رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: (باسم يوسف).. الأراجوز الذى أحبط الجميع

عصام السيد يكتب: (باسم يوسف).. الأراجوز الذى أحبط الجميع
نسى (باسم يوسف) – أو حاول أن يتناسى – كيف ظهر  لماذا ظهر وانتشر و صار الأغلى و الأعلى مشاهدة

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عضام السيد

انتظر كثيرون الحلقة الى سيظهر بها (باسم يوسف) في برنامج كلمة أخيرة على قناة (ON) بعد طول غياب، البعض انتظرها فرحا كى يضحك و البعض انتظرها غاضبا كى يشمت ، فالذين يحبون (باسم يوسف) توقعوا منه السخرية المعهودة من أحوالنا – حتى وإن ابتعد عن السياسة – والذين يكرهونه توقعوا منه اعتذارا وطلب العودة صاغرا.

ولكن جاءت الحلقة بعيدة عن كل التوقعات، فلا أحد ضحك، و لم يكن هناك مجال للشماتة، فلقد فاجأ (باسم يوسف) الجميع بظهوره في ثوب مختلف تماما وبعيد عن كل التوقعات، فالذى ظهر عليهم ليس باسم الذى يعرفونه.

إنه شخص آخر: مواطن أمريكى- و ليس مصريا حتى النخاع كما كان- يدفع الضرائب ويسعى لإصلاح المجتمع الأمريكي، وجاء من أجل أن يعلمنا (كيف نخاطب الأمريكان)!.. وهكذا أصاب الجميع بالإحباط.

نسى (باسم يوسف) – أو حاول أن يتناسى – كيف ظهر  لماذا ظهر وانتشر و صار الأغلى و الأعلى مشاهدة، ولماذا انتهى مبكرا وهو في قمة الشهرة، وتلك عبرة تثبت أن الإعلامى لابد أن يحس نبض الشارع و يعرف اتجاهاته.

ففي أثناء الثورة – وبعدها – حققت برامج التوك شو انتشارا واسعا، وأصبح لكل قناة برنامجها الذى يصرخ فيه المذيع طوال الليل محاولا فض الخناقات والاشتباكات بين ضيوفه – وهو يزيدها اشتعالا من طرف خفى – وتدفقت الإعلانات على برامج التوك شو.

فالمصريون يجلسون امامها طوال الليل، وبعد أن كان لكل محطة برنامج اساسى  سرعان ما  انشئت محطات من اجل برامج طمعا فى الحصول على حصة من وجبة الإعلانات، وبعد أن كانت مجموعة قليلة من المذيعين تتناوبهم المحطات صار كل من هب و دب صاحب برنامج.

عصام السيد يكتب: (باسم يوسف).. الأراجوز الذى أحبط الجميع
اللحظة كانت مواتية فإن تحول (باسم يوسف) إلى الموضوعات السياسية

تحول (باسم يوسف)

بعد قليل اكتشف المصريون اللعبة، وبدأت ضحكاتهم تتجلى فى السخرية من تلك البرامج ومن هؤلاء الضيوف، وانتشرت على اليوتيوب عشرات البرامج الساخرة من التوك شو وضيوفه والآراء التى تقال فيه وخناقاته، فلقد ساعدت شبكات التواصل فى أن يصبح لكل من يريد برنامجه الخاص أيضا!، وأصبح هناك برامج ثابتة يقدمها  نجوم لا يعرفهم إلا مشاهد النت.. لعل كان ابرزهم (باسم يوسف).

وبما أن الضحك مضمون لو تناولت موضوعا من ثلاث: السياسة أو الجنس أو الدين – كما قال في حلقته الأخيرة – و لأن اللحظة كانت مواتية فإن تحول (باسم يوسف) إلى الموضوعات السياسية جعله يقفز من مجرد مقدم لبرنامج صغير متوارى إلى أهم مقدم برامج مصرى ، محققا نسبة مشاهدة متفوقة وغير مسبوقة.

والفارق بينه وبين البرنامج التالى فراسخ عديدة، واعتمد (باسم يوسف) بشكل أساسى فيما يقدمه على السخرية من برامج التوك شو، وفى فترة حكم الإخوان تحول هذا الساخر لصوت الشعب ينتقم لهم أسبوعيا من حكام جاءوا فى غفلة من الزمان.

