
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
لى صديق غاضب دائما – كتبت عنه عدة مرات – لا يعجبه العجب أو الصيام في رجب، لذا كنت أتهرب من لقياه بسبب انتقاده الذى لا ينتهى وسخطه الذى لا ينقطع.. يعاملنى وكأننى المسئول الأول والوحيد عن كل الفنون في (المسرح) وما يحدث فيها وحولها من أحداث، فيصب غضبه علىَ ويطالبنى بإصلاح الأخطاء، وعبثا حاولت أن أقنعه بأن لا حول لى ولا قوة، ولكن هيهات.
ومن فترة طويلة لم نلتق فحمدت الله، فأنا بطبعى رجل متفائل – أو أحاول – و لا أحب أن يزعجنى أحد برأيه الحاد وغضبه الصارخ.. يكفينا ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعى التي تحولت الى وسائل التناحر الاجتماعى.
فكلها امتلأت بالخلافات والخناقات والتطاول والتجاوز وحشر الأنف في كل شيئ وكأن كل واحد منا قد أصبح (مصلح وواعظ و عالم و سياسى و مفكر استراتيجي و محلل نفسى و خبير اقتصادى و ناقد فنى).
ومنذ عدة أيام بعث لى صديقى الغاضب دوما برسالة عادية يستفسر فيها عن أحوالى ويهنئنى بالتكريم في مهرجان الإسكندرية الدولى لـ (المسرح)، فشكرته على التهنئة، وإذا به يتصل بى فور ردى على رسالته، وكأن هذا الرد كانت فخا ليعرف أن كنت متاحا أم لا؟
استعذت بالله من كل الشرور، واستعنت به على كل الصعاب ودعوته أن يبعدنا عن آفات الدنيا، ثم رددت على صديقى وأنا أتوقع منه عاصفة لا محالة، و لكنه كان هادئ الطبع على غير العادة.
وسألنى بهدوء مريب: (ايه ماسورة المهرجانات الفنية اللى انفجرت في مصر فجأة كده؟ مهرجان (المسرح) الدولى في اسكندرية، وبعده مهرجان مسرح المرأة في القاهرة، و قبل ما يخلص مهرجان للعرائس في أكاديمية الفنون، وفي نفس الوقت مهرجان الجمعيات الثقافية في الثقافة الجماهيرية، ومعاهم مهرجان القاهرة الدولى للمونودراما، و في نفس التوقيت مهرجان نقابة المهن التمثيلية وعلى التوازى مهرجان السينما في الإسكندرية !! احنا عندنا انتاج يكفى كل المهرجانات دى؟).


ليست مهرجانات عامة
قلت له: أن لكل مهرجان نوعية خاصة تختلف عن الأخرى، فكلها مهرجانات متخصصة وليست مهرجانات عامة، ولذا فليس غريبا أن نجد عروضا لكل هذه المهرجانات، فالثقافة الجماهيرية يتعامل مهرجانها مع الهواة في الأقاليم الذين يقدمون نشاط (المسرح) من خلال الجمعيات الثقافية والفنية، ومسرح المرأة له عروضه المختلفة.
هنا قاطعنى صديقى وقد بدأت بوادر الغضب تبدو في صوته: مسرح مرأة ؟.. المسرح مسرح يا أستاذ، سواء عملته مرأة أو رجل.. حاولت أن أُفهمه: مسرح مرأة يعنى مهتم بقضايا المرأة سواء كان اللى عاملة رجل أو ست.
أجابنى بحدة أكبر: انتو بتنادوا بالمساواة، بس انتو كده اللى بتعملوا تفرقة لما تميزوا المرأة وقضاياها عن قضايا المجتمع كله ، اراهنك إن نص العروض لا تتعلق بقضايا المرأة لوحدها ، لأنك ماتقدرش تفصلها عن مجتمعها، ومش معنى وجود عروض من تأليف ستات أو من إخراجهم أن ده مسرح متميز أو مختلف، انتو كده بتعملوا تفرقة لا تجوز، وأنتو..
أحببت أن أنهى النقاش فقلت: انت عمال تقولى انتو .. انتو .. أنا ماليش دعوة، مسرح المرأة ده قضية كبيرة ومختلف عليها والآراء فيها متعددة.. رد بشكل قاطع: قول أنك خايف تقول رأيك عشان بتوع النسوية ما يمسكوش فيك.. أردت أن أفحمه فقلت: أيوه خايف.
