سيدة تغزل على نولها سبب مولد رائعة (عبد الهادي بلخياط): (في قلبي جرح قديم)

كتب: أحمد السماحي
من أجمل الأصوات العربية صوت المطرب المغربي الكبير (عبد الهادي بلخياط) الذي يعتبر أحد أعمدة الأغنية المغربية، إلى جانب (عبد الوهاب الدكالي)، والمطرب الراحل (محمد الحياني).
اذ تمكنوا من التربع على عرش الأغنية المغربية لمدة تقارب 50 سنة، ومعهم المطربة الكبيرة (نعيمة سميح) التى رحلت عن حياتنا هذا العام.
يجمع صوت (عبد الهادي بلخياط) بين القوة والرقة، وصاحب بصمة صوتية سليمة الجواب، متينة القرار، واضحة التركيز في المناطق الوسيطة بين أعالي الصوت ومنخفضاته وقفلاته.
وهو استقرار صوتي أتاح لـ (عبد الهادي بلخياط) أن يقدم روائع غنائية للمكتبة العربية لا تنسى مثل (القمر الأحمر) التى وضع لحنها الموسيقار عبدالسلام عامر.
وبلغت مبيعاتها مليون نسخة جعلته يحصل على الأسطوانة الذهبية من أكبر المؤسسات الفنية الإنتاجية في باريس، كأول مطرب عربي يحصل عليها من خلال أغانيه الخاصة.
ولم تكن أغنية (القمر الأحمر) هى الوحيدة التى حققت نجاحا كبيرا، فعلى مدى مشواره قدم (بلخياط) أغنيات أخرى ناجحة مثل (كيف يدير سيدي، لا تثق بي، الشاطئ، الأمس القريب، قطار الحياة، إنت وأنا، سمعت عينيك، الصنارة، دمعة الفراق، ليلة، لاتقوليش نساني، ميعاد، عوام، يا داك الإنسان، إرحميني، شارد في الليل، كن على بال) وغيرها.
ومن الأغنيات الرائعة التى قدمها (عبد الهادي بلخياط) وتعتبر واحدة من روائعه الغنائية، والتى غناها كثير من المطربيين منهم سعد لمجرد، أغنية (في قلبي جرح قديم) التى نالت إعجاب العندليب الأسمر عندما إستمع إليها عام 1971.


قصة أغنية (في قلبي جرح قديم)
لأغنية (في قلبي جرح قديم) قصة حكاها المطرب (عبد الهادي بلخياط) في بعض حواراته الصحفية، وأيضا على المسرح قبل غنائه لهذه التحفة الفنية، حيث يقول: (كنت في زيارة لأحدى القرى النائية في الريف المغربي..
وأثناء تجوالي في أحد المناطق سمعت إحدى النساء تغني لحنا شعبيا جميلا للغاية، بينما كانت تنسج على نوالها البدائي، واقتربت منها فسكتت عن الغناء، نظرا لخجلها الشديد.
وطلبت منها تكرار ما كانت تغنيه، لكنها ترددت، وبعد الحديث معها، عرفت أنها سمعت ما تغنيه من جدتها، وحفظته، فطلبت منها أن تعيد ما كانت تغنيه مجددا، فغنت فأعجبت جدا باللحن وفتنت به.
ولم أتمكن من حفظ الكلمات، ولكني حفظت اللحن جيدا، وفور عودتي إلى (الرباط) أسمعت اللحن إلى صديقي الشاعر الكبير (فتح الله لمغاري) الذي قام بتأليف الكلام المناسب له.
وقمت بإجراء بعض التعديلات على اللحن، وبعد ذلك غنيته في إحدى الحفلات الجماهيرية لأتمكن من معرفة رد فعل الناس على هذا النوع من الغناء.
وكانت النتيجة أكثر من مدهشة، وطبع من الأغنية آلاف الأسطوانات التى نفذت فور طرحها، وهكذا ولدت أغنية (في قلبي جرح) التى أخذت لحنها من التراث الفلكلوري، ومن أجمل ما فيه ووضعته في قالب عصري.
الطريف أن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ عندما استمع إلى أغنية (في قلبي جرح قديم) فتن بلحنها، وبطريقة غناء (عبد الهادي بلخياط) لها، وكان يدندن لحنها في جلساته الخاصة.
تقول كلمات أغنية (في قلبي جرح قديم):
نار شعلت وزاد لهيبهـا، شغلت بالي بنار تعذيبهـا
فـينـك يا طافـي النار
في قلبي جرح قديم ، ياناس اش آجا ماداواه.
ما لقيت حبيب، وما لقيت رحيم
لا لقيت طبيب يا ناس مخصص في دواه
صابر نستنى، والصبر غيرو ما نلقاه
دازت أيام، ودازت سنين، على هاذ الجرح يا سيادي
ضاعت الأحلام وبكات العين، وغاب الفرح يا سيادي
وقلبي مسكين ما عندو لين،عايش في عـذابو
صابر للجرح عايش حزين، هـذا مكتابو
في قلبي جرح قديم ياناس
لي صابو جرح ابالي، ايداويه قبل ما يكبر
ولي خلاه بحالي، يقاسي العذاب ويصبر
الجرح زيد إلى طال ، قالوها الناس اللوالة
يصبح علاجو محال ، والقلب ضعيف الحالة

