
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
كان لابد أن أنتظر قليلاً – على الأقل لحد ما يبرد الترند – حتى أناقش موضوع صار قديمًا وقد لا يذكره أو يهتم به أحد، لأنه مضى على الترند الخاص به ما لا يقل عن أسبوعين ويجوز أكثر، فالكتابة تحت سطوة الترند لابد أن تأتى بنتائج أكثر حماقة من مبدأ الترند نفسه، والموضوع متعلق بأزمة وجود صحفي أجنبي يدين بالديانة اليهودية، في لجنة جائزة (نجيب محفوظ) التى تمنحها الجامعة الأمريكية في ختام مسابقة لاختيار الرواية الفائزة.
وقد آثرت التأجيل لأن الطرح الذي ألقى به هنا، لا صلة له باليهودية ولا الصهيونية، ولا حتى الموقف من القضية الفلسطينية من الأصل).
فذلك له مجال آخر لا أناقشه هنا، إنما قضيتي تتعلق بما أراه أكثر أهمية من مناقشة طرح ساذج طغى على ذلك الترند، حول سؤال: هل الأستاذ الصحفي الذي تم اختياره يهودي متعاطف مع القضية الفلسطينية شأن كثيرين من اليهود، أم هو عنصر صهيوني مدسوس على الوسط الثقافي المصري؟
[قال يعنى لو مدسوس وصهيونى، ممكن يعلن كده وممكن كمان توصل إلى التوقع بأنه ممكن يسلم نفسه يسبب إلحاح من ضميره يا عيني😂].
لكن المشكلة عندي يا حضرات، في اسم الجائزة وارتباطه بالجهة المانحة لها.
يعنى في (نجيب محفوظ) والجامعة الأمريكية!.
ليه بقى؟!
لأنه من الأساس وضع جائزة من جامعة أجنبية في حد ذاته، هو موضوع يثير الريبة، حتى مع التسليم جدلاً بالادعاء القائل بأن اختيار الاسم كان سببه أن الأديب الكبير (نجيب محفوظ) قد صار عالمياً، على الأقل منذ حصوله على جائزة نوبل في الأدب سنة ١٩٨٨، ولم يعد ملكاً لمصر وحدها ولا حتى للأدب العربي وحده!

اختراق الوسط الثقافي
(وحياتك لو ركزت في الزاوية دى، ستجد أن هذا هو المنطق نفسه الذي الذي يتم به تبرير الاستيلاء على الآثار المصرية وعرضها في المتاحف الكبري أو بالاحتفاظ بها في خزائن سرية لدى كبار أثرياء العالم من مهربي أو عشاق اقتناء التحف الأثرية، سواء الخارج منها من مصر بطرق شرعية قبل صدور قوانين تحريم وتجريم بيع وإهداء الآثار، أو التي تم تهريبها بغير الطرق الشرعية قبل وبعد التحريم والتجريم).
لكنى أرى أن أصابع الاتهام باختراق الوسط الثقافي بسبب هذه الجائزة، يمكن توجيهها إلى الجامعة الأمريكية وليس إلى عضو من هنا أو هناك، يثير جدلاً حول طبيعة مهمته في مصر.
ووجوده بكثافة وبإلحاح، في كثير من المنتديات الأدبية وارتباطه بعلاقات وثيقة مع بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية، بجانب صداقاته مع بعض الأدباء والكتاب والنقاد والصحفيين من الصفوف الأولى في الأوساط الثقافية المصرية والعربية.
فهذه النوعية كثيرة ومتوافرة في الأوساط الثقافية والإعلامية بما لا يمكن إنكاره!
ولا أدرى هل سبق أن وافقت مصر أو تم استطلاع رأيها أو إحاطتها علماً (كدولة) على اسم الجائزة باعتبار أن السيد المواطن (نجيب محفوظ) كان يحمل حتى وفاته، الجنسية المصرية ولم يحمل غيرها قبل الوفاة أو بعدها!.
فهل تم الاتصال بالدولة المصرية بخصوص هذا الموضوع، عبر إحدى مؤسساتها الثقافية وفي مقدمتها وزارة الثقافة، أم أن (الدولة المصرية) لم تهتم بهذا، بل ربما وجدته نوعاً من الدعاية لها بجانب التكريم للأديب الراحل (نجيب محفوظ)؟!
