رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!

(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!
أحد النجوم الزاهرة في صفحة الكوميديا من أولئك الذين يدركون فلسفة الضحك وتأثيره في نفوس البشر
(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!
محمد حبوشة

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

يبدو واضحا أن لدينا جيل – بل أجيال – تمشى بلا جذور، ثقافة ضحلة وغرور طافح بجهله التاريخى، هؤلاء يمكن قطعا – كما رأينا – أن يصنعوا غضبا وأن يفجروا احتجاجا وأن يتخذوا مواقف مذهلة، لكنهم – كما نرى – لا يبنون وطنا، لأنهم نسوا التاريخ فأنساهم أنفسهم!.. هذا الكلام يذكرني بأزمة نسيان الفنان الكوميدي الكبير(محمد عوض) في كليب تامر حسني (كان يا ما كان).

نسيان ذكر مآثر قامة فنية سامقة مثل (محمد عوض) وغيره من نجوم أمتعونا في زمن الفن الحقيقي لا يمكن أن تصنع المستقبل في مصرنا الحالية، خاصة إذا كنت جاهلا ليس فقط بل مستخف (وخفيف) بتاريخ نجوم زاهرة في صفحة الكوميديا من أولئك الذين يدركون فلسفة الضحك وتأثيره في نفوس البشر.. تلك الفلسفة التي عرفها أديبنا الكبير عباس محمود العقاد: بأنها (ملكة إنسانية فلا يضحك إلا إنسان، وما من شيء يضحكنا إلا أن يكون إنسانيا).

فبحسب أفاعيل مراهقي الفن في السوشيال ميديا وغيرها من وسائل الفن.. زمن العصف بكل القيم في الفن والحياة بصفة عامة، يمكنك التقاط أن العقول المصرية تقوم الآن بأكبر عملية إطلاق غازات فكرية مثيرة للضحك والتهكم والتأفف فى توقيت فى منتهى الخطورة والحرج، على جناح تجاهل رموزنا الفنية التي أضحكت (طوب الأرض) من فرط إبداعهم الحقيقي.

ظني أن القائمين على صناعة كليب (كان يا ما كان) لتامر حسني إنما هم يتمتعون بقدر من الكراهية لكل ما هو جميل في زمن الفتوة المصرية، لذا تجاهلوا (محمد عوض)، وغيره من أساطين المسرح الحقيقي، وإحدى ثمار هذا السلوك يأتي نتيجة الإحساس بانعدام المسؤولية عند استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة كفن الفيديو كليب في التوثيق للرموز.

(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!
مع رشدي أباظة في فيلم (باي باي يا حلوة)

الشعور بالحرية الزائفة

وما من ريب في أنها تفعل الأفاعيل في إثارة الحقد والبغض المضاد، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، وهنا وفي سبيل التخلص من تلك الآفات، فإن الواجب يقع على عاتق أهل صناعة الفن حاليا، عن طريق الشرح والتوضيح، ووضع سدود منيعة لعدم الانجرار مع المراهقين وراء الإغواء واللذة المؤقتة من الشعور بالحرية الزائفة.

فضلا عن نشوة التعدي على كرامة الآخرين وكسر هيبتهم تخيلا بأن كل شيء إلكتروني مباح.. يسمح لك بالتعدي على رموز فنية حققت المتعة التي ماتزال آثارها تنسحب على واقعنا المرير، وما الله بغافل عما يعملون.

إهمال رموز الفن هو أزمة مصرية حقيقية  تنبئ بضياع الهوية، حين تتجلى في جدل مستمر حول نظرة الأجيال الجديدة للفنانين الكبار، كما حدث مؤخرا مع نسيان أو إهمال منجز (محمد عوض) المسرحي – أكثر من 100 مسرحية – غير أعماله السينمائية والإذاعية والتلفزيونية.

ويعكس هذا إشكاليات أعمق في تقدير الإرث الفني والتاريخي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تحويل الخلافات الفنية إلى قضايا رأي عام، وغياب الوعي بأهمية ترسيخ قيمة الرموز الفنية في المجتمع.

تبدو لي مظاهر الأزمة في أنه أصبح من المألوف أن يتعرض الفنانون الكبار، سواء كانوا أحياء أو أموات، لانتقادات واسعة من جيل جديد يرى أن أعمالهم لم تعد تلبي اهتماماتهم، ويبدو واضحا أيضا أن منصات التواصل الاجتماعي ساهمت في تحويل الجدل الفني إلى قضايا رأي عام، مما يؤدي إلى استقطاب وتضخيم الآراء.

