رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: في افتتاح (المتحف): عندما باعت الحكومة (الحضارة) للتجارة

عصام السيد يكتب: في افتتاح (المتحف): عندما باعت الحكومة (الحضارة) للتجارة

عصام السيد يكتب: في افتتاح (المتحف): عندما باعت الحكومة (الحضارة) للتجارة
قلت وكلى ثقة: مش مهم حفل الافتتاح، المهم الافتتاح نفسه

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

في مناسبة افتتاح (المتحف): لى صديق – ربما تعرفونه فقد كتبت عنه عدة مرات – لا يعجبه العجب أو الصيام في رجب ولا حتى رمضان، دايما لا يرى المزايا ولا تلتقط عينه سوى العيوب، و لأنه عصبى إلى اقصى حد وأعصابه دائما مشتعلة، يتعامل مع تلك العيوب بشكل مبالغ فيه..

فيعتبر كل عيب يراه قضية أساسية من قضايا الوطن  يجب تصحيحه فورا وبلا إبطاء، ويمضى في الحديث عن تلك العيوب حتى يمله كل من حوله.

وعبثا حاولت إقناعه بأن يريح نفسه، فكلامه وانفعاله لن يؤدى لشيئ سوى إيذاء نفسه ومن حوله، ولكنه يصر على موقفه ويعتقد أن حديثه  (أضعف الإيمان) الذى لابد منه.

و بمجرد إنتهاء حفل افتتاح المتحف المصرى الكبير وبينما أنا في قمة السعادة بالحدث الكبير وجدت منه اتصالا، فقررت أن أعطيه درسا في كيفية الفرح والابتهاج بالأحداث الكبرى، ولكنى بمجرد أن قلت آلو انفجر في وجهى قائل : عاجبك اللى حصل في حفل الافتتاح؟

قلت وكلى ثقة: مش مهم حفل الافتتاح، المهم الافتتاح نفسه، إن بقى عندنا متحف بكل هذه الضخامة و بيضم كل هذا الكم من الكنوز الأثرية اللى كانت مرمية في المخازن.. حفل الافتتاح ده شيئ ثانوى جنب الحدث الرئيسي ولا يجب يشغلنا عنه، لأن الفن وجهات نظر..

قاطعنى في حدة: هو أنا باكلمك عن العرض اللى قدموه؟.. العرض مكانش وحش قوي، صحيح فيه أخطاء والحس المصرى في الموسيقى والاستعراضات غايب عنه، و النقل التليفزيون مكانش أحسن حاجة، لكن مش دى المشكلة، المشكلة في الاحتفال ككل.

قلت له: ماله الافتتاح ككل؟ مليان ملوك ورؤساء وأمراء و وفود رسمية وحاجة تشرح القلب.. فقاطعنى بشكل أحد من سابقه: عرفت هما مين؟.. بذمتك وأنت قاعد قدام التليفزيون عرفت مين جه ومين ما جاش، مش التسجيل ده وثيقة تاريخية؟ إزاى تبقى منقوصة ومش كاملة ومستوفية؟

عصام السيد يكتب: في افتتاح (المتحف): عندما باعت الحكومة (الحضارة) للتجارة
المصريين كلهم حسوا بالفخر بسبب هذا (المتحف)

المتحف والإحساس بالفخر

قلت: يا سيدى نعرفهم من الجرايد أو أكيد فيه تسجيل تانى كامل عنهم يقدروا يكتبوا عليه الأسامى و لاتزعل نفسك.. رد في ثقة: برضه مش ده اللى مزعلنى، غضبى بسبب حاجة أكبر وأعمق من كده، واسمعنى كده من غير ما تقعد تدافع وخلاص عشان ماتخلنيش اتعصب زيادة.

وقبل أن أقول له اتفضل استكمل كلامه: المصريين كلهم حسوا بالفخر بسبب هذا (المتحف)، الناس احتفلت بيه بطريقتها، من قبل الافتتاح بيومين وهما بيروحوا حوالين (المتحف) يتصوروا و يتجمعوا في الطريق و كل واحد حاسس بالانجاز الكبير و كأنه إنجاز شخصى لكل فرد فيهم..

ده يقولك ان الناس دى بتحس بالانتماء لهذا الوطن وبتفخر بهذه الحضارة حتى لو اللى عملوها قبلهم بسبعة آلاف سنة، وإن ده بقى فخرهم تقريبا الوحيد في ظل ظروفهم الصعبة، وبالتالى كان المفروض الحكومة تستوعب ده و تبنى عليه، تشوف مشروع قومى تلم الناس فيه – على قلب رجل واحد – زى ما حصل أيام حفر قناة السويس الجديدة.