عموماً (هو ذا قد صارت جائزة أدبية باسم (نجيب محفوظ) بحكم الأمر الواقع، تمنح من داخل الجامعة الأمريكية في قلب العاصمة المصرية وتعطى للفائز بها في احتفال علنى!).
حقاً لا أجادل في أن الجامعات كيانات تعليمية وعلمية وثقافية، تتخذ الطابع الدولى، لكننا نعلم جميعاً أن الجامعة الأمريكية قد لعبت أدواراً تجاوزت كل ذلك!.
ولنا في تجربة يناير 2011 وما بعدها، عبرات وعبرات ومحن وإحن!
فلقد سبق أن استفز نشاط الجامعة الملحوظ بين صفوف الجماهير، السلطات المصرية في تلكم الفترة، مما دفعها إلى إصدار بيان شديد اللهجة خاطبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، عن طبيعة دور الجامعة الأمريكية، خاصة بعد رصد عناصر – غير مصرية وبعيدة عن الطلاب المصريين بالجامعة، تقوم بأدوار ليس لها أى علاقة بالأمور التعليمية أو العلمية أو الثقافية!

قلب ميدان التحرير
ولا ينكر إلا أعمى أو يدعى العمى، هذا الدور، لاسيما من كان ينظر إلى سطح مقر الجامعة القديم في قلب ميدان التحرير!
ونرجع مرجوعنا حول الجائزة التى كان يمكن أن تتسمى مثلاً باسم (جائزة الجامعة الأمريكية بالقاهرة) أو أى اسم آخر.
فعلى سبيل الفرض جدلاً، هل من حق جامعة كالقاهرة أو عين شمس أو أسيوط أو جنوب الوادي، أن تفتح فروعاً لها بنيويورك، لتدشن جائزة باسم (بنيامين فرانكلين) أو (أو هنرى؟!
بصراحة حتى لو من حق أى مؤسسة أجنبية أن تفعل ذاك في مصر تحت أى مبرر، إلا أنه عند الجامعة الأمريكية، لابد أن نتوقف طويلاً!
وطبعاً أنا لا أتهم الجامعة ككيان تعليمي – لا سمح الله – بل أتجاوزها في الاتهام ولكن لأوجهه إلى أمريكا الأم ذات نفسها، لأننا نعلم جيداً أن أمريكا الأم لا تتورع – تحت ضغط البرجماتية أن تفعل كل شيء وأى شئ ولا ننسى أن البرجماتية نفسها هى فلسفة نشأت في المهد الأمريكي ذاته!.
………..
يذكر أن كل من الفلاسفة: (ساندرز بيرس، وويليام جيمس، وجون ديوي)، قد وضعوا الأسس للفلسفة البرجماتية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سبعينيات القرن التاسع عشر.
………….
ولا عتاب على الإخوة الأمريكان في ذلك، فهم من حقهم حسب رؤيتهم أو مصالحهم أو حسب ما يتطلبه النفوذ العالمى لقوة عظمى، أن يتخذوا ما يرونه لتحقيق أهدافهم النبيلة أو السافلة!
ولكن لابد أن العتاب؛ كل العتاب؛ على الإخوة المصريين الذين لم يحركوا ساكناً حيال احتكار اسم (نجيب محفوظ) في جائزة من جامعة أجنبية ولو كان الغرض ثقافياً بحتا دون أى شبهة لمخطط للاستحواذ على العقل الثقافي المصري باختراقه من خلال الجوائز ذات القيم المالية الكبيرة أو بطرق أخرى كالمنح والمؤتمرات المحلية والدولية و(الدورات التدريبية) وكل ما هو متعلق بالمكافآت أو (البوكيت ماني).
ألسنا أولى باسم (نجيب محفوظ) منهم؟!
وربنا ما يجعلنا قطاعين أرزاق.. لكن الرائحة فائحة.. ومن زمان قوى قوى..
نهايته.. الله يرحمك يا أستاذ (صنع الله إبراهيم)، رفضت جائزة مصرية 100% من جهة مصرية 100% ومن لجنة مصرية 100%، فقط بسبب اعتقادك بأن الدولة المصرية حينها كانت تقف موقفاً كنت تراه سلبياً حيال القضية الفلسطينية!.
أو على رأي السيدة المعددة المصرية المجهولة: (راحت رجال العز والهيبة.. وجات رجال ما تحسن العيبة).