


بقلم الناقد الفني: رضا العربي
في زمنٍ تتزاحم فيه الوجوه على الشاشات تبقى (هالة أنور) وجهًا من تلك الوجوه التي لا تُشاهد فحسب، بل تُحسّ حضورها ليس مجرد أداء تمثيلي بل طاقة من صدقٍ إنسانيٍّ نادر تخرج من أعماق امرأة تعرف كيف تُشعل الصمت، وكيف تروي الحكاية بعينيها قبل لسانها.
في كل دورٍ تؤديه (هالة أنور) تشعر وكأنها تكتب فصلاً من روايةٍ طويلة عنوانها الصدق الفني، لا تُغالي لا تُصطنع بل تمشي بخطى واثقة بين الواقع والحلم.. كأنها تعرف تمامًا أن الفن الحقيقي لا يُقال.. بل يُعاش.
(هالة أنور) ليست مجرد ممثلة.. إنها حالة دفءٍ على الشاشة حين تبتسم.. تشعر أن الضوء وجد سببه، وحين تحزن يتلبّسك وجعٌ شفيف كأنك تشاركها الحكاية في عينيها عمقٌ من الحكمة، وفي صوتها نبرة امرأة تعرف الحياة ذاقت مرارتها وعرفت عذوبتها.. ثم خرجت منها أكثر نقاءً.


بصمة من نورٍ ناعم
لقد استطاعت (هالة أنور) أن تُعيد إلى الأداء المصري روحه القديمة: تلك البساطة التي تُشبه القلب.. وذلك العمق الذي يجعل المشهد العابر يتحول إلى ذكرى، إن حضورها الفني ليس مجرد تجربة عابرة.. بل بصمة من نورٍ ناعم تُضيء الوجدان وتترك أثرها في القلب طويلاً بعد أن يُغلق المشهد.
هى فنانة تُجيد الإصغاء لروح الشخصية.. حتى لتظن أنها وُلدت معها في كل دورٍ جديد.. تولد من جديد.. لذلك، لا يمكن أن تراها مرتين بنفس اللمحة، فكل مرة تتغير كما تتغير الفصول وتبقى رغم التغيّر.. هالة أنور النور الذي لا يخفت.
ليست (هالة أنور) مجرد ممثلةٍ تعبر على الشاشة بل هي نبضٌ من الضوء حين يتجسّد في ملامح أنثى تعرف كيف تُنصت للحياة قبل أن تؤديها.. في عينيها شيء من السكينة، وفي صوتها بحة تشبه حنين المساء حين يتحدث عن الحب لأول مرة.
إنها ليست من الممثلات اللاتي يعتمدن على الزينة أو الصخب.. بل من اللواتي يصنعن الأثر بالصدق، وبذلك الحضور الخفي الذي لا يُرى بالعين وحدها بل يُحسّ بالقلب.


أدائها يفيض بالكلام
(هالة أنور)، حين تدخل مشهدًا لا تمثل بل تعيش وكأنها تستدعي من داخلها وجع الشخصية وفرحها شجنها وضوءها.. لتمنحها للمشاهد كأنها هدية من روحها.. كل نظرة منها تحمل معنى وكل صمتٍ في أدائها يفيض بالكلام.. فيها ذلك النقاء الذي يشبه فجرًا يتسلل بهدوء ليعيد للأرض معناها بعد العتمة.ليست شهرتها في الأضواء فقط، بل في تلك اللمسة الإنسانية التي تتركها بعد انتهاء الدور.. خلف الكاميرا تظل (هالة أنور) هى ذاتها: امرأة تؤمن بأن الفن رسالة تهذّب الوجدان وتوقظ ما نام من مشاعر الناس.
في زمنٍ صارت فيه الملامح تُستنسخ بقيت (هالة أنور) مختلفة حقيقية تمتلك فرادتها مثل لحنٍ لا يُشبه سواه.
باختصار: هى هالة… اسمها يشي بما فيها نورٌ يلتفّ حوله المعنى.. وصدقٌ لا يشيخ وعذوبة تجعل الفن أكثر إنسانية.