رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود عطية يكتب: مسلسل (الانتخابات)

محمود عطية يكتب: مسلسل (الانتخابات)
حالة من عدم الرضا تكبر يوما بعد يوم في ظل استمرار التجاهل المتعمد من قبل الأجهزة المسؤولة

بقلم المستشار: محمود عطية

حلقات متصله منفصله كل خمس سنوات من (الانتخابات) نشاهد منها حلقه أسوأ مما قبلها ولا أدري اين العيب هل في المخرج، أم السيناريو ام الكومبارس، أم كما سمعنا في ارتفاع ثمن الكرسي، من خلال ما يطرح في وسائل الإعلام.

وفي ظل ما يشهده الشارع العام من غليان مكتوم وتذمر متصاعد من قبل شريحة واسعة من المهتمين بالشأن العام يبدو أن الهوة تتسع بين الدولة ومؤسساتها التنفيذية من جهة، وبين المواطنين الذين يراقبون المشهد السياسي والإداري من جهة أخرى.

حالة من عدم الرضا تكبر يوما بعد يوم في ظل استمرار التجاهل المتعمد من قبل الأجهزة المسؤولة لما يجري على أرض الواقع، وكأن ما يحدث لا يعنيها أو كأن الناس لا تملك الحق في السؤال والمحاسبة والاعتراض، حتى في الإعلام.

لقد أصبح من الواضح أن سيناريو الاختيار في (الانتخابات) الذي تتبعه الجهات المعنية في توزيع المناصب والحقائب والنيابات قائم على منطق المحاصصة، وتبادل الكراسي بين وجوه معروفة مسبقا دون اعتبار للكفاءة أو نزاهة السجل أو مدى القبول الشعبي للمرشح، كل شيء بات يتم خلف الأبواب المغلقة وكأن المناصب إرث أو مكافآت لا علاقة لها بمصلحة الناس أو تطلعاتهم وأحلامهم.

في كل دورة جديدة من (الانتخابات) يعود المشهد ذاته نفسه ذات الأسماء ذات الوجوه ذات العلاقات وذات التفاهمات المغلقة التي لا يعرف الناس عنها شيئا غير النتائج المعلنة التي تصدمهم وتزيد من حالة الاغتراب السياسي التي يعاني منها كثيرون حتى المستبعدين من مواقع النفوذ السابقة لا يخرجون من دائرة التوزيع بل يعودون في مشاهد مختلفة وكأن الأمر كله لعبة كراسي مغلقة لا تتبدل قواعدها.

لقد قرأنا وسمعنا من أشخاص كثر في مواقع مختلفة عن تجاوزات مهينة تحدث في الخفاء عن مقايضات مالية عن أسعار لكراسي نيابية، وعن نفوذ يستخدم لضمان بقاء من يجب أن يخرج، وتثبيت من يجب أن يحاسب عن أولئك الذين حصلوا على المواقع دون وجه حق والذين لا يحملون من المؤهلات شيئا سوى رضا الجهة الفلانية أو دعم التكتل العلاني

محمود عطية يكتب: مسلسل (الانتخابات)
هناك من يعرض ثمن كرسي نيابة، وكأننا في مزاد علني لا علاقة له بالدستور أو القانون أو العدالة

هناك من يعيد تدوير نفسه

هناك من يعرض ثمن كرسي نيابة، وكأننا في مزاد علني لا علاقة له بالدستور أو القانون أو العدالة هناك من يستثمر في المناصب ليحصل على امتيازات لاحقة، وهناك من يعيد تدوير نفسه في مواقع مختلفة رغم أن سجله حافل بالتقصير وربما أكثر من ذلك، كما ينشر في وسائل الإعلام.

المثير للغضب أن بعض الذين نالوا مناصب في السابق وأمضوا دورتين أو أكثر يعودون للمشهد، وكأنهم فوق المحاسبة رغم وجود علامات استفهام كثيرة جدا جدا حول أدائهم وسلوكهم ومواقفهم من قضايا عامة وهامة، لا بل إن هناك من تورطوا في تجاوزات إدارية ومالية وما زالوا يتمتعون بثقة صناع القرار بل ويتم منحهم مواقع جديدة.

في المقابل يتم تهميش الكفاءات وإقصاء الأسماء التي تحظى بقبول حقيقي في الشارع لأن معايير الاختيار في (الانتخابات) لا ترتبط بالرأي العام، بل ترتبط بشبكة مصالح مغلقة ومحمية هذا الاستهتار بعقول الناس ومشاعرهم لم يعد مقبولا وهذا الإصرار على إعادة إنتاج ذات النخبة الباهتة يهدد بخلق حالة عداء صامتة تجاه الدولة.

الدولة التي تتجاهل الغضب العام وتتغافل عن الأصوات الحقيقية التي تنادي بالإصلاح، وتستمر في إدارة الشأن العام بمنطق المزرعة لا تدرك أن الثمن سيكون باهظا في المستقبل فالتراكم السلبي في نفوس الناس لا يزول بسهولة والثقة إذا فُقدت لا تعود بسهولة.

