحياز إلى مساحات الإبداع المفتوحة، لأنها وحدها القادرة على إنتاج أعمال مؤثرة، مشيرًا إلى أن أي محاولات أخرى مهما كانت نواياها قد تؤدي في النهاية إلى تقييد الفن والإضرار بجوانب أخرى.

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية
الفن يحتاج إلى فهم سقف حرية الإبداع المتاح

دور (لجنة الدراما)

وأكد (الشناوي)، إن مسلسله الأخير (لام شمسية) تعرض لانتقادات بزعم إساءته للمجتمع، موضحًا أن الفن يعكس ما هو موجود بالفعل ولا يختلق واقعًا غير موجود.

وتساءل (الشناوي) عن دور (لجنة الدراما) بشأن المتداول عن إصدار توجيهات لمسلسلات رمضان 2026 بما يُعرف إعلاميًا بـ (المحاذير الدرامية)، مؤكّدًا أن هناك جهاز رقابي قائم بالفعل في مصر،

 وأضاف (الشناوي): هل توصيات هذه اللجنة ملزمة؟ وإن كان الأمر كذلك، فلماذا نحتاج إلى رقابة أخرى؟، مطالبًا بمعرفة تقييم اللجنة للأعمال التي قُدمت خلال السنوات الثلاث الماضية، قائلاً إنه لا يعرف توجه اللجنة أو بوصلتها، وهل دورها الرصد أم الرقابة.

وأشار المخرج (كريم الشناوي) أنه كصانع للفن يحتاج إلى فهم سقف حرية الإبداع المتاح، مؤكدًا أن ما جرى تداوله في التسريبات الخاصة بـ (محاذير الدراما) لا يخدم الصناعة، خاصةً وأن التسهيلات التي كانت تقدم لصناع الفن تقل بشكل واضح بينما السقف الرقابي يزداد عامًا بعد عام.

ولفت نظري أيضا تصريح الدكتور (أشرف زكي) عن شائعات (محاذير الدراما)، والذي قال فيه: (مش عارف الكلام ده جه منين؟).

حيث أكد (زكي)، نقيب المهن التمثيلية، أن ما يتداول بشأن فرض قيود على صناعة الدراما المصرية والمعروفة باسم (محاذير الدراما) لا يستند إلى أي معلومات صحيحة، معلقًا (مش عارف الكلام ده جه منين.. واللي ماسك الرقابة واحد من المبدعين).

وقال (زكي) إن النقابة لم تتلق أي إخطار أو تواصل رسمي بشأن وجود ضوابط أو تعليمات جديدة، متابعا أن استمرار عرض أعمال جريئة تتناول قضايا حساسة، مثل مسلسل (لام شمسية) للمخرج كريم الشناوي، دليل واضح على عدم وجود أي تضييق على الإبداع.

وأضاف أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية يعمل باستقلالية تامة، ويقوده الروائي والمبدع (عبد الرحيم كمال)، وهو ما يعكس أن الرقابة نفسها تُدار بعقلية فنية واعية تدرك طبيعة العملية الإبداعية وحدودها.

وشدد (نقيب الممثلين) على أن الدراما المصرية تعيش حالة ازدهار واضحة، قائلاً إن الفترة الحالية تُعد من أفضل المراحل التي تمر بها الصناعة، مع تقديم أعمال مهمة تعكس صورة إيجابية عن المجتمع المصري.

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية
أسئلة كثيرة تدور في الكواليس حول ملامح موسم الدراما 2026

أسئلة كثيرة في الكواليس

كما أشاد (زكي) بدور (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، مؤكدا أنها تبذل جهدا كبيرا لدعم الصناعة دون أي تدخل في المحتوى الفني، مضيفا: الشركة المتحدة تقدم دعما حقيقيا وتترك للفنانين مساحة واسعة للإبداع.

