رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: عودة (باسم یوسف) – (2).. من الخاسر الأكبر؟

عصام السيد يكتب: عودة (باسم یوسف) - (2).. من الخاسر الأكبر؟
باتت السخریة لا تكفى لإصلاح الحیاة أو عودة التوازن النفسى للشعب المصري

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

أضاع (باسم یوسف) فرصة عظیمة لعودة قویة بظھوره الضعیف كضیف في ذلك البرنامج لأنه ابتعد عن السخریة التي اشتھر بھا والتي كانت تعبر عن الجماھیر وتنقل نبضھا على الشاشة، برغم أن الأرض كانت ممھدة لعودة قویة، یستفید ھو منھا ویستفید منھا الإعلام المصري، وتعم الفائدة على الدولة والحكومة!

فبعد انقضاء حكم الإخوان المسلمین في 30 یونیو 2013 مرت على الشعب المصرى فترة تمیزت بالاستقطاب الحاد، بسبب الخلاف السیاسي، ووصل الأمر إلى وقوع حوادث طلاق لأقل الخلافات في التوجھ السیاسي (بعض حوادث الطلاق تمت بسبب أغنیة تسلم الأیادي)!

وباتت السخریة لا تكفى لإصلاح الحیاة أو عودة التوازن النفسى للشعب المصري، وعلى الفور لجأ المصریون للضحك الخالي من أى منغصات أو حتى تفكیر، (ضحك) بلا ھدف سوى الضحك والتسریة عن النفس ونسیان المعاناة فى خسارة ربما قریب أو صدیق خالفك فى الرأي.

ضحك یشبه المخدر یغیب بھا الناس عن الواقع قلیلا لكى یتحملوا الاستمرار فیه، وعلى الفور انطلقت القنوات تعوض خسارتھا من برامج التوك شو فى برامج الضحك الخالص، ونجحت إحدى التكوینات المسرحیة المذاعة على قناة فضائیة فى تحقیق معدل عالى من الضحك، وصار أعضاؤھا أبطالا ونجوما، وصاروا (ظاھرة) یتم تقلیدھا.

ولا ننكر أنه فى فترة  الضحك الخالص منزوع المعنى والھدف، ظھرت  استثناءات قلیلة أو نادرة تعاملت مع الواقع الاجتماعى بسخریة دون النظر لارتباط الاجتماعى بالسیاسي، إلا أن ھذه الاستثناءات وقعت بعد فترة فى فخ التكرار.

ولكن مع بدایة الإصلاح الاقتصادى باھظ الثمن، شدید الوطأة، بدأت ملامح جدیدة للسخریة تظھر بسبب تطور العصر، فصارت (الكومیكس) على وسائل التواصل تحل محل النكتة المصریة الشھیرة وتنافسھا فى التواجد و التعبیر.

عصام السيد يكتب: عودة (باسم یوسف) - (2).. من الخاسر الأكبر؟
قال السید الرئیس عبارته الشھیرة (ما یصحش كده) التي جاءت تعبیرا عن انتقاده للإعلام

ما یصحش كده

وكان ذلك أفضل ما یصنع توازن بین ما یعانیه المصریون من إجراءات اقتصادیة لم یتعودوا على عنفھا وتلاحقھا، وبین إیمانھم وثقتھم فى قائدھم الذى أكد أن لا حل سواھا وأن علیھم أن یتحملوا!

ولكن أتت الریاح بما لا تشتھى السفن، فمجرد أن قال السید الرئیس عبارته الشھیرة (ما یصحش كده) التي جاءت تعبیرا عن انتقاده للإعلام وما یتم من سخریة في وسائل التواصل حتى خلطت بعض الأجھزة بین السخریة التى تتیح للمصریین تحمل مصاعب الحیاة و بین التجاوز غیر المقبول من قلة.

وكانت تلك بدایة لفرض قواعد جدیدة ، فصار الإعلام كله فى قبضة واحدة – صحافة وتلیفزیون – واختفت صحف المعارضة، وصارت القنوات التلیفزیونیة نسخة واحدة باھتة تفتقر لابسط قواعد المھنیة.

وتم فرض شركة إنتاج واحدة ووحیدة تتحكم فى سوق الفن، ففرضت شروطھا وتصوراتھا ووظفت ھذا فى تحجیم الأجور وتعظیم مكاسبھا، ولم یستطع أحد الخروج من عباءتھا وإلا جلس فى بیته بلا عمل.

وفرضت تلك الشركة قواعد رقابیة متعسفة حفاظا على مكانتھا، نابعة من قاعدة (من خاف سلم)، حتى بات المجتمع الفنى یتحسر على زمن إنتاج أفلام مثل: (اللعب مع الكبار، والبرئ، وزوجة رجل مھم)..

وتساءل الناس: من نحن؟، ھل نحن ذلك الرقیب المذعور الذى یمنع كل شیئ على طریقة الباب اللى یجیلك منه الریح؟، أم نحن الدولة القویة الواثقة، التى تفتح الباب لكل الأفكار والرؤى، تتنافش فى رقى وموضوعیة لتختار أفضل المسارات؟

ھل نحن المجتمع الذى یتھم أى رأي مخالف بأنه إخوان أم نحن المجتمع الذى یسمح فیه رئیس الجمھوریة للجمیع ان یسأله بحریة وعلى الھواء؟، ولماذا لاتھب نسمات الدیمقراطیة إلا على ھذه الاجتماعات فقط؟، وكاد البعض أن یجزم أن رأس الدولة فى واد وأجھزتھا فى واد آخر.

لذا انتشرت حالة من التربص بین المواطنین، وزادت وتیرة المشاجرات لأتفه الأسباب وأصبح (الاحتقان) سمة حیاتنا الیومیة.

عصام السيد يكتب: عودة (باسم یوسف) - (2).. من الخاسر الأكبر؟
نعتقد أن (باسم یوسف) بعودته بتلك الصورة قد خسر الكثیر لأنه لم یعد ببرنامج ساخر

لم يعد ببرنامج ساخر

كانت تلك نتیجة طبیعیة للتناقض الشدید الذى نعیش فیه، وتجعلنا طوال الوقت نعیش على صفیح ساخن، فكل صباح نفاجأ بالأمر وعكسه، والقرارات تضرب بعضھا بعضا: آلاف المشروعات تقوم بھا الحكومة، ولكننا لا نحس بأثرھا على حیاتنا الیومیة، ومئات القرارات من أجل تسھیل حیاتنا ثم تعقبھا قرارات تزید من ضغوط الحیاة.

فكانت النتیجة أنه بدلا من استخدام السخریة التى قد تعرض صاحبھا للحساب، لجأ البعض إلى مشاھدة قنوات الإخوان وبرامجھم على الیوتیوب، لیس اقتناعا بما یقال فیھا ولكن كنوع من الانتقام الصامت من متاعب الحیاة واختفاء الضحكة التى تھونھا علیھم، بعد أن تعاونت أجھزة كثیرة على قتلھا.

والآن مع الأحداث العالمیة المتلاحقة، ومحاولة الدولة أن تفتح صفحة جدیدة مع المواطن تحت أسماء مختلفة (الجمھوریة الجدیدة – بناء الإنسان) كانت اللحظة مواتیة لأن یعید مسئولو الإعلام النظر الى المنظومة كاملة، لیس عن طریق لجان الدراما..

بل العودة إلى نظام التعدد فى الأصوات بإلغاء الاحتكار فى الإنتاج الدرامي والبرامجى، وفى ملكیة القنوات التلیفزیونیة، وإتاحة فرص أكبر ومساحة أوسع، فالتنافس قادر على خلق مستوى افضل و محتوى أقوى.

وبذلك یقطع الطریق على كل القنوات المشبوھة والمغرضة، فالسخریة صمام أمن وأمان – وحتى لو حدثت تجاوزات فى البدایة مثل (باسم يوسف) – ووسیلة لفھم الشارع ودلیل على  ما یتحرك داخل نفوس المواطنین، بدلا من التقاریر البولیسیة التى یھمھا ان تُظھر ان (كل شیئ تمام).

ولذا نعتقد أن (باسم یوسف) بعودته بتلك الصورة قد خسر الكثیر لأنه لم یعد ببرنامج ساخر حتى ولو ابتعد عن الأمور السیاسیة، فلیس كل الضحك ما یتعلق بالسیاسة أو الجنس أو الدین – كما قال في حلقته الأولى – ولكنه الضحك المضمون والسھل والأكثر شھرة وانتشارا..

فكان بإمكان (باسم يوسف) أن یتعب نفسه قلیلا ولا یبحث عن السھل، بل یبحث في حیاتنا الاجتماعیة ومعاناتنا الاقتصادیة وسیجد آلاف الموضوعات التي تتیح لھ تقدیم برنامج ساخر.

ولكن الحقیقة أن الخسارة الأكبر كانت من نصیب الإعلام المصري، فقد ضاعت الفرصة على إعلامنا بأن یكون ھناك برنامج ساخر جید الصنع یحقق نجاحا ویجمع حولھ الناس بعیدا عن القنوات المشبوھة و المعادیة ، و یعید البریق الى إعلامنا بعد أن فقده منذ زمن.

أما أجھزة الدولة فقد كانت خسارتھا أفدح ، فقد خسرت فرصة أن تظھر بمظھر الواثقة من نفسھا فلا یھزھا برنامج ساخر، وخسرت أیضا مؤشرا ھاما من مؤشرات الرأي العام التي تُبنى على أساسھا القرارات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.