رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(يوتيوب).. في خدمة الإجرام الإسرائيلي!

(يوتيوب).. في خدمة الإجرام الإسرائيلي!
محاولة لإعاقة أي تحقيق جنائي أو توثيق ميداني يرسّخ الحقيقة ويُثبت مسؤوليتها القانونية

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

في تصريح عابر، مر كغيره من التصريحات مرور الكرام.. أقرّ مسؤول أمريكي للإعلام الإسرائيلي، أن مسألة دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة لا تشكل أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، مما يسمح لإسرائيل بالحفاظ على حظرها باستخدام موقع (يوتيوب).

هذا التصريح العابر.. جاء في وقت لازالت فيه إسرائيل تواصل بشكل منظم ومؤسساتي، تنفيذ سياسة منهجية لطمس الأدلة المادية على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ارتكبتها على مدار عامين في قطاع غزة عبر (يوتيوب) بإجراءات ميدانية وإدارية متسلسلة، تشمل منع دخول الصحفيين الدوليين ولجان التحقيق المستقلة، في محاولة لإعاقة أي تحقيق جنائي أو توثيق ميداني يرسّخ الحقيقة ويُثبت مسؤوليتها القانونية.

كما يأتي استمرار حظر دخول الصحافة الأجنبية إلى القطاع، في إطار سياسة متسقة ومترابطة تُمارسها السلطات الإسرائيلية بأذرعها التنفيذية والأمنية والقضائية، لإبقاء الجرائم خارج نطاق الرصد الدولي وإعاقة أي مساءلة أو تحقيق مستقلّ في الانتهاكات الجسيمة.

كذلك يُعد فرض حظر دخول الصحفيين الأجانب للقطاع، واستمرار تأخير وصولهم، بمثابة فرصة لمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لاستكمال محو الأدلة والشواهد المادية وتدمير ذاكرة الجريمة على (يوتيوب).

اللافت هنا إن المحكمة الإسرائيلية العليا، وفي 23 من أكتوبر الماضي منحت الحكومة الإسرائيلية 30 يوما إضافيا للرد على التماس قدمته رابطة الصحافة الأجنبية في عام 2024 للمطالبة بدخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، والطعن في الحظر الذي تفرضه إسرائيل على دخولهم منذ بدء الحرب على القطاع في السابع من أكتوبر 2023.

(يوتيوب).. في خدمة الإجرام الإسرائيلي!
إسرائيل تخطط لتجديد مرافقة الجيش الإسرائيلي للصحفيين داخل ما يسمى (الخط الأصفر)

(الخط الأصفر)

وخلال جلسة المحكمة، أقرّ المدعي العام الإسرائيلي، بأن (الوضع قد تغير) في القطاع، وأن إسرائيل تخطط لتجديد مرافقة الجيش الإسرائيلي للصحفيين داخل ما يسمى (الخط الأصفر) الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية عند إعلان وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

بطبيعة الحال، لم تقف الحكومة الإسرائيلية عند هذا الحد، بل راحت كى تستعد من جانبها إستباقاً لأي خطوة قد تضطرها للسماح بدخول الصحفيين الأجانب ورفع الحظر عن دخولهم للقطاع.

فبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، وضعت تل أبيب خطة شاملة تشمل الإستعداد التام لـ (حرب دعاية) قبل دخول الصحافة الأجنبية إلى القطاع.

تلك الخطة، تشمل التخطيط لجولات ميدانية للصحفيين الأجانب بإشراف الجيش الإسرائيلي لعرض شواهد مزعومة تبرر حرب الإبادة الجماعية على القطاع.

مع الإستعداد والتجهيز للرد الإسرائيلي على موجة مرتقبة من التقارير الإنسانية في غزة، مما سيؤجج الانتقادات العالمية لإسرائيل ويعزز من اتهامها بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب.

لكن على ما يبدو أن هناك إجراءات على الأرض أكثر من ذلك.. فالمتابع لما يجرى يمكنه الربط بين عدة إجراءات تم تنفيذها مؤخراً ليس على مستوى إسرائيلي الداخلي فحسب، ولكن إجراءات أبعد من ذلك تمتد لخارجها.