نبذة عن عبدالهادي بلخياط
ولد (عبدالهادي بلخياط) في مدينة (فاس) عام 1940، وعاش فيها حتى سن السابعة، ثم انتقلت أسرته إلى مدينة الدار البيضاء (كازابلانكا).
وفي الدار البيضاء التحق بالمدرسة حتى حصل على الشهادة الإبتدائية، ولم تمكنه ظروفه العائلية من متابعة دراسته حيث كان عليه أن يساعد والده، فعمل معه في إدارة ورشة النجارة التى كان يديرها، ويرحل والده، فيصبح مسئولا عن إعالة أسرته.
فيعمل في وظيفة سائق لسيارة تابعة لوزارة الشباب والرياضة، وينتقل إلى مدينة (الرباط)، وخلال هذه السنوات كان يغني كهاوي وهو يؤدي شغله أغنيات كبار المطربيين مثل (محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ) وغيرهم.
ونال صوته إعجاب كل أصدقائه ومعارفه، فطلبوا منه التقدم لامتحانات الأصوات في الإذاعة المغربية، التى لم تلتفت في البدء لجماليات صوته والمعدن القوي لهذا الصوت العريض، فلم تعترف به اللجان الفنية ولم تمنحه الإجازة المطلوبة.
لكن لم يحبط (بلخياط) ولم ييأس، وأثناء ذلك يستمع إليه الأديب المغربي (حمادي عمود) رئيس تحرير مجلة (الحياة) ومقدم برنامج (عالم الفنون) في إذاعة الرباط، فيعطيه الفرصة عبر برنامجه فيغني أغنية (ست الحبايب)، تأليف حسين السيد، ولحن محمد عبدالوهاب، وينال إعجاب الكثيرين.
وفي عام 1960، تنطلق تجربته الفنية بمساعدة الموسيقار الراحل عبد النبي الجيراري الذي لحن له أولى أغانيه العاطفية (ياحبيب القلب فين أنت فين)، وتتابعت أعماله الفنية من خلال تعامله مع عديد من الملحنين الرواد واستمتع الجمهور المغربي والعربي بالعديد من أعماله الفنية الناجحة، ويبدأ مشواره مع الغناء.


شهادة محمد عبدالوهاب
أحب الموسيقار (محمد عبدالوهاب) صوت (عبد الهادي بلخياط) عندما سمع منه عام 1966 أغنية (ست الحبايب) في بيت صديق مشترك جمعهما في منزله في (باريس) يومها كان (محمد عبدالوهاب) يستعيد المقطع تلو الآخر من (بلخياط) وهو بادي الدهشة.
وما أن فرغ (عبد الهادي بلخياط) من غنائه، نهض (محمد عبدالوهاب) من مكانه، وقبله وقال له: (أنت صوتك جنان يجمع بين القوة والعذوبة والرقة، وهذا نادر، لابد أن تأتي لمصر، ونتعاون سويا).