رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
سرعان من أن أثار تعيين (تال شاليف) موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي
(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

من يتابع الإعلام الإسرائيلي، يعلم جيداً اسم الصحفية الإسرائيلية (تال شاليف) مراسلة الشؤون العسكرية بموقع (واللاه نيوز).. ذات التاريخ الصحفى الحافل بالحقد والإساءة للشعب الفلسطيني بكافة إنتماءته السياسية.

في الثالث من سبتمبر الحالي، أعلنت شبكة (سي إن إن) الأمريكية عن تعيين (تال شاليف) ضمن طاقمها، وبحسب بيان شبكة سي إن إن: “بخبرة تمتد لنحو عقدين في تغطية مختلف جوانب السياسة والمجتمع الإسرائيلي.

ستساهم (تال شاليف) في تعزيز التغطية الإخبارية للشبكة من المنطقة في لحظة غير مسبوقة ومفصلية”، لكن ما غفلت عن ذكره الشبكة هو أن مراسلتها الجديدة هي مجندة سابقة في سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي، وتتفاخر بذلك”.

لم يكن مفاجئاً اختيار (تال شاليف)،  إذ إن مكتب المحطة الأمريكية في القدس المحتلة صار منذ سنوات جزءاً من آلية الهيمنة الإسرائيلية على السردية الإعلامية العالمية.

وسرعان من أن أثار تعيين (تال شاليف) موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مواقفها المتماهية مع مواقف جيش الاحتلال، في ظل تواصل حرب الإبادة في قطاع غزة منذ قرابة عامين.

فقد انتشرت صورة لها في ديسمبر 2023، أي بعد شهرين من بدء الحرب، نشرتها على حسابها في فيسبوك، تظهر فيها وهي ترتدي خوذة وسترة واقية واقفة إلى جانب دبابة إسرائيلية، مع تعليق “لديّ ضعف على الدبابات، غزة 2023.

فمنذ السابع من أكتوبر 2023، ومع انطلاق عملية (طوفان الأقصى) والعدوان الإسرائيلي الشرس على قطاع غزة، تواجه شبكة (سي أن أن) موجة انتقادات داخلية غير مسبوقة. موظفون وصحفيون في غرف الأخبار، داخل الولايات المتحدة وخارجها.

كشفوا أن البثّ خضع لتشويه بفعل أوامر الإدارة وآلية الموافقة على الأخبار، ما أفضى إلى رقابة صارمة على الأصوات الفلسطينية وإلى اجترار ممنهج للدعاية الإسرائيلية.

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
أقرت شبكة (سي إن إن) بأنها تتلقى الضوء الأخضر من إسرائيل

الرقابة العسكرية الإسرائيلية

وهو ما كشفه موقع (ذا إنترسبت) أن مكتب (سي إن إن) في القدس، المسؤول عن تغطية الحرب، يرسل تقاريره إلى الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وأن أي نشر حول الحرب يجب أن يحصل على موافقة مسبقة.

وأفاد التقرير، في حينه أنه في هذا السياق، تُعد أوصاف مثل (جريمة حرب، وإبادة جماعية) من الكلمات المحظورة.. ويُبلّغ عن القصف الإسرائيلي في غزة على أنه (انفجارات) لا تُنسب إلى أحد، حتى صدور بيان من إسرائيل.

وعادةً ما تُعتمد التصريحات والمعلومات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الحكوميين بسرعة، بينما تخضع التصريحات والمعلومات الصادرة عن الفلسطينيين لتدقيق شديد وتُعالج ببطء.

ومن ثم أقرت شبكة (سي إن إن) بأنها تتلقى الضوء الأخضر من إسرائيل فيما يتعلق بنشر أي مواد صحفية خاصة بالحرب الجارية في قطاع غزة، ليتم الاطلاع عليها من قبل مكتبها في القدس قبل عرضها للجمهور.

كما علق على ذلك (كلايتون موريس) المقدم على منصة (البودكاست)، وقال: إن تقارير القناة عن القتال في قطاع غزة يتم فحصها بعناية في مكتب مراسل (سي إن إن) في القدس.

