رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (صوت هند رجب).. صوت غزة الذي ينبغي أن يسمعه العالم

محمود حسونة يكتب: (صوت هند رجب).. صوت غزة الذي ينبغي أن يسمعه العالم
تم العثور عليها بعد 12 يوماً جثة هامدة إلى جانب أفراد أسرتها

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

(صوت هند رجب)، ليس هو صوت تلك الفتاة ذات الخمسة أعوام التي استغاثت وهى محاصرة داخل سيارة والدها بين جثث أفراد عائلتها، وبدلاً من إغاثتها تم قتلها بـ 550 رصاصة من رصاصات جيش العار والغدر والتوحش.

ولكنه صوت غزة التي تستغيث منذ عامين ولا من مغيث، تستغيث من قصف مستمر استخدم أحدث الأسلحة حتى ألغى ملامحها وحوّل مبانيها ركاماً وشوارعها حطاماً وجمالها قبحاً، تستغيث من استهداف أطفالها ونسائها، تاريخها وحاضرها ومستقبلها، مساجدها وكنائسها، مستشفياتها ومدارسها، أبراجها وأكواخها، مدنها ومخيماتها، ولا من مغيث، تستغيث من جوع يفتك بحياة صغارها وكبارها، ومن عطش يجفف أجسادها، ومن انعدام دواء يترك مرضاها فريسة للمرض.

(هند) استغاثت، وظلت على تواصل عبر هاتف والدها مع فرق الهلال الأحمر الفلسطيني لأكثر من 3 ساعات، تستغيث وتصف ما حولها وهي محاصرة بالخراب وأمامها دبابة إسرائيلية تتحرك صوبها وتبث الرعب في أوصالها، قبل أن ينقطع الاتصال، ليتم العثور عليها بعد 12 يوماً جثة هامدة إلى جانