تعرف على الفيلم القصير الذي أخرجه بركات لـ (فيروز) وطالب رجاء النقاش بعرضه في مصر

كتب: أحمد السماحي

احتفلنا أمس بذكرى ميلاد الأم الحزينة (فيروز)، التى تحتفل بعيد ميلادها الـ 91 لأول مرة بدون الغائب الحاضر ابنها الموسيقار العبقري (زياد رحباني) الذي هبط بها من السماء إلى الأرض!، وجعلها أكثر قربا إلى الأجيال الشابة بكلمات مليئة بالسخرية والنقد اللاذع للحبيب قائلة :

بتمرق علي امرق، ما بتمرق ما تمرق

مش فارقة معاي، مش فارقة معاي

بتعشق علي أعشق، ما بتعشق ما تعشق

مش فارقة معاي مش فارقة معاي

وذلك بعد أن كانت (فيروز) مع والده وعمه (عاصي ومنصور الرحباني) غارقة في الرومانسية تغني للنجوم والقمر، وتهدي لحبيبها الورود والمزاهر ونسمات مليئة بالحب والعاطفة الجياشة.

من المفاجأت التى نكشفها هذا الأسبوع في باب (صورة وذكرى) تقرير كتبه الكاتب الراحل (رجاء النقاش) الذي كان واحدا من عشاق (جارة القمر) في مجلة (الكواكب) عام 1967 تحت عنوان (زهرة المدائن .. فيلم قصير يجب أن تعرضه دور السينما في مصر).

 جاء فيه: (زهرة المدائن هى القدس التى تريد الصهيونية أن تسيطر عليها، وتمحو من فوق أرضها كل آثار المسيح ومحمد..

والقدس ليست مدينة عادية، من تلك المدن التى تهدم وتبنى وتزدهر ثم تقفر، ولكنها مدينة غير عادية في تاريخ العالم كله، أنها ترمز لأجمل الذكريات، وأرفعها في تاريخ الإنسان..

وترمز لأصفى المشاعر وأكثرها نبلا وسموا، أنها تمثل كل محاولات الأنبياء لكي يصعدوا بالإنسان فوق كل التعاسات التى تعرض لها، وفوق كل الهموم والمصاعب التى صادفت حياته.

صوت المؤذن المسلم

وعندما دخلها المسلمون منذ حوالي ألف وثلاثمائة سنة، جاءوها وهم يحملون لها كل مشاعر التقديس والاحترام، وارتفع فيها صوت المؤذن المسلم ليقول: الله أكبر.

ومع هذا الصوت بدأت الحضارة العربية الإسلامية رسالتها على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، أنها حضارة التفتح والأمتزاج بكل الحضارات وكل البشر.

ومن هنا جعل المسلمون القدس لكل الناس وكل الديانات، واحترموا المشاعر الإنسانية، والفكر الإنساني في كل مكان.

واليوم تريد الصهيونية أن تسيطر على القدس لتقلب الوضع، فبعد أن كانت في ظل الحضارة العربية، مدينة للجميع، تريد الصهيونية أن تقفل أبوابها في وجه الجميع.

وخاصة سكانها الأصليين من العرب، على أن يكون باب المدينة مفتوحا للصهيونيين وحدهم، وأن تكون الراية المرفوعة هي راية نجمة داود السداسية وحدها!.

 لا منطق الحضارة، ولا منطق التاريخ، سوف يمكنهم من الأستمرار في هذه المؤامرة على ضمير الإنسان ومشاعره.

حول هذه المدينة، (زهرة المدائن) قدمت (فيروز) والأخوان رحباني فيلما قصيرا مدته ربع ساعة، وهو فيلم يعتمد على أغنية رائعة رائعة كتبها ولحنها الأخوان رحباني، ثم أخيرا قدماها في هذا الفيلم الذي تقوم ببطولته فيروز.

وكل الذين شاهدوا هذا الفيلم بلحنه وتمثيله وكلماته بكوا بدموع حقيقية، وبكيت معهم متأثرين بما فيه من فن هو أقرب إلى صلاة المناضلين والشهداء.

وهو خير غذاء للوجدان العربي في هذه المرحلة التى نمر بها، أنه لون من (الخبز المقدس) الذي يجب أن نأكله في هذه الأيام، ولن أطيل في وصف هذا الفيلم القصير الرائع.

ولن أطيل في الحديث عنه، لأنني مهما وصفته فلن أعطي له صورة حقيقية تتناسب مع قيمته، ولكنني أتقدم إلى الوزير الفنان الدكتور (ثروت عكاشة) بهذا الأقتراح أو بهذا الرجاء أن تطلب وزارة الثقافة هذا الفيلم القصير وتقوم بعرضه في جميع دور السينما عندنا.

ولمدة تمكن جميع المواطنين من مشاهدته، أن هذا الفيلم القصير يعطينا الكثير، ولاشك عندي أن (ثروت عكاشة) بإحساسه الفني والوطني سوف يستجيب إلى هذا الأقتراح أو إلى هذا الرجاء).

بركات لثالث مرة مع (فيروز)

إلى هنا انتهى كلام كاتبنا الكبير الراحل (رجاء النقاش)، وبعد بحث عن هذا الفيلم لنعرف من فريق العمل الذي قام بالعمل فيه، تبين لنا من نسخة موجودة على (اليوتيوب) ناقصة مدتها 8 دقائق فقط، وليس ربع ساعة..

وقاصرة فقط على أغنية (زهرة المدائن) أن الفيلم إنتاج (فينسيا فيلم) تصوير مسعود عيسى، مونتاج محمد عباس، توزيع الشركة المتحدة للتجارة والسينما ببيروت، والإخراج السينمائي للمخرج المصري هنري بركات.

وهذا أكتشاف حيث أن هذا الفيلم لم يذكر في أي كتاب أو حوار فني عن المخرج (هنري بركات) الذي سبق وقدم لفيلم (فيروز) فيلمين بالألوان الطبيعية في نفس عام إخراج فيلم (زهرة المدائن) وهو عام 1967.

وبهذا يكون المخرج (هنري بركات) أخرج لجارة القمر فيروز فيلمين طويلين، وفيلم قصير.