مؤكداً بدوره أن المندوب الرسمي لقناة (سي إن إن) الذي كان يحاول إخفاء فضيحة (فحص) الأخبار الواردة من غزة، صرح مدافعا عن هذا الأمر قائلا إن زملاءه المحررين كانوا يحاولون فقط من هذا الأسلوب المتبع تجنب الوقوع في الأخطاء بسبب (التفاصيل المحلية) التي تتمتع بها الأوضاع، وقال (موريس) إن هذا على الرغم من أنه بإمكانهم في القناة وبكل بساطة إرسال مراسليهم إلى موقع الحدث.

أما صحيفة (ذا جارديان) البريطانية نقلت عن موظفين في الشبكة قولهم إنّ (غالبية الأخبار، بغض النظر عن دقة تقاريرها الأولية، انحرفت بسبب التحيّز المؤسّسي تجاه إسرائيل)، الأمر بلغ حدّ وصف تغطية الحرب بأنها “سوء ممارسة صحفية.

هذه التوصيفات لم تأتِ من خارج الشبكة فحسب، بل من صحفيين يعملون يومياً في جمع الأخبار. أكثر من 12 مذكرة داخلية ورسائل بريد إلكتروني مسربة كشفت أن التوجيهات تصدر من مقرّ القناة الرئيسي في أتلانتا مباشرة، وأنها تشمل تعليمات محددة حول كيفية صياغة الأخبار، واللغة المسموح بها، وما ينبغي حجبه أو تأخيره، وأبرز هذه التوصيات كانت:

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
عملية تبرئة متواصلة للجيش الإسرائيلي، بحسب شهادات صحافيين من داخل الشبكة

تبرئة متواصلة للجيش الإسرائيلي

(تمرير جميع التقارير المتعلقة بفلسطين وإسرائيل عبر مكتب القدس، الخاضع للرقابة العسكرية، مع التشكيك الدائم بأرقام وزارة الصحة في غزة، رغم تأكيد دقتها من هيئات دولية، والتذكير المستمر بأن (المسؤول المباشر هو هجوم حماس).

هذه التعليمات حوّلت التغطية إلى عملية تبرئة متواصلة للجيش الإسرائيلي، بحسب شهادات صحافيين من داخل الشبكة، لكن لنعد إلى التوصية التحريرية الأولى؛ فإحدى أبرز السياسات التي فجرت غضب الموظفين هي إلزام كل مكتب تابع للشبكة حول العالم بتمرير تقاريره المتعلقة بفلسطين وإسرائيل عبر مكتب القدس قبل النشر.

منذ يوليو 2023، أنشأت الشبكة ما يسمى بـ (سيكند آي – Second Eye) وهو إجراء مراجعة يُفترض أنه يضمن الدقة، لكنه تحوّل عملياً إلى أداة للرقابة الذاتية وتجنب غضب اللوبيات الإسرائيلية.

النتيجة كانت واضحة: تصريحات الحكومة الإسرائيلية تُبثّ على الهواء مباشرة، بينما تؤخَّر تصريحات فلسطينية أو تُلغى بالكامل. أحد الموظفين وصف هذا النظام بأنه (رقابة بديلة) لصالح حكومة الاحتلال، تقود إلى لغة موجهة تبرّئ الجيش الإسرائيلي وتهمّش الضحايا الفلسطينيين.

وأمثلة الانحياز ليست قليلة.. حين اقتحم جيش الاحتلال مستشفى الرنتيسي للأطفال في نوفمبر 2023، ادعى أن حماس تحتجز رهائن داخله، مقدماً ما وصفها بـ (أدلة) على الجدران.

كان الدليل مجرد جدول مناوبات للأطباء، لكن سي أن أن تبنّت الرواية في تقرير مصوّر من دون أي تدقيق. الأمر نفسه تكرر مع الأكذوبة الأشهر عن “قطع رؤوس الأطفال”، التي ردّدتها المذيعة سارة سيدنر مباشرة على الهواء.. لاحقاً، اضطرت للاعتراف بالخطأ والاعتذار، لكن بعد أن انتشرت الرواية عالمياً.

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
الهدف هو توضيح (من هي حماس وما الذي تمثله)

التعليمات من الأعلى

(مارك تومسون)، الرئيس التنفيذي ورئيس التحرير الجديد للشبكة، تولى منصبه بعد يومين من بدء الحرب. تاريخه في الـ (بي بي سي) أثار شكوك الموظفين، إذ سبق أن اتُهم بالرضوخ للضغوط الإسرائيلية. بالفعل، في أول اجتماع تحريري، وصف التغطية بأنها (رائعة)، وأكد أن الهدف هو توضيح (من هي حماس وما الذي تمثله).

في آواخر أكتوبر، مع تصاعد أعداد الضحايا الفلسطينيين، وصلت إرشادات جديدة إلى صناديق بريد الموظفين. طُلب منهم تذكير الجمهور دوماً بأن (السبب المباشر هو هجوم حماس وقتل المدنيين)، بينما أُرفقت تعليمات بعدم اعتماد أرقام وزارة الصحة في غزة لأنها (خاضعة لحماس).

هذه التعليمات جعلت آلاف القتلى الفلسطينيين مجرد أرقام مشكوك فيها، رغم تأكيد دقتها من جهات دولية كمنظمة الصحة العالمية.

على الصعيد العملي، فرضت إدارة المعايير والممارسات الإخبارية حظراً شبه كامل على بيانات حماس، ووصفتها بأنها “دعاية تحريضية”. في المقابل، خُصصت ساعات طويلة لبثّ تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من دون أي مقاطعة أو مساءلة.

بل إن بعض المذيعين الأمريكيين تبنوا خطاباً متماهياً مع الاحتلال، وقدموا آراء داعمة له في برامجهم، والنتيجة كانت تغطية مزدوجة: نسخة CNN ) International) تبثّ فيها تقارير أكثر شمولاً، ونسخة أمريكية تهيمن عليها الأصوات الإسرائيلية، مع حضور هامشي ومشكك فيه لأي صوت فلسطيني.

هذا التناقض جعل الموظفين أنفسهم (يشعرون بالعار)، كما ظهر في اجتماع مسرّب في لندن في فبراير 2024، حين واجه الصحفيون إدارتهم، ومن بينهم كريستيان أمانبور التي تحدثت صراحة عن “معاناتها مع تغيير الأخبار والمعايير المزدوجة”.

لم يقتصر الانحياز على السياسات التحريرية، بل امتد إلى استهداف العاملين الفلسطينيين. أنهت الشبكة تعاونها مع الصحافي عبد القادر صباح، بعد حملة شنها اللوبي الصهيوني ضده عبر نبش منشوراته القديمة على فيسبوك وربطها بحماس، رغم اعتراف الشبكة بأن مواده الصحفية “مناسبة لمعاييرها”، رضخت للضغط وأوقفته.

مقابل هذا التضييق كشفت تحقيقات صحفية أن عدداً من موظفي الشبكة عملوا سابقاً في جماعات ضغط صهيونية مثل اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة مكافحة التشهير. هذا الامتزاج بين الصحافة واللوبي المؤيد لإسرائيل جعل تلقائياً الشبكة أكثر استعداداً لإعادة إنتاج رواية الاحتلال.

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
تكشف الوقائع منذ سنوات عن حضور كثيف لجنود خدموا في قوات الاحتلال الإسرائيلي

ثكنة للجنود السابقين

تكشف الوقائع منذ سنوات عن حضور كثيف لجنود خدموا في قوات الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يجدوا طريقهم إلى أرفع المناصب التحريرية والميدانية في كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية، وتعد المحطة الأمريكية من أبرز هذه المؤسسات، التي لم تعد تكتفي بنقل السردية الصهيونية، بل باتت تستعين بالخبرات العسكرية الإسرائيلية في صناعة أخبارها.

وليست قضية (تال شاليف) حادثةً منفصلة، بل جزء من سلسلة طويلة من الأمثلة التي توضح كيف أصبحت التجربة العسكرية الإسرائيلية بوابة عبور إلى الإعلام الأمريكي خصوصاً شبكة (سي. إن. إن).

إذ تضم الشبكة أسماء مثل (شاشار بيليد)، التي خدمت بدايةً كضابطة في (الوحدة 8200)، ثم كمحلّلة تكنولوجية في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الشاباك) قبل أن تنتقل إلى الشبكة الأمريكية) لتشغل منصب منتجة وكاتبة.. لاحقاً، التحقت بشركة غوغل، حيث تولّت موقع كبيرة اختصاصيي الإعلام.

كما ضمت الشبكة (تال هاينريخ) التي أمضت ثلاث سنوات كعنصر في (الوحدة 8200) لتلتحق بعدها بـ (سي. إن. إن) منتجةً ميدانية ومسؤولة عن الأخبار في مكتب الشبكة في القدس المحتلة، قبل أن تصبح المتحدثة الرسمية باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، أما (تمار ميخائيليس) التي تعمل حالياً في (سي. إن. إن)، فقد شغلت سابقاً موقع المتحدثة الرسمية باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتتخطّى هذه الظاهرة بكثير (التحيّز) لتشكّل عملية عسكرة شاملة وممنهجة لعدد من وسائل الإعلام العالمية. فالجندي يواصل مهماته في الدفاع عن إسرائيل، لكن من خلف الشاشة، في دور مكمّل للآلة العسكرية، عبر تلميع صورتها.

وفلترة الأحداث والرواية بما يتلاءم والسردية الصهيونية، وفعلياً، ما يصل إلى الجمهور عبر هذه المحطات لا يختلف كثيراً عن بيانات الجيش الإسرائيلي، إذ تحولت المؤسسات الإعلامية إلى صانعة للرواية الإسرائيلية تحت غطاء العمل الصحفي.

(تال شاليف): الإعلام الأمريكي في خدمة جيش الإحتلال !
تشغل (تال شاليف) منصب مراسلة أولى في مكتب CNN بالقدس

تاريخ حافل في خدمة الإحتلال

قبل أن تشغل (تال شاليف) منصب مراسلة أولى في مكتب CNN بالقدس، لتؤدي دورًا محوريًا في تغطية CNN لإسرائيل والمنطقة، مع التركيز بشكل خاص على السياسة الإسرائيلية والشؤون الوطنية، وسبق لها العمل لموقع واللاه! نيوز، أحد أكبر المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، حيث كانت كبيرة المراسلين السياسيين، وكانت تُقدم عمودًا سياسيًا أسبوعيًا.

وتمتد خبرة (تال شاليف) الصحفية لعقدين من الزمن، حيث غطت الحكومة والكنيست والتطورات السياسية والجيوسياسية في إسرائيل والشرق الأوسط. خلال تلك الفترة، اكتسبت خبرة واسعة في التواصل مع كبار القادة السياسيين، بما في ذلك مقابلات متعددة مع رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، بالإضافة إلى قادة وسياسيين إسرائيليين بارزين آخرين.

كما تشمل مسيرتها المهنية المتميزة أدوارًا بارزة في صحيفة (هآرتس) وصحيفة i24 الإخبارية؛ وقناة الكنيست التلفزيونية – القناة التلفزيونية العامة للبرلمان الإسرائيلي – حيث قدّمت برنامجًا أسبوعيًا؛ ومجلة ليبرال؛ وإذاعة 103FM، حيث قدّمت نشرات إخبارية وبرامج حوارية.

قبل مسيرتها المهنية في الصحافة، أدت (تال شاليف) خدمتها العسكرية الإلزامية في إسرائيل، حيث عملت مدربة بين عامي 1998 و2000.. وخلال عملها في موقع واللاه! الإخباري، قامت برحلتها الأولى والوحيدة إلى غزة، كصحفية ضمن فريق عسكري لتغطية وحدة قتالية نسائية.

إجمالاً: (سي أن أن) ليست سوى مثال واحد على تضليل منهجي يمارسه الإعلام الغربي بالتستر على جرائم الاحتلال في غزة أو تبريره، ونزع الإنسانية عن الضحايا الفلسطينيين، وكتم صوتهم، واختزالهم في أرقام من دون قصص إنسانية حقيقية.

وكل هذا بينما قتلت إسرائيل حتى اليوم 246 صحفياً، وتطاردهم بالاستهداف الممنهج بالقتل بالإضافة إلى التجويع والتهجير، فيما تمنع دخول الصحافة الدولية إلى القطاع رغم كل المطالبات.. وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.