الفاتنة (هند رستم).. قليلا ما رأيناها تقوم بدور الأم في سنوات نجوميتها الأولى
* لم ينتبه المخرجون في فترة الخمسبنات الأولي منها الي الفتنة الطاغية التي تمتلكها
* (حسن الإمام) دخل حياتها، ففجر أنوثتها أمام الكاميرا وأسند إليها أدوار البطولة
*الأمومة عند (هند رستم) كانت مرتبطة بالتضحية الكبرى، فأغلب أبناءها من الذكور يعيشون حياة مليئة بالنزق، والخروج عن القانون


بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
عاشت (هند رستم) حياتها الفنية مثل كافة الفنانات الجميلات، في سن الشباب هى امرأة فاتنة، صغيرة السن، بالغة الجمال، تعمل بشكل مكثف، عاشقة، مغرية في أغلب الأوقات، يطمع الرجال فيها، ويحومون حولها.
و(هند رستم) هى أحياناً معلمة، صاحبة فرن خبز بلدي، وأحياناً فتاة مرموقة ذات مكانة اجتماعية، أوأنثي خائنة تسعي الي لف حبائلها حول فرائسها من الرجال، وقد حدث هذا بشكل مكثف أثناء عقد الخمسينيات.
وفترة الخمسبنات هي التي كانت السنوات الأولي منها بمثابة مرحلة انتقالية في حياة فنانة لم ينتبه المخرجون الي الفتنة الطاغية التي تمتلكها، حتي إذا دخل المخرج (حسن الإمام) حياتها، أسند إليها أدوار البطولة المطلقة.
وجعلها من أبرز نجمات السينما طوال السنوات التالية، وفي النصف الثاني من هذا العقد رأينا (هند رستم) تقوم أحياناً بدور الراقصة، أو الفنانة، أو الزوجة الخائنة.

هند رستم أم نيللي
قليلاً ما رأينا (هند رستم) تقوم بدور الأم، باعتبار أنه لا يناسبها سوي أن تكون أما لطفلة صغيرة مثل أم (نيللي) في فيلم (الحب العظيم) إخراج حسن الإمام عام 1956.
وفي هذا الفيلم لم تكن هي الأم الحقيقية، بل هي فنانة تجد نفسها محط اهتمام طفلة صغيرة، تري فيها أمها التي تركتها ورحلت، وهنا يطلب أبوها الطبيب من الفنانة أن تقوم بدور الأم البديلة لابنته التي تحتاج إليها.
وتقبل مثل هذا الدور علي مضض، وفيما بعد فإنها تشعر بالأمومة الحقيقية وترعي الصغيرة بكافة جوارحها، وتتفرغ لها، وتتزوج من أبيها كي تكون أسرة.


تنوع أدوار الأنثى هند رستم
في السنوات التالية من ذلك العقد، تنوعت أدوار (هند رستم) مع كافة المخرجين، فهي امرأة مطلقة تقع في حب المحامي الذي يتولى الدفاع عنها ضد طليقها، وتموت في ظروف غامضة، وذلك في فيلم (جريمة حب) لعاطف سالم عام 1958.
وفي فيلم (توحة) إخراج حسن الصيفي، في العام نفسه، فهي صاحبة الفرن الفاتنة التي تتزوج أكثر من رجل تباعاً، وتمتلك حق الطلاق من ناحيتها.
وتترك أزواجها لأسباب واهية، الي أن تقع في حب موظف بهيئة النقل العام يدعي رشاد، وتطارده حتي يقع في هواها.
وهكذا تعددت أدوار (هند رستم)، مثل دور لاعبة الأكروبات في فيلم (حب في حب)، أو دور الغازية في فيلم (صراع في النيل) إخراج عاطف سالم.
كما أدت شخصية كوميدية في فيلم (قبلني في الظلام) حيث جسدت دور الفتاة التي تستعين بسكرتير لها كي يمنعها من الانتساب لزوجها الذي قام بحلف اليمين عليها أكثر من مرة، وفي النهاية تقع في حب هذا السكرتير.