وهنا أتوقف عند تصريحات (رئيس لجنة الدراما، ومريم ناعوم وكريم الشناوي، وأشرف زكي) متسائلا: من وراء تسريب تصريحات (لجنة الدراما) وما هى هويته؟، أليست هذه الملاحظات قد وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أعقاب موسم رمضان 2025، معربا عن استيائه من فعل الدراما الرجيم في مصر خلال السنوات الثلاثة الماضية؟

هل استند مسرب تصريحات (لجنة الدراما) إلى ملاحظات الرئيس، معتمدا على إصدار تعليمات شفوية في هذا الصدد؟، ومن ثم لم يدر في خلده أن ينتفض أعضاء (لجنة الدراما) أو المعنيين بصناعة الدراما ليتنصلوا، أو ينفوا ما يمكن أن يكون قد وجه لهم عن طريق تعليمات شفوية لا ينبغي تسريبها على هذا النحو العلني؟

أسئلة كثيرة تدور في الكواليس حول ملامح موسم دراما رمضان 2026، خاصة أن هناك مطالب مجتمعية بضرورة تعديل مسار الدراما المصرية الذي خاصم القيم طوال السنوات العجاف التي أعقبت (هوجة 25 يناير) التي أخرجت أسوأ ما في الشعب المصري بفعل فائض الحرية غير المسئولة.

بغض النظر عن صحة بيان (لجنة الدراما) المزعوم، ألسنا نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع صناعة الدراما المصرية في ضوء ملاحظات السيد الرئيس، الذي يرى أن الدراما المصرية لا تعبر عن الواقع المصري، وبالطبع ليس في مسألة (الطلاق)، بل في ظواهر العنف، العشوئية، المخدرات، التحرش، التنمر، وغيرها من أمور تتعلق بإهانة المرأة.

الواقع أن الدراما المصرية التي كانت إلى وقت قريب نموذجا يحتذى به في العالم العربي، لكنها الآن أصبحت في الدرك الأسفل من القبح ومخاصمة قول (أرسطو): (التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، أما الدراما فتكتب الأحداث كما ينبغي لها أن تقع)، ما يعني أن الدراما وطيفتها تجميل شكل وملامح المجتمع.

ومع ذلك لا يعني تجميل الواقع ألا نتطرق إلى العيوب، ولكن ينبغي أن تكون المعالجة بأسلوب صحيح يقوم على المكاشفة عبر حوار راق يخلو من الألفاظ البزيئة والكلام والتهبيرات الفجة من جانب كتاب لايراعون قيم المجتمع، بل يعمدون إلى مخاطبة خيال ممثل مريض نفسيا (باعتباره البطل الأوحد) يحقق الملايين على حساب تشويه المجتمع باختياراته المريبة.

إلى (لجنة الدراما): نحن بحاجة ماسة إلى ضبط إيقاع الدراما المصرية
يجب أن نتوقف أن عبارة (الجمهور عاوز كده!)

الجمهور عاوز كده!

يجب أن نتوقف أن عبارة (الجمهور عاوز كده!)، فقد ثبت عمليا أن الجمهور هو المتلقي، ولا يأخد رأيه قبل الكتابة أو العرض، بل فقط تبدو دهشته فور عرض الحلقات الأولى من مسلسلات تركز على العنف، ويصدم في ألفاظ وتعبيرات هى أبعد تماما عما يدور في خلده.

ويحضرني قول الشاعر الراحل (أمل دنقل): (أيها الواقفون في حافة المذبحة.. أشهروا الأسلحة)، وأعني هنا أسلحة الرقابة الرشيدة التي تحمي المجتمع من تجريف الفن من مضمونه الإنساني القويم!

يا أعضاء (لجنة الدراما) الأجلاء من الأخوة والزملاء: بدلا من الشحب والاستنكار، عليكم التوقف – أمام بيان لم يأتي على لسانكم – ودراسة ما جاء به من إرشادات تصب في خانة المهنية الدرامية التي تنشد صالح الناس، نحن أحوج ما يكون الآن لتعديل مسار الدراما المصرية، بعد أن صارت عارا على مصر التي عرفت بتاريخها العريق في صناعة القوى الناعمة التي لا تصلح الآن بقدر ما تتسبب في الإساءة إلى المجتمع المصري.

ذلك المجتمع الذي علم الإنسانية معنى الحضارة مستندا إلى القيم منذ فجر التاريخ وحتى الآن، تلك الحضارة القائمة على المحبة والسلام الاجتماعي.. ومن ثم أعيدوا لنا درامانا العريقة، بعد أصبحت ترسخ للعنف والعشوائية المقيتة وتصدير كل الموبقات التي نالت كثيرا من هويتنا الوطنية.. وأخير: رفقا بشبابنا الذي لم يشاهد روائع الدراما في زمن الفتوة المصرية الحقيقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.