إن غياب الوعي بأهمية تقدير الرموز الفنية وتأثيرها على الهوية الثقافية والفنية للمجتمع المصرية صنع بالضرورة الاختلافات بين الأجيال في الذوق الفني والثقافي، مما يسبب سوء تفاهم بين الأجيال، كما حدث مع أزمة نسيان (محمد عوض) ذلك الفيلسوف لذي لم ندرك قيمته حتى الآن في زمن الشتات الإلكتروني.

ياسادة انتبهوا: الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تؤدي إلى تدهور القيمة الفنية في المجتمع المصري، وتركز على القضايا الحياتية بدلا من القضايا الفنية، حين تحول مفهوم النقد الفني من تقييم العمل الفني إلى هجوم شخصي على الفنان نفسه.

علينا الآن.. الآن وليس غدا: توعية الأجيال الجديدة بأهمية الرموز الفنية والتاريخ الفني المصري، وتشجيع النقد الفني الهادف والبناء بدلا من الهجوم الشخصي، والعمل على ترسيخ قيمة الرموز الفنية في المجتمع المصري عبر المدارس والجامعات والمؤسسات الفنية.

(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!
وهو طالب مع الفنانة ماري منيب التى ساندته

الأزمة لها أبعاد مختلفة

يجب تشجيع الحوار البناء بين الأجيال المختلفة لتجاوز الاختلافات الفنية.. نعم يشكل إهمال رموز الفن في مصر قضية متكررة ومثيرة للجدل، تتجدد مع كل حالة إهمال أو وفاة لفنان قدير يعاني في صمت.. هذه الأزمة لها أبعاد مختلفة.

تتضح الأزمة في أنه يعاني العديد من الفنانين الرواد، خاصة أولئك الذين ابتعدوا عن الأضواء أو لم يحققوا ثروات تجارية، من أوضاع صحية ومعيشية صعبة في سنواتهم الأخيرة. وتُثار قضايا حاجتهم للرعاية الصحية أو الدعم المادي، مما يفتح الباب لانتقادات حول دور النقابات الفنية والدولة في توفير شبكة أمان كافية لهم.

لا تقتصر الأزمة على الجانب المادي، بل تمتد إلى عدم توثيق وحفظ مسيرة وإرث بعض الفنانين بالشكل اللائق مثل (محمد عوض)، مما يهدد جزءا من التراث الفني المصري.. الكارثة أنه غالبا ما تتفاعل وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي مع هذه الحالات، مما يضع النقابات والجهات المسؤولة تحت ضغط شعبي كبير للمطالبة بتكريمهم ورعايتهم.

رغم وجود مبادرات حكومية وشعبية لدعم الفن والفنانين، مثل (صندوق تحيا مصر) أو (مبادرات وزارة الثقافة المختلفة)، إلا أن هناك شعورا عاما بعدم كفاية الدعم المقدم لضمان (حياة كريمة) لجميع الرموز الفنية، خاصة كبار السن منهم، بشكل مستمر ومستدام وليس فقط في المناسبات، ومن هنا أطالب بعودة (عيد الفن) بهدف تويثق تكريم رموزنا الفنية كي تعي الأجيال الحالية قيمتها ومنجزها الفني الرفيع.

تتفاقم الأزمة أحيانا بتصريحات توصف بـ (المسيئة)، أو المنتقدة لتاريخ وقيمة بعض رموز الفن، مما يجدد النقاش حول التقدير المجتمعي والفني لهؤلاء الرواد أمثال (محمد عوض)، الذي أثار الجدل خلال الأيام الماضية جراء نسيانه أو عدم ذكره بالشكل الذي يليق بفنه الرفيه، الذي مازال لايرواح مكانه مع تكرار إذاعة أو بث أعماله.

باختصار: يظل إهمال رموز الفن قضية مؤرقة في مصر، تعكس تحديات في التقدير المادي والمعنوي والحفاظ على الإرث الثقافي والفني للبلاد.

كان قد أثار الكليب الذي قدمه الفنان (تامر حسني)، خلال حفل افتتاح مهرجان المسرح المصري موجة من الجدل والغضب داخل الوسط الفني، بعدما تجاهل ذكر عدد من رواد المسرح الكبار الذين أسهموا في تأسيس تاريخه وصناعة مجده، ولست ألومه شخصيا بل ألوم القائمين على صناعته على عجل دون مراعاة الدقة في الاختيار والتقييم الذي يليق بقاماتنا الفنيىة الراسخة في التربة المصرية.

(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!
مع نجم مسرح الريحاني عادل خيري

إبداع فني لايفنى

وجاءت أبرز الانتقادات من المخرج (عادل عوض)، نجل الفنان الكبير (محمد عوض)، الذي عبر عن صدمته مما وصفه بـ (تجاهل فادح وغير مبرر) لتاريخ والده وأساتذة المسرح المصري، الذين أضاءوا حياتنا بفرط من إبداعهم الذي لايفني، بدليل الاستعانة بمقاطع في أعماله في كوميكس على مختلف وسائل السوشيال ميديا.

قال المخرج (عادل عوض في خلال تصريحاته الصحفية: (إنه تابع الكليب في بدايته بسعادة، خاصة مع ظهور أسماء كبيرة مثل (محمد صبحي ويعقوب صنوع وجورج أبيض وفؤاد المهندس)، لكنه فوجئ بانتهاء الفيديو دون أي إشارة لوالده، رغم أنه أحد أهم أعمدة المسرح المصري.

وأضاف: (صدمت من تجاهل اسم والدي، الرجل الذي أفنى عمره في خدمة المسرح وقدم ما يقرب من مئة عمل تُدرس حتى اليوم في معاهد الفنون)، واستعرض (عوض) أبرز أعمال والده التي أصبحت من كلاسيكيات المسرح المصري والعربي، منها: (القاهرة 80، ثرثرة فوق النيل، المهزلة الأرضية، يا طالع الشجرة، جلدفان هانم، شهرزاد، كنت فين يا علي، نمره 2 يكسب، راسب مع مرتبة الشرف، الكلمة التالتة، مركب بلا صياد، وأخلص زوج في العالم.)

انتقد عوض الكليب قائلا: (من أعطى الحق لتامر حسني لتغيير خريطة المسرح المصري؟.. كيف يقدم بعض الفنانين في فيديو الافتتاح على حساب رموز كبار أثروا وجدان الأجيال؟، وأشار إلى أن أسماء كبيرة (مثل محمد رضا، توفيق الدقن، خيرية أحمد، أمين الهنيدي، وثلاثي أضواء المسرح)، تم تجاهلهم تماما، في حين شملت اللقطات فنانين محدودي التجربة المسرحية.

وفي ختام حديثه، وجه المخرج (عادل عوض) رسالة قوية إلى إدارة المهرجان، قال فيها: ما حدث جريمة فنية وتاريخية لا يمكن السكوت عنها، أتساءل: (من منح تامر حسني الإذن لتغيير خريطة المسرح المصري؟، وأين كان المشرفون الذين سمحوا بعرض هذا العمل أمام الجمهور؟، لن نصمت على هذا التجاهل الجسيم لرموزنا الفنية التي صنعت هوية المسرح المصري).

(محمد عوض).. فيلسوف الضحك الذي استعصى على ذاكرة الجهلاء!
مع سعا حسني في فيلم (حواء والقرد)

صناع فعاليات زمن التفاهة

عندئذ أتوقف مع تصريحات (عادل عوض) التي أعلن انحيازي لها، ولكني لا ألوم (تامر حسني)، بل ألوم (زمن التفاهة) التي أصبحت صناعة عظمى جعلتها عملية منهجية لإنتاج محتوى سطحي وهادف ظاهريا، يهدف إلى جذب الانتباه السريع والانتشار الواسع، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه الصناعة تعتمد على إثارة المشاعر والعواطف بدلا من تقديم معلومات عميقة أو تحليل جاد.. يتسبب انتشارها في تآكل الوعي النقدي، وإضعاف القيم الفكرية والأخلاقية، وصناعة الفعاليات الفنية من جانب (نجوم التفاهة) كرموز للنجاح بدلا من أصحاب الإنجازات الحقيقية.

نعم ألوم صناع الفعاليات الفنية في (زمن التفاهة)، ويخطئ الكثيرون حينما يفصلون هذه الإنتاجات عن الاهتمام الجماهيري، حيث يعتقد المتابع أن هناك سيطرة من جهة واحدة، التي تنتج المحتوى فقط، ويبقى المتابع هو الحلقة الضعيفة التي تستهلك فقط، وتشتكي من قلة الذوق والتفاهة، أو تشجع الإبداع والرقي.

لكن بوصول هذا المحتوى إلى حائطك الفيسبوكي، أو صفحتك على اليوتيوب، يكون قد مر بالعديد من المراحل قبل أن يصبح مادة للمتابعة والإعجاب أو الانتقاد، لقد أصبحت أزمة إهمال رموز الفن في زمن السوشيال ميديا، أصبحت ظاهرة تستحق التأمل طويلا، باختصار: (لأن من فات قديمه تاه).

وفي النهاية: قلبي مع المخرج الكبير (عادل عوض)، صاحب الـ 1200 فيديو كليب، غير أعمال السينمائية، وأؤكد له: سيبقى (محمد عوض) رمزا فنيا راسخا في الضمير المصري، وحتما سينصفه التاريخ يوما، مهما استعصى على ذاكرة الجهلاء، حين يعتدل ميزان الفن الحقيقي.. ذلك الفن الذي يبني ولا يهدم.. فصبرا يا أخي المبدع الذي أثبت أن ابن الوز عوام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.