انقلاب في فترة الستينات
إذا لقد مر عقد الخمسينيات علي (هند رستم) دون أن تجسد دور الأم لأي من الأعمار المناسبة لسنها، لكنها مع الستينيات انقلبت تماماً في مسارها، أو انقلب المخرجون معها وجعلوها تجسد دور الأم في أواسط العمر أكثر من مرة لشاب هو في الواقع أقرب لها في السن.
وهو الممثل (حسن يوسف) المولود بعدها بعامين، ورأيناه في دور ابنها في الكثير من الأفلام منها (الحب الخالد) إخراج زهير بكير، ثم (شفيقة القبطية) عام 1962، وأيضاً في (امرأة علي الهامش) عام 1964.
وهكذا عرفت (هند رستم) أمومة السينما في فترة مبكرة الي حد ما من حياتها، كما أشرنا فإن (حسن يوسف) كان هو الممثل الذي جسد دور الابن، والجدير بالذكر أن (هند رستم) لم تنجب الذكور في حياتها، بل إنها أنجبت ابنة وحيدة من زوجها الأول المخرج حسن رضا.
الأمومة عند (هند رستم) كانت مرتبطة بالتضحية الكبرى، فأغلب أبناءها من الذكور يعيشون حياة مليئة بالنزق، والخروج عن القانون.
ففي فيلم (الحب الخالد) فإنها متزوجة من رجل خارج عن القانون، رجل يعلم ابنه كيف يرث مهنته، ويتم الحكم عليه السجن، وينفصل عن امرأته وتتم تربية الابن بعيداً عن أحضان أمه.
وتتزوج الأم من طبيب عملت عنده لبعض الوقت كممرضة، ثم أنجبت منه طفلا أخر سوف يصبح ضابط شرطة، عليه أن يعاني من تصرفات أخيه الذي لا يعرفه ويسعي للقبض علي.
أي أن الأم هنا حائرة بين ولديها، يجسدهما (حسن يوسف)، ثم (جلال عيسي) من ناحية أخري.

أم حسن يوسف في شفيقة القبطية
في فيلم (شفيقة القبطية) فإنها أشهر راقصة في مطلع القرن الماضي، يتهافت الرجال لإرضائها والتذلل عن قدميها، من هؤلاء الرجال وزير له مكانته، ومتزوج من امرأة ذات مكانة اجتماعية عالية.
وفي مشهد لا ينسي فإن (شفيقة) تتعمد أن تقوم بإذلال عشيقها الذي لا يعرف أن زوجته حاضرة في نفس القاعة التي يقابل فيها الراقصة.
وفيما بعد فإن هذا الوزير ينتقم من (شفيقة) بأن يأمر بالقبض علي ابنها، وإيداعه السجن، وتشريده، وحرمانه من حبيبته، وتتحول الراقصة الي امرأة حطمتها الصدمة، وجعلتها تدمن الكوكايين.
أما الفيلم الثالث الذي جمعها مع (حسن يوسف) هو (امرأة على الهامش) إخراج حسن الإمام عام 1964، وفيه تنضم إليهما من جديد الفنانة (زيزي البدراوي).
وفي هذا العمل نري ممثلة مشهورة متزوجة من شاب وسيم، تضبط زوجها مع عشيقته في القطار، فتطلق الرصاص وتقتله.
وتقضي في السجن عدد كبير من السنوات تاركة ابنها الصغير مع الخادمة، التي قامت بتسليمه الي احدي الاسر الثرية التي لا تنجب ابناءا.
وعندما تخرج الممثلة من السجن فانها تكتشف مدي تغير العالم الذي حولها، لقد أصبحت اكبر سنا، وليست لها أي عائلة، فتبحث عن ابنها، وتعرف مكانه هو الان شاب في مقتل العشرينات، يعيش حياة رغدة مع امه التي منحته اسم زوجها.
وهو لايعرف بالمرة أي خبر عن أصوله، وتحاول الممثلة القديمة ان تبحث عن وظيفة خادمة في البيت لتكون قريبة من ابنها، هي موصومه بالصمت أي ان بقائها في هذا البيت مربوط بالكتمان وعدم البوح بالسر.
أي أن الام هنا لا يمكنها أن تعبر عن مشاعرها ناحية ابنها، ولا أن تذكر ربة البيت أنها هي الأم التي ولدت هذا الشاب، وعلي طريقة (حسن الأمام) فان الفتي يقع في حب فتاة تعمل معهم في نفس الفرقة الفنية ويقعان في الخطيئة.

إمراة علي الهامش
وتعلم الام الحقيقة بالامر، ويصبح عليها ان تحاول ترميم جيد للجريمة، أي ان هناك خطيئة حدثت بين ابنها وفتاته، وهو يرفض في البداية ان يقترن بها باعتبار انها مجرد نزوة لا اكثر.
وبكل ذكاء وأمومه فإنها تسعي الي تقريبة من فتاته كي يتزوجها حتي أن أدي ذلك الي أن تذهب من البيت.
وأهمية دور الأم هنا أنها ستظل محتفظة بالسر بداخلها وحدها، بقية حياتها، بعد ان تحضر حفل زفافاهما، وتبدو الام الأخرى في اغلب الأحيان خارج سياق الاحداث بعيدة تمام عن مشاكل ابنها.
لقد صارت الممثلة في تلك المرحلة من العمر إمراة علي الهامش، لا يكاد يشعر بها احد، لكن تجربة الزمن تعملها الكثير، لقد حصلت علي مكانتها في هذا البيت بصعوبة.
ونالت ابنها بعد ان حرمت منه اغلب سنوات عمره، وفي المشهد الأخير فاننا نراها تغادر المكان إلي أفق جديد لايعلمه احد وهي نهاية مفتوحة تثير الحيرة.