الناس اليوم ليسوا كما كانوا قبل عشرين عاما، هم أكثر وعيا وأكثر اطلاعا، ويعرفون كيف يميزون بين الكفوء والمتسلق بين من يخدم الدولة ومن يخدم نفسه بين من يملك مشروعا عاما ومن يركب الموجة لتحقيق مصالح خاصة.

لكن المؤسف أن من بيده الأمر لا يكترث لذلك لا يشعر بشيء لا يرى الغضب ولا يسمع النقد وكأن الأمر لا يعنيه أو كأن البلاد تسير في أفضل أحوالها.

التقارير والكتابات والتحليلات والتحذيرات كلها لا تُأخذ بعين الاعتبار لأنها لا تأتي من الحلقة المغلقة ذاتها بل تُعتبر تهويشا أو محاولة لتشويه الصورة الإيجابية التي يرسمونها لأنفسهم.

محمود عطية يكتب: مسلسل (الانتخابات)
يعد مقبولا أن تتحول الدولة إلى ما يشبه النادي المغلق

إقصاء الشباب والمستقلين

لكن الحقيقة أوضح من أن تُخفى فالناس ترى وتسمع وتعيش الواقع بكل تفاصيله وتفهم جيدا كيف تُدار الأمور ومن يديرها، ولماذا تدار بهذا الشكل بالتحديد في (الانتخابات)

لم يعد مقبولا أن تتحول الدولة إلى ما يشبه النادي المغلق الذي لا يدخله إلا من يملك توصية معينة أو قرابة خاصة أو مصلحة متبادلة مع من يتحكم بالمفاتيح.

إن الشعور بالظلم حين يتحول إلى شعور عام فإنه أخطر بكثير من أي تهديد آخر لأن الظلم إذا تكرر يصبح مؤسسيا وإذا أصبح مؤسسيا فإنه يتحول إلى غضب دائم.

الدولة القوية هي التي تفتح أبوابها للكفاءات وتستمع إلى الناس، وتعيد النظر في أدواتها وأجهزتها وليس التي تكتفي بتوزيع المناصب بطريقة أقرب إلى المهزلة منها إلى الإدارة الرشيدة

من غير المعقول أن يتم تدوير ذات الوجوه التي فشلت سابقا أو ساهمت في ترسيخ المشكلات وأن يتم إقصاء الشباب والمستقلين وأصحاب الكفاءة فقط لأنهم لا يملكون ظهرا سياسيا أو لا ينتمون للدوائر المغلقة.

الحديث عن الإصلاح لم يعد مجديا إن لم يكن مصحوبا بإرادة حقيقية لكسر هذا النمط العقيم الذي يحكم اختيار الأشخاص وتوزيع المسؤوليات.

النقد الموجه اليوم ليس من باب المعارضة، بل من باب الغيرة على مستقبل البلد فحين يرى المواطن أن من يمثله لا يمثل إلا نفسه وأن من يُعين في المناصب لا يملك مؤهلا إلا رضى بعض النافذين فإن ثقته تنهار.

لقد أصبحت المناصب تُباع وتُشترى في نظر الناس وأصبح كل قرار يُتخذ محل شك لأن من يتخذونه ليسوا محل ثقة.

ولا يمكن أن تبنى دولة على اللا ثقة، ولا يمكن أن تُنجز إصلاحات حقيقية من خلال أشخاص مشكوك في قدرتهم ونزاهتهم.

آن الأوان لإعادة النظر في كل شيء في الآليات في الأشخاص في الأجهزة ذاتها، لأن التراكم السلبي تجاوز الخطوط الحمراء.

نحن أمام لحظة فارقة في (الانتخابات)، إما أن تستجيب الدولة لصوت الناس وتعيد بناء الجسور بينهم وبين مؤسساتها أو أن تستمر في طريق القطيعة التي لا يعرف أحد إلى أين ستقود.

المشهد اليوم لا يبعث على التفاؤل ومن يراقبه بعين وطنية يشعر بالخطر القادم، إن لم تتم مراجعة جادة وحقيقية.

أما الاستمرار في إدارة الدولة بمنطق المحاصصة في (الانتخابات) والتجاهل والاستخفاف فنتائجه لن تكون محمودة.

صوت الناس يجب أن يُسمع لا أن يُقصى والنقد يجب أن يُؤخذ بعين الجد لا أن يُهمش

والكفاءة يجب أن تكون المعيار الأول لا الواسطة ولا الولاء ولا التاريخ الشخصي

فهل تستيقظ الدولة قبل فوات الأوان؟ أم أن الغضب المكتوم

ألا قد بلغت اللهم فاشهد

سيتحول إلى انفجار لا يُحمد عقباه؟

* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.