صمت لثانية وقد فاجأه الرد، ثم استدرك: ومش خايف تقول لهم ينظموا مواعيد المهرجانات بدل التداخل الفظيع، مش ده ما يخليش الجمهور يتشتت وتبقى المهرجانات مفيدة أكثر و.. قاطعته أنا هذه المرة: لعلمك فيه لجنة عليا للمهرجانات مشكلة بقرار من رئيس الوزراء و تابعة لوزارة الثقافة.
وفيها أعضاء من كل الوزارات التى تتعامل مع المهرجانات زى الشباب والرياضة والسياحة وحتى الداخلية، اللجنة دى عاملة أجندة لكل المهرجانات الدولية اللى بتحصل في مصر.. لكن المهرجانات المحلية اللى تبع وزارة الثقافة بتحدد مواعيدها بعيدا عن اللجنة، زى مهرجانات الثقافة الجماهيرية، أو الأوبرا، و دي حاجة معروفة للجميع.. وشكرا للتهنئة على التكريم و..
قاطعنى وهو يصرخ ربما لأننى أردت إنهاء المكالمة: وانت ازاى يا أستاذ تقبل التكريم في مهرجان اسكندرية؟، قلت مندهشا: وازاى ما اقبلوش، ده مهرجان محترم ومستمر بقاله 15 دورة بنجاح، بالإضافة إلى أنى أكن مشاعر خاصة لهذا المهرجان، فلقد وقفت بجواره منذ بدايته عندما شاء القدر لى أن أكون في موقع المسئولية التي تتيح لى مساندة المهرجان ودعمه.

الدكتور أحمد مجاهد
والفضل يرجع إلى الدكتور أحمد مجاهد الذى اقتنع برأيي في دعم هذا المهرجان وقت رئاسته للهيئة العامة لقصور الثقافة، قال في خبث شديد: يعنى بيردوا لك الجميل؟، قلت في غضب: ليس هناك (جميل) وليس لأى مسئول (جميل) في أن يؤدى دوره في دعم ما يراه في صالح العمل، بل إننى ساهمت في دعم المهرجان بعد أن خرجت من الوظيفة لإيمانى برسالته.
سألنى وقد تبدلت الأدوار ما بيننا فأصبحت أنا الغاضب وهو الهادئ: و ماذا رأيت في هذا المهرجان لتقول أنه في صالح العمل؟
قلت له وأنا أحاول أن أضبط انفعالى: كنت قد توليت رئاسة الإدارة العامة لـ (المسرح) بالثقافة الجماهيرية حديثا، وقد رأيت في هذا المهرجان درسا جيدا لكل فرق الثقافة الجماهيرية، فالمهرجان كان للمسرحيات التي بلا انتاج، ومعنى بلا إنتاج هنا أي بتكلفة صغيرة ومتواضعة.
ويعوض القصور المالى استخدام اقصى درجات الابداع و الخيال اعتمادا على الممثل و باستخدام الخامات المحلية المتوفرة، مما يعطى مثالا لبقية الفرق – التي تنتج مرة واحدة في السنة و تقضى 9 شهور في انتظار الإنتاج مرة ثانية – لأن تنتج عدة عروض في العام بنفس الطريقة و بأسلوب التطوع الذى يمكنه أن يجد حلولا فاعلة لمشاكل التمويل .
قال صديقى و كأنه عثر على ثغرة : و لكن المهرجان تحول الى مهرجان دولى للمسرح يشبه مهرجان مكتبة الإسكندرية الذى توقف ، و تخلى عن فلسفة (بلا إنتاج) وبذلك فقد تميزه عن بقية مهرجانات المسرح الأخرى سواء في مصر أو خارجها.
بل إن أحد أهم شروطه في أن يكون العرض الأول في المهرجان – فلا يقبل أعمالا عرضت من قبل – قد انتفى، وصارت له جائزة مالية ضخمة (150 ألف جنيه) خصصها أحد الرعاة تُعطى لعرض واحد.
ألم يكن من الأفضل أن تتحول قيمة الجائزة الى عدة منح إنتاجية – كل منها 10 آلاف جنيه – توزع على 15 مبدع لتقديم أعمال جديدة في الدورة القادمة و ان يتم اختيارهم طبقا لقواعد محددة و شفافة؟
قلت في حدة: أهل مكة أدرى بشعابها وإدارة المهرجان حرة فيما تراه.
قال: طبعا ما انت اتكرمت، مش هتقدر تقول رأيك، اطعم الفم تستحى العين.
قلت و قد بلغ الغضب مداه: مش لازم أوافقك على رأيك عشان أبقى صريح، ومش باخاف، وعن إذنك عشان أنا تعبت وهاروح آخد دوا الضغط.