لكن للأسف الحكومة باعت الحضارة للتجارة، وأعطت أسوأ مثال للمصريين، وقدمت لهم رسالة مع افتتاح (المتحف) ربنا وحده العالم نتيجتها ايه؟

قلت له: ما تكبرش بس الموضوع وقولى تقصد ايه؟، قال: المؤتمر الصحفى العالمى اللى اتعمل الصبح وكان فيه رئيس الوزراء كان هدفه ايه؟ انك تقدم السادة الرعاة، تقدم اللى دفعوا و تنسى اللى فكروا واللى خططوا واللى هيبقوا مسئولين؟..

مش المفروض مؤتمر زى ده كان يبقى فيه مسئول من وزارة الخارجية يقول مين هيحضر؟ ومين اعتذر؟، ولو أمكن يقول اعتذر ليه؟ بدل ما يسيب الناس تخمن وتقول إشاعات.. مش كان أولى يبقى فيه صاحب فكرة المتحف يتكلم عنها وعن المراحل اللى تمت والصعوبات اللى قابلتهم؟..

مش كان المفروض يبقى فيه ممثل عن الشركة المنفذة يقولنا حجم الأعمال اللى اتعملت واستخدموا مواد شكلها ايه و حجمها ايه؟.. مش كان الأولى يطلع حد أثرى يقول ايه نوعية الآثار المعروضة داخل المتحف وعددها وليه اختاروها بالذات؟.. مش كان يطمنا ان عرض الآثار بعد كل تلك السنوات مش  يسبب لها اى تلف من اى نوع؟

عصام السيد يكتب: في افتتاح (المتحف): عندما باعت الحكومة (الحضارة) للتجارة
الناس فرحت جدا بافتتاح (المتحف) لكن اللى صدمها هو سعر التذاكر

رسالة للأجيال القادمة

وليه اختاروا طريقة العرض دى بالذات؟ مش كان المفروض يطلع مندوب عن العمال اللى اشتغلوا في بناء (المتحف) يقول كلمة باسم الناس اللى تعبوا وشقيوا السنين دى كلها؟.. الحكومة للأسف نسيت كل ده وافتكرت بس الناس اللى دفعت فلوس وهى قاعدة في مكاتبها المكيفة، ومش بس كده ده، السيد الدكتور رئيس الوزراء اللى بيقدمهم بنفسه !!

لم أستطع أن ارد عليه بكلمة واحدة، فاستمر قائلا: انت عارف بالطريقة دى انت بتوصل أى رسالة للأجيال القادمة؟.. انت بتقول لهم ان الكلمة العليا للمال، خرّب الحياة السياسية في البلد وبعدين ادفع هترجع تتصدر المشهد، حرض على القتل ويتم ادانتك وتتسجن وتخرج تدفع هتتصدر المشهد، سننسى ماضيك وجرائمك مادمت تدفع.

وسوف ننحى الجميع: من فكر ومن خطط ومن صنع وكل من بذل نقطة عرق من اجل المال!!، لقد فكرت الحكومة في المؤتمر الصحفى بطريقة (وكالات الإعلانات).. ادفع و هاعملك إعلان هيشوفه العالم كله، وفي أكبر مناسبة قومية، ومش هاجيب حد جنبك يزاحمك في الصورة، ولا حتى أصحاب الفرح الحقيقيين!!

 لكن للأسف الإعلان لم ينجح ولم يحقق المطلوب بل اتى بأثر عكسي، ليس على مستوى الحاضر فقط بل سيظهر اثره المدمر على الأجيال الجديدة.. واللى زاد وغطى..

قلت له: هو فيه لسه حاجة تانى؟، قال: مع هذه الحكومة لا تتوقف المفاجآت.. انت عارف الناس كانت فرحانة جدا بعد مؤتمر شرم الشيخ، وجت الحكومة كسرت فرحتها برفع سعر البنزين، والناس فرحت جدا بافتتاح (المتحف) لكن اللى صدمها هو سعر التذاكر..

ازاى التذكرة تبقى للمصريين بالمبلغ ده؟ 200 جنيه في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعتبر ثروة.. لو أسرة من 5 أفراد يدفعوا ألف جنيه عشان يشوفوا حضارة بلدهم، ليه دايما الحكومة بتتعامل مع المواطن على أنه (محفظة) تمد ايدها تاخد منه وقت ما تحب..

وياريت بتاخد بالمعقول، انما بتغرف، المفروض دخول المتحف يبقى مجانى للمصريين يوم في الأسبوع أو في المناسبات القومية زى بقية المتاحف، أو على الأقل ترخص التذاكر للمصريين طول الأسبوع ماعدا الإجازات..

إزاى تحقق انتماء المواطن و تكافح الأفكار المتطرفة من غير ثقافة وفن، يا أخى فكر فى العائد المعنوى، ده انت مصدعنا كلام عن التنمية الشاملة والمستدامة وبناء الانسان والحاجات دى كلها، ولا هو كلام و بس!!

هنا وصل الحوار إلى مناطق استشعرت بخطرها، فقلت لصديقى: معلش هاقفل دلوقت.. أصل الباب ( بيخبّط )، وأغلقت التليفون قبل أن يستمر هو في (التخبيط)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.