تحول (باسم يوسف) إلى الأراجوز – بألف ولام التعريف – بمعنى انه صار لسان حال الشعب والناطق بما يجول فى خاطره، إنه الصريح الواضح القائل (للأعور أنت أعور و للغولة عينك حمرا ) بسخرية تجعلنا نضحك بشكل مبالغ فيه، لأنه ضحك تشفّى وانتقام.

وهو الماكر المراوغ الذى يرسل لنا رسائل – نعتقد انها مشفرة – نفهمها ونعيها مستغفلين بذلك من هم فوقنا، وأدى (باسم يوسف) مهمة الأراجوز ببراعة وقدرة مشهودة، إنها مهمة هز عروش الحاكمين وإسقاط هيبتهم وقتل خوفنا منهم، مما يجعلنا نتجرأ على مواجهتهم، وحتى إن لم نستطع جهارا، فنحن بتشجيعنا للأراجوز نواجههم من خلف جلبابه.

هكذا كان أيضا (نجيب الريحانى وعادل إمام وأحمد فؤاد نجم – الأراجوز- نجم الجماهير ولسان حالهم، ولهذا عشقهم المصريون وكتبوا لهم الخلود.

وبانتهاء فترة حكم الإخوان كان الظرف كان ملتبسا ودقيقا، لقد قام المصريون بثورة ثانية بعد الأولى بعام واحد، ولا يمكن أن ننكر أن المشاركين فى الثانية كانوا أكبر عددا بكثير، وصنعوا بأنفسهم ولأنفسهم نظاما جديدا وارتضوه.

فهل للأراجوز أن يسخر مما صنع الناس؟، هل يقبلون السخرية من أملهم و آمالهم؟، ألم يكن من الأجدى للأراجوز أن يمارس سخريته بعيدا عن معبود الجماهير الجديد؟، هل مهمة الأراجوز فقط أن يهاجم رأس النظام؟، إن موضوعات السخرية كثيرة ومتعددة وليست السياسة فقط ، فلماذا حاصر نفسه فيها؟

عصام السيد يكتب: (باسم يوسف).. الأراجوز الذى أحبط الجميع
آثر الأراجوز الانتحار بكونه لم يعد معبرا عن الناس

آثر الأراجوز الانتحار

انتهى دور (باسم يوسف) بيديه وباختياره – من وجهة نظرى – فلقد آثر الأراجوز الانتحار بكونه لم يعد معبرا عن الناس.. لقد انشق عنهم ومضى يغرد خارج السرب بعد أن كان يغرد بما يريده السرب حتى ولو لم يقله، ربما كان يرى أمرا لايراه السرب أو ربما أراد أن يثبت أنه (الأشجع والأقوى).. على أية حال لم تقبل اأغلبية السرب تغريده.

ولهذا عندما اختفى (باسم يوسف) – أو أجبر على الاختفاء – لم يدافع عنه إلا قلائل، فاذا علمنا أن الطبقة الوسطى المصرية لا تمثل سوى أقل من 15% من جموع المصريين، و النخبة نسبة صغيرة من الطبقة الوسطى، والمدافعين عنه جزء صغير من النخبة فسنعرف ضآلة عددهم.

وبرغم انتهاء ظاهرة (باسم يوسف) – في ذلك الوقت – إلا أن كثير من قنوات التليفزيون حاولت استنساخها، سواء عن طريق (كوبى/ بيست)، أو بتحريف قليل أو كثير بحثا عن تحقيق مكاسب كالتى حققها (البرنامج)، وليس بحثا عن أى قيم أو مبادئ أو إعلاء لقيمة السخرية.

ولهذا ظهرت برامج كوميدية عديدة ولكن معظمها – إن لم يكن كلها – تتشارك مع البرنامج فى المفردات: السخرية من الميديا وضيوفها، قلب كلمات الأغانى الشهيرة، نشرة أخبار سياسية ساخرة، استضافة نجم أو نجمة، ثم مغنى أو فرقة غنائية تختتم البرنامج.

وراجعوا معى معظم تلك البرامج ستجدون أنها تسير على (باترون) واحد.. سواء قدم البرنامج بشر أو دمية، لكن لا أحد منهم واتته القدرة أو أسعفه ذكاؤه أن يصبح  (الأراجوز).

وعندما عاد الاراجوز عاد في ظل ظروف مختلفة، نراها كانت مواتية لصعوده من جديد و لكنه أهدرها!

وتلك قصة أخرى…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.