(يوتيوب).. في خدمة الإجرام الإسرائيلي!
استجابة للعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)

ترامب في خدمة تل أبيب

على سبيل المثال، ما تم الكشف عنه، قبل أيام عبر موقع (ذا إنترسبت)، الأمريكي عن إغلاق منصة (يوتيوب) قنوات ثلاث منظمات فلسطينية لحقوق الإنسان، وحذفها لمئات المقاطع الخاصة بها، استجابة للعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، الموقع ذاته.

كشف عن أن منصة (يوتيوب) المملوكة لشركة جوجل أقدمت على هذه الخطوة في مطلع أكتوبر الماضي، مستهدفةً ثلاث جمعيات هى (الحق) ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

بحسب (ذا إنترسبت)، هذه الخطوة جاءت ضمن حملة للحكومة الأمريكية تهدف إلى كبح المساءلة عن جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة والضفة، إذ احتوت قنوات هذه المنظمات على ساعاتٍ من اللقطات التي توثق انتهاكات جيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية للقوانين الدولية، بما في ذلك قتل المدنيين الفلسطينيين.

(يوتيوب).. في خدمة الإجرام الإسرائيلي!
قناة المنظمة أغلقت من قبل (يوتيوب) في السابع من أكتوبر الماضي

الرد على (يوتيوب)

بالطبع لم تمر تلك الخطوة غير المستغربة.. مرور الكرام. بل تبعها إنتقاد من جانب المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن، (سارة ليا ويتسن)، معبّرةً عن صدمتها من (قلة شجاعة الشركة)، ومؤكدةً أنه (من الصعب أن نتخيّل أي حجة جدّية تقول إن مشاركة معلومات من هذه المنظمات الفلسطينية لحقوق الإنسان قد تُعد خرقاً للعقوبات)، ورأت أن (الرضوخ لهذا التصنيف التعسفي مخيبٌ للآمال).

كذلك وبدورها، اعتبرت المحامية في مركز الحقوق الدستوري، (كاثرين غالاغر)، أنه من (المعيب أن تساهم يوتيوب في دعم أجندة إدارة ترامب لإزالة الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية)، بهدف حماية رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) بعد صدور مذكرة توقيف بحقه من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

فيما أكّد متحدّث باسم (يوتيوب) لموقع (ذا إنترسبت) أن حذف حسابات المنظمات الثلاث كان نتيجة للعقوبات التي فرضتها عليها وزارة الخارجية الأمريكية، بسبب تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية في الدعاوى المرفوعة ضد مسؤولين إسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم حرب.

كما أشار متحدث باسم (مركز الميزان) الفلسطسينى إلى أن قناة المنظمة أغلقت من قبل (يوتيوب) في السابع من أكتوبر الماضي من دون أي إنذار مسبق، وأضاف: (إغلاق القناة يحرمنا من الوصول إلى من نطمح لإيصال رسالتنا إليهم وتنفيذ مهمتنا، ويمنعنا من تحقيق أهدافنا ويقيّد قدرتنا على الوصول إلى الجمهور الذي نريد أن نتشارك معه رسالتنا).

فيما أفاد متحدث باسم (منظمة الحق) أن قناتهم حُذفت في الثالث من أكتوبر مع رسالة من المنصة تفيد بأن (المحتوى ينتهك إرشادات يوتيوب).

وقالت المنظمة في بيان إن إغلاق القناة من دون تحذيرٍ مسبق (يعد فشلاً خطيراً المبادئ وتراجعاً مقلقاً لحقوق الإنسان وحرية التعبير)، مضيفةً: (تُستخدم العقوبات الأمريكية لإعاقة جهود المساءلة بشأن فلسطين وإسكات الأصوات والضحايا الفلسطينيين، وهذا ينعكس أيضاً على المنصات التي تعمل تحت هذه الإجراءات، فتساهم في إسكات الأصوات الفلسطينية أكثر فأكثر).

وبدوره، رأى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي تصفه الأمم المتحدة بأنه أقدم منظمة حقوقية في غزة، أن قرار (يوتيوب) يصب في خانة (حماية الجناة من المساءلة).

(يوتيوب).. في خدمة الإجرام الإسرائيلي!
قالت (ويتسن) إن (إدارة ترامب تركّز على الرقابة على المعلومات المتعلقة بفظائع إسرائيل في فلسطين

الرضوخ لمطالب ترامب

وقال مسؤول المناصرة الدولية والمستشار القانوني في المركز (باسل الصّوراني) إن قرار إغلاق القناة (واحدٌ من النتائج الكثيرة التي واجهناها منذ أن قررت الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على منظمتنا بسبب عملنا المشروع).

كما انتقد اتهام (يوتيوب) للمنظمة بعدم الالتزام بتعليمات المنصة، مؤكداً أن (عملنا في جوهره عبارة عن تقارير واقعية قائمة على الأدلة حول الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، خصوصاً منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة)، واتهم القائمين على موقع الفيديوهات بـ (المشاركة في إسكات أصوات الضحايا الفلسطينيين).

وقدّر  موقع (ذا إنترسبت) عدد المقاطع المحذوفة من القنوات الثلاث بـ 700 فيديو، تنوّعت بين تحقيقات وشهادات لأسرى فلسطينيين وأفلام وثائقية.

علماً أن بعض هذه المقاطع لا تزال موجودة على منصات أخرى مثل (فيسبوك) و(فيميو)، كما أن المقاطع التي أُنتجت من قبل هذه المنظمات ونُشرت على قنواتٍ أخرى على (يوتيوب) ما زالت موجودة.

ورغم ذلك تخشى المنظمات أن تستهدف الفيديوهات المنشورة على منصات أخرى بالحذف قريباً، خاصةً أن الكثير من هذه الخدمات موجودة في الولايات المتحدة حيث فرضت عليها العقوبات.

ومنذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق (نتنياهو) وزوير الدفاع الإسرائيلي السابق (يوآف غالانت) في نوفمبر 2024، رفضت إدارة بايدن وبعدها إدارة ترامب الاعتراف بشرعية الاتهامات. واتخذ ترامب إجراءات عدوانية ضد أعضاء المحكمة وموظفيها وفرض عقوبات على عددٍ منهم، إضافةً إلى المنظمات الفلسطينية الثلاث التي تعاونت معهم.

وقالت (ويتسن) إن (إدارة ترامب تركّز على الرقابة على المعلومات المتعلقة بفظائع إسرائيل في فلسطين، والعقوبات المفروضة على هذه المنظمات صُممت عمداً لجعل الارتباط بها أمراً مخيفاً للأمريكيين الذين قد يقلقون من قوانين الدعم المادي).

بالطبع، ليست المرة الأولى التي تظهر فيها شركة (يوتيوب) استعدادها للامتثال لمطالب ترامب وإسرائيل، إذ سبق لها أن نسقت مع حملة نظمها عاملون في مجال التكنولوجيا الإسرائيليون لإزالة المحتوى الانتقادي لدولة الاحتلال.

كما اتهمت في فترات سابقة بفرض رقابة على المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية. كما أغلقت في وقت سابق من العام الحالي قناة (جمعية الضمير لدعم الأسرى)، بعد ضغوط من محامين مناصرين لإسرائيل في بريطانيا.

كما حذّرت (ويتسن) من أن رضوخ (يوتيوب) قد يشكّل سابقةً تدفع شركات أخرى إلى الانصياع للرقابة، مضيفةً: (إنهم يسمحون فعلياً لإدارة ترامب بأن تملي عليهم أي معلومات يشاركونها مع الجمهور العالمي، والأمر لن يتوقف عند القضية الفلسطينية).

إجمالاً.. من المتوقع أن يشهد قطاع غزة والفضاء الإلكترونى والإعلامي الدولى .. مزيداً من الخطوات والإجراءات والمخططات الإسرائيلية والأمريكية الهادفة إلي تشويه الحقيقة وطمس الحقائق وإخفاء جرائم ارتكبتها إسرائيل بالتعاون مع واشنطن طيلة عامين متتابعين داخل القطاع..فهل يبادر العالم العربي وإعلامه الواسع بخطوات مضادة الهدف منها الحفاظ على الدم الفلسطيني.. وللحديث بقية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.