
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
إن مسرح (الأراجوز) – ذو الطابع والشخصية – المصري، كان من أهم وسائل الترفيه عند المصريين في الماضي، وهذا ما يؤكد عليه الرحَّالة (نيبر) أثناء رحلته إلى القاهرة بقوله: (يوجد عدد قليل من اللاعبين يقدمون مسرح الدمى، ومع ذلك فهو شائع جدا، ويمكن أن تقابل هؤلاء اللاعبين في جميع الشوارع، وهذا العرض التمثيلي يمثل فوق مساحة خشبية ضيقة جدا..
عبارة عن صندوق خشبي مربع، يمكن للمؤدي حمله إلى أي مكان يؤدي فيه العرض، واللاعب يوجه الشخصيات (الدمى) من خلال ثقوب في الصندوق ويصنع الأداء اللازم لحركاتهم بواسطة أسلاك تتخلل الثقوب المغطاة في الصندوق، وبواسطة ألة في فمه، يطلق الصوت الصاخب المسئول عن المساحة الصوتية للشخصيات).
وهذه الطريقة المستخدمة في طريقة تحريك (الأراجوز) كانت تتماثل مع طريقة العرض في عهد سلاطين المماليك؛ حيث يوضح لطفي أحمد نصار في كتابة وسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك في مصر بأنه (تجدر الإشارة ولو في عجالة سريعة إلى هذا الفن باعتباره فنا تزامن مع فن خيال الظل فترة في أواخر عصر سلاطين المماليك..
وهو يمثل بواسطة دمى من الخشب أو الجص متحركة الأعضاء، وهي تتحرك بواسطة خيوط تشد أسفل المنضدة الموضوعة عليها تلك الدمى ويصاحب حركتها حوار يلقيه صاحب القره جوز الذي ينغم صوته تبعا لمقتضيات الموقف).
ويبدو أنه حدث تطور في تحريك عرائس (الأراجوز)، ففي عصرنا الحالي تكون العروسة على شكل قفاز وتحرك من خلال أيدي اللاعب بينما في الماضي كانت تحرك بواسطة خيوط أو أسلاك، ولكن طريقة التمثيل الصوتي ظلت كما هى، حيث إن مع الفنان آلة تسمى (الأمانة).

مسرح الأراجوز
ويوضح د. نبيل بهجت هذه الألة بأنها (عبارة عن قطعتين من المعدن يصنع بينهما تجويف ويوضع بداخلهما شريط من القطن يشد كوتر داخل هذا التجويف، حيث يوضع طرفه على ظهر إحدى القطعتين، ثم يشد على التجويف ثم توضع القطعة الأخرى ويلف الشريط عليهما أكثر من مرة.
وبذلك يصبح لدينا ما يشبه الآلة الموسيقية ذات الوتر الواحد، يضعها اللاعب في سقف الفم لإحداث الصوت المميز للأراجوز “
النص الأدبي التمثيلي للأراجوز يسمى نِمْرَة، وقام د. نبيل بهجت بجمع نمرة من نمر (الأراجوز) في كتابه (الأراجوز) المصري نذكرها فى هذه المقالة، ونجد أن الشخصية الرئيسة لهذه النِمَر هى (الأراجوز) وقام.
أما عن باقي الشخصيات فهى ابن (الأراجوز) – زوجته نفوسة (يطلق عليها البعض زنوبة) – زوجته السمراء بخيتة (يطلق عليها الست القمر) – الفتوة – حمودة الأقرع وأخوه – الأستاذ – البربري – الخواجة – موشي ديان – العفريت – الطبيب – الشاويش – الحانوتي – الداية – فنان بالعافية، (الشيخ محمد) – الشحات، وأطلق عليه لاعب (الأراجوز) اسم (الشيخ) – (كلب السرايا – الزبون – والد الزوجة – اللص).
هذا بالإضافة إلى عدد من الشخصيات نسمع عنها ولا نراها مثل: عديلة في (الفتوة الغلباوي) ووالد الأراجوز في (الشحات).
ونِمَرُ (الأراجوز) تتخذ شكل الحوار بين (الأراجوز) والشخصيات السابقة:
جزء من نِمْرَة جواز بالنبوت:
(الأراجوز): سلامو عليكم.
الملاغي: عليكم السلام.
(الأراجوز): (يغني مع الطبلة: أنا قلبي داب طلب الوصال.. يرقص وينام على البرَفَان ثم ينهض وهو يردد وأنا مالي).
الملاغي: وانت مالك إيه؟.
(الأراجوز): أنا عاوز أتجوز.
الملاغي: عايز تتجوز ؟
(الأراجوز): وأنا مالي.. (يضرب رأسه في البَرفَان ويرقد على جنبه وبطنه).
الملاغي: وانت مالك إيه ؟
(الأرجوز): جوزني!
وطريقه عرض (الأراجوز) بسيطة إذ دائما تبدأ بغناء (الأراجوز)، ثم ينتقل إلى النِمرَة المُمَثَّلة.

ماهية الممثل الشعبي
وبهذا نكون قد استعرضنا الكيفية التي تتم بها العملية الإبداعية المسرحية الشعبية، والأشكال المسرحية الشعبية الناتجة عن ذلك الإبداع الشعبي، ومن تلك الأشكال نستطيع التعرف على ماهية الممثل الشعبي، وأنواع هؤلاء الممثلين وتخصصاتهم داخل مجال المسرح الشعبي.
أما عن معنى اسم (الأراجوز) وتوجد من الآراء ما تنسب اسم (الأراجوز) إلى وزير صلاح الدين الأيوبي قراقوش؛ حيث (يذهب البعض إلى أن كلمة أراجوز هى تحريف لكلمة قراقوش. يقول شيخ فناني الأراجوز بمصر الآن).
يذكر د. نبيل بهجت عن (مصطفي عثمان مصطفي عثمان)، (الشهير بصابر المصري)، في حواره على لسان الأراجوز: (أنا الأراجوز ابن الملك قراقوش)، في إشارة إلى العلاقة بين هذا الفن وبين شخصية بهاء الدين قراقوش وزير صلاح الدين الأيوبي، الذي أصبح مضرب المثل في الظلم والغباء.
ويقال أنه بعد انتهاء عصره أخذ الناس يتندرون به ويتغنون بالسخرية من مظالمه وسموا الفن الذي يشخص باسمه انتقاما منه” بخلاف بعض الآراء التي ترى أنه تركي الأصل.
ومهما تعددت الآراء إلا أن (الأرجوز) اتخذ طابع شخصي مصري في الحياة الشعبية، ومازال له وجود في الحياة المصرية ويقدم في المسرحيات المصرية عن طريق توظيفه داخل العروض، وتقام ورش كثيرة لتعليم فن (الأراجوز).