رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!
في البداية يتقرب (هريدي) من (الفتوّة) ليحتمي به، بل ويتعلم منه بعض أساليبه

بقلم الكاتب الإذاعي: شريف عبد الوهاب

يُعد فيلم (الفتوّة) واحدًا من أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت الصراع بين القوة والسلطة من جهة، والشعب البسيط الباحث عن لقمة العيش من جهة أخرى. الفيلم من إنتاج عام 1957، أخرجه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، وقام ببطولته كل من فريد شوقي (في دور هريدي)، و(زكي رستم) في دور (المعلم أبو زيد)، وشارك فيه أيضًا تحية  كاريوكا وتوفيق الدقن وآخرون من كبار نجوم السينما المصرية.

(الفتوة) فيلم جسّد الواقع الاجتماعي والاقتصادي في أسواق القاهرة الشعبية آنذاك، حيث يسيطر الفتوات على الأسواق والتجار، ويفرضون الإتاوات بلا رحمة، مستغلين حاجة الناس وخوفهم.

القصة تدور حول (المعلم أبو زيد) الذي يفرض سطوته على السوق، يرفع الأسعار كما يشاء، ويجبر التجار على دفع (المعلوم) أو (الأتاوة)، وإلا تعرّضوا للبطش والتنكيل.. في المقابل يظهر (هريدي) – الرجل البسيط القادم من الريف – الذي يحاول شق طريقه وسط هذا العالم القاسي.

في البداية يتقرب (هريدي) من (الفتوّة) ليحتمي به، بل ويتعلم منه بعض أساليبه، لكنه مع الوقت يكتشف أن الاستمرار تحت سطوة (المعلم أبو زيد)، يعني مزيدًا من الذل والخسارة، فيقرر أن يتحالف مع رجال السوق ويواجه المعلم الكبير بالحيلة والدهاء، حتى ينجحوا في كسر شوكته.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!
لو أسقطنا أحداث فيلم (الفتوّة) على واقعنا الراهن، يمكن القول أن (المعلم أبو زيد) يمثّل صورة أمريكا اليوم

أبو زيد = أمريكا

لو أسقطنا أحداث فيلم (الفتوّة) على واقعنا الراهن، يمكن القول أن (المعلم أبو زيد) يمثّل صورة أمريكا اليوم.. القوة الكبرى التي تفرض سيطرتها على (السوق العالمي)، تتحكم في الأسعار، وتفرض (المعلوم) السياسي والاقتصادي والعسكري على الجميع.

ومن يعترض يجد نفسه تحت العقوبات، أو التهديد، أو الاستهداف المباشر. وكما كان أبو زيد يستغل ضعف التجار وحاجتهم إلى الأمان، تفعل أمريكا الشيء نفسه مع الدول الضعيفة، تبيع لهم الحماية مقابل الخضوع والمال

اسمحوا لي أن أعيد صياغة حوار داخل فيلم (الفتوة) برؤية أحداث اليوم بين المعلم أبو زيد وهريدي.. في الفيلم، كان للصبيان والبلطجية دور أساسي في تنفيذ أوامر الفتوّة وإرهاب السوق.

وهنا يمكن تشبيه إسرائيل بدور (أحد صبيه) وأتباع المعلم أبو زيد، وهو (توفيق الدقن)، فهو الذراع التي ينفذ سياسات القوة، تضرب غزة بقسوة مدمّرة، وتصل نيرانها حتى إلى قطر بضربات تهدف إلى إضعاف المقاومة وتشويه صورة أي دعم عربي أو إسلامي لها.

فلو قمت باعادة كتابه سيناريو فيلم الفتوة فسوف اضيف هذا الحوار، وهو حوار جديد قديم بين المعلم  (أبو زيد) وأحد الصبيان (توفيق الدقن) و(هريدي).

المعلم أبو زيد: حيلك حيلك مالك ماسك في الواد كده ياهريدي.

هريدي:  يامعلم، مش عيب صبيك ينط على بيتي وأنا في حمايتك؟

المعلم أبو زيد: إيه ياد؟ ازاي تأذي هريدي اللي تبعي؟!

الصبي: يا معلم، عملتها من وراك… بس أنا ليا عنده حاجة، ولو ما جابهاش، هعملها تاني.

المعلم أبو زيد: آه.. عندك الحق.

هريدي (متعجب): إزاي عنده حق يا معلم؟! مش أنت بنفسك اللي قلتلي خلي الأمانة دي في بيتك؟

المعلم أبو زيد: صح، أنا اللي قلت كده.. بس علشان الواد صبي ده ما يعملعاش تاني، أحب أفكارك بالأتاوة.

هريدي: ما أنت لسه واخده من أيام!

المعلم أبو زيد (بابتسامة ماكرة): معلوم.. لكن الأتاوة بتتكرر، مع كل مرة حماية، ودي زيادة أبو زيد.. ولا تحب أسيب الواد ده يدخل بيتك تاني؟

هذا حوار تخيلي لفيلم (الفتوة) من خلال الأحداث الراهنة..

