رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل

رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
الخواجة عبد القادر
رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
الرحايا
رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
ونوس
رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
جزيرؤة غمام
رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
رضا العربي

بقلم الناقد الفني: رضا العربي

هناك كتّابٌ يكتبون من فوق الورق، وهناك كتّابٌ يكتبون من تحت الجلد.. (عبد الرحيم كمال) واحدٌ من هؤلاء الذين لا يمرّون على الوجدان مرورًا عابرًا؛ بل يتركون فيه أخدودًا هادئًا يشبه مجرى ماءٍ قديم عرف طريقه إلى القلب قبل أن يعرفه العقل.

(عبد الرحيم كمال).. ذلك الحبر الذي لا يجف، والروح التي تمشي على الحروف كأنها تعرف الطريق قبل أن تراه. ليس كاتبًا ولا سيناريستًا وحسب، بل حالم كبير يقف على حافة الأسطورة، يلتقط منها شرارة، ثم يعود إلى الحياة ليُشعل بها قلوبنا.

في عالم (عبد الرحيم كمال)، لا توجد حكاية تُحكى.. بل حكاية تتنفس.

هو ابن المدرسة التي ترى أن الفن ليس ترفًا بل خلاصًا، وأن الإنسان كتلة من الأسرار، لا تكشفها الكلمات بقدر ما تضيئها.. لذلك كانت أعماله أشبه بمرآة قديمة؛ كلما نظرت فيها رأيت نفسك، لا كما أنت، بل كما كنت تخاف أن تكون.

في أعمال (عبد الرحيم كمال)، يقف الماضي أمامه لا كذكرى، بل كشخص آخر يتنفس. الصعيد في كتاباته ليس أرضًا، بل قدر.. الشخوص ليست نماذج اجتماعية، بل أرواح تبحث عن معنى.. من (الرحايا) إلى (الخواجة عبد القادر)، وصولًا إلى (ونوس، وجزيرة غمام، الحشاشين).

كل عمل يحمل بصمة رجل يعرف أن الدراما الحقيقية تعيش في المسافة بين الإنسان وربه، بين ضعفه ومحاولته، بين خطأ قديم وندم يتأخر في الوصول.

يكتب عن الإنسان كما لو كان يكتب وصيته الأخيرة.. كلماته مسكونة بالبحث عن الله، لا بوصفه عقيدة، بل بوصفه نورًا في الصدر، صوتًا صغيرًا خلف الضلوع يقول: (ما زال الطريق طويلًا.. لا تتعب).

رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
لا يقول لك: (كن خيرًا) أو (افعل الصواب).. بل يضعك أمام رجلٍ تاه، وامرأةٍ صبرت، وشيخٍ عرف الحقيقة بعد فوات الأوان

الحكمة ليست درسًا.. بل ألمًا ناضجًا

حكمته لا تأتيك مباشرة. لا يقول لك: (كن خيرًا) أو (افعل الصواب).. بل يضعك أمام رجلٍ تاه، وامرأةٍ صبرت، وشيخٍ عرف الحقيقة بعد فوات الأوان.. ومن خلالهم، تستيقظ الحكمة داخلك أنت.. كما لو كنت تكتشفها بنفسك.

(عبد الرحيم كمال) يعرف أن أعظم الحكايات هى تلك التي تضع الإنسان أمام مرآة نفسه، بلا زيف ولا تجميل. لذلك تخرج أعماله دائمًا عميقة، دافئة، ومؤلمة بالقدر الذي يجعل المتلقي أكثر اتساعًا من حياته.

هو من القلّة الذين يشعرون أن الحكاية كائن حي، لها نبض وخفقان. يجلس أمامها كما يجلس الناس أمام صلاة. يتعامل مع الكلمة كما يتعامل الصوفي مع الذكر؛ يكررها حتى تفتح له بابًا، أو تكشف له سرًا.

ما يميّزه ليس فقط قدرته على صياغة الشخصيات، بل قدرته على جعلنا نؤمن أنهم يعيشون حقًا. شخصياته تبقى في الذاكرة مثل أشخاص عرفناهم يومًا.. تركوا أثرًا، ثم رحلوا.

رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
هناك كتّاب يصنعون شهرة، وهناك كتّاب يصنعون أثرًا.. (عبد الرحيم كمال) ينتمي للنوع الثاني

المكانة التي يستحقها

هناك كتّاب يصنعون شهرة، وهناك كتّاب يصنعون أثرًا.. (عبد الرحيم كمال) ينتمي للنوع الثاني.. لا يطارد الضوء؛ الضوء هو الذي يأتي إليه.. ظلّ وفيًّا لأسلوبه، للمصداقية التي يكتب بها، لذلك صار صوته واحدًا من أنقى الأصوات في الدراما العربية الحديثة.

ولد (عبد الرحيم كمال) وفي فمه طعم الحكاية.. كأن الصعيد نفسه بجلاله الصامت وحرارته التي لا تُرى قد وضع يده على قلبه وقال له اكتبني.. فكتب.. ليس عن الصعيد فقط، بل عن الإنسان الذي يختبئ بين تضاريسه.

إنك حين تقرأ لـ (عبد الرحيم كمال)، أو تشاهد أحد أعماله، تشعر أن الرجل لا يُمسك القلم، وإنما يُمسك نبضًا. يخيط به جراح شخصياته، ويشقّ به نوافذ للضوء داخل عتمتهم. كأنه يتعامل مع كل شخصية باعتبارها روحًا تحتاج من يسمعها قبل أن يحاكمها

في مسلسلاته وحكاياته، الحكاية ليست مجرد بنية درامية؛ الحكاية (كائن حيّ) يولد ويكبر ويتنفس.. ربما لهذا كان جمهوره يصدق شخصياته كما لو كانوا يعرفونهم شخصيًا الشيخ سلام، الجد الغريب، الدرويش الذي يبحث عن الله دون ممارسة الشعائر، والقاتل الذي يبكي لأن ضميره أقوى من ذنبه.

عالمه يصنع توازنه الخاص واقعٌ يمشي بجوار أسطورة، وحكمةٌ تجلس على عتبة بيت طيني، ودمعةٌ تسقط على حجرٍ فتحوله إلى معنى.. لا فرق عنده بين الديني والفلسفي، بين الشعبي والعميق؛ فكلها طبقات في إنسان واحد.

(عبد الرحيم كمال) ليس حكّاءً فقط؛ إنه فيلسوفٌ يتخفّى داخل جلابية شاعر.. أفكاره لا تُلقى كخطَبٍ ثقيلة، بل تذوب في الحوار كملحٍ لا يُرى. يتحدث عن الخير والشرّ، عن الضمير، عن الله، عن الحبّ، عن الفناء.. لكن بلغةٍ تستطيع أن تصل إلى رجلٍ بسيط يجلس أمام التلفاز في عشائه، كما تصل إلى قارئٍ محمّل بأسئلته الوجودية.

في أعماله دائمًا (لحظة السؤال).. تلك اللحظة التي تقف فيها الشخصية وحدها، بلا قوة ولا سلاح، وتسأل: من أنا؟ ولماذا؟ وما الذي يبقى بعد أن يذهب الجميع؟

لغة (عبد الرحيم كمال) هى البطل الخفيّ في كل شي بسيطةٌ وعميقة، مثل دعوة أمٍ في ليلٍ صامت: تلمس القلب دون أن تستأذن.. لديه قدرة عجيبة على جمع المتناقضات: يجعلك تبتسم من عبارةٍ شعبية، ثم يوقفك فجأة عند حكمةٍ تهز قاع روحك.

كلماته تشبه تراب الصعيد حين تلمسه الشمس؛ خشنٌ وناعمٌ في نفس الوقت الوقت.. لغةٌ لا تتجمّل، لكنها تضيء

في النهاية، ما يفعله (عبد الرحيم كمال) هو أنه يعيد الإنسان إلى مركز الصورة..لا يهم الدين ولا الطبقة ولا المهنة؛ المهم هو الصدع الداخلي، والرغبة في الخلاص، وتلك الشرارة الخفية التي تجعل البشر يتغيّرون أو ينكسرون.

يكتب عن الإنسان الذي يخاف ويأمل، الذي يجرح ويُجرح، الذي يبحث عن الله داخل نفسه أكثر مما يبحث عنه في السماء.

رضا العربي يكتب: (عبد الرحيم كمال).. الرجل الذي يكتب بروحٍ لها ظل
يكتب من مكانٍ قريب من الأرض.. قريب من القلب.. يكتب من الذاكرة الجمعية

لماذا يلمسنا؟

لأن (عبد الرحيم كمال) لا يكتب من برجٍ عالٍ.. يكتب من مكانٍ قريب من الأرض.. قريب من القلب.. يكتب من الذاكرة الجمعية، من الألم الذي نعرفه جميعًا، ومن الحنين الذي يسكننا حتى لو أنكرناه.

يحكي وكأنه يذكّرنا بأننا لسنا وحدنا، وأن كل حكاية – مهما بدت بسيطة – تحمل سرًا صغيرًا عن الكون.

(عبد الرحيم كمال) مجرد كاتب والسلام  إنه جسرٌ بين الحكاية والروح.. رجلٌ يعرف أن الكلمة ليست مهنة، بل قدر.. ولذلكحين يكتب، نشعر أننا نقرأ أنفسنا، لا ورقه.

إنه الكاتب الذي يذكّرك بأن الفن ليس للفرجة فقط، بل للشفاء.. وأن القصة ليست شيئًا نرويه، بل شيء يرمّم ما تهشّم فينا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.