إسرائيل ليست سوى الأداة، لكنها تحتمي دائمًا بظهر المعلم الكبير – أمريكا – التي توفر لها الغطاء السياسي والدعم العسكري بلا حدود.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!
شخصية (هريدي) التي جسّدها فريد شوقي، فهي قريبة جدًا من وضع بعض الدول العربية اليوم

هريدي = بعض الدول العربية

أما شخصية (هريدي) التي جسّدها فريد شوقي، فهي قريبة جدًا من وضع بعض الدول العربية اليوم. هريدي في البداية تقرّب من المعلم أبو زيد، ظنًا منه أنه سيحتمي به ويستفيد من قوته. لكنه مع مرور الوقت اكتشف أن المعلم لا يعرف سوى استنزاف من حوله، وأن الخضوع له يعني المزيد من الإتاوات والذل. كذلك بعض الدول العربية اليوم تظن أن التقارب مع أمريكا أو إسرائيل سيمنحها مكانة أو حماية، لكنها تجد نفسها في النهاية مطالبة بالمزيد من التنازلات السياسية والاقتصادية، بل وربما مشاركة غير مباشرة في ضرب أشقائها.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!
فيلم (الفتوة) كان رمزًا للشعب، للتجار البسطاء الذين يدفعون الثمن دائمًا، وغزة اليوم تجسد الصورة بأبشع ما يكون

غزة = السوق المقهور

السوق في فيلم (الفتوة) كان رمزًا للشعب، للتجار البسطاء الذين يدفعون الثمن دائمًا، وغزة اليوم تجسد هذه الصورة بأبشع ما يكون.. فهي تتحمل الضربات والقصف والتجويع، تمامًا كما كان الباعة والتجار يتحملون بطش الفتوّة وصبيانه.. الغريب أن المشهد يكاد يتكرر: كما كان السوق كله يعاني، نجد اليوم أن الأمة العربية بأسرها تدفع ثمن الضعف والانقسام.

الأتاوة التي فرضها (أبو زيد) على السوق كانت تتكرر وتزيد كل مرة، دون سقف، وكذلك الحال مع أمريكا التي لا تكتفي بما أخذته من ثروات المنطقة ونفطها، بل تزيد الطلبات يومًا بعد يوم: قواعد عسكرية، تطبيع مع إسرائيل، صفقات سلاح بمليارات، وتنازلات سياسية خطيرة.. ومن يرفض يواجه مصير غزة أو سوريا أو العراق.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!
لم يستطع هريدي وحده أن يقف في وجه أبو زيد

أين الحل؟

الحل في فيلم (الفتوة)، فهل يتكرر في الواقع؟

النهاية في فيلم (الفتوّة) كانت ملهمة: لم يستطع هريدي وحده أن يقف في وجه أبو زيد، لكنه حين اجتمع مع رجال السوق، حين توحد الضعفاء، استطاعوا بالحيلة والدهاء أن يواجهوا المعلم الكبير ويكسروا شوكته.

الرسالة هنا واضحة: لا مواجهة مع (الفتوة) المنفردة، ولا أمان في حماية فردية، بل الحل في الوحدة، في التضامن، في اجتماع الكلمة. الفيلم مازال حيا والمعلم ابو زيد مات ولكن عندما تخلى هريدي عن اهل السوق ضاع

اليوم، السؤال الذي يفرض نفسه:

هل يمكن للعالم العربي – ممثلاً في (هريدي ورجال السوق) – أن يتعلم الدرس؟، هل يمكن أن نرى موقفًا موحدًا يكسر شوكة (المعلم أبو زيد) الأمريكي ويحدّ من بطش (سفروت) الإسرائيلي؟ أم أن الواقع سيظل أسوأ من السينما، حيث تتفرق الأمة، ويستمر الفتوة في ابتلاع السوق بلا مقاومة؟

شريف عبد الوهاب يكتب: (الفتوّة) مات.. وما زال الفيلم حيًا!
كان صورة رمزية للظلم الاجتماعي والاقتصادي، ورسالة خالدة بأن القوة لا تُهزم إلا بالوحدة والذكاء

خاتمة

فيلم (الفتوّة) لم يكن مجرد حكاية عن سوق قديم وفتوة جشع، بل كان صورة رمزية للظلم الاجتماعي والاقتصادي، ورسالة خالدة بأن القوة لا تُهزم إلا بالوحدة والذكاء. اليوم، ونحن نرى ما يحدث في غزة وقطر تحت الضربات الإسرائيلية والدعم الأمريكي، ندرك أن التاريخ يعيد نفسه، لكن على مسرح أكبر وأكثر دموية.

يبقى الأمل في أن تتحول مشاهد الفيلم من مجرد دراما إلى درس واقعي:  كسرشوكة الفتوة لا بالصمت ولا بالاستسلام، بل بالتضامن والدهاء، فهل يحدث ذلك في واقعنا كما حدث على شاشة السينما؟ نحن نطلب من قادة العرب في اجتماعهم ان يشاهدوا فيلم (الفتوة) المعلم (أبو زيد) مات بوحدتكم وتجميع كلماتكم وهريدي ضاع عندما ابتعد عن أهل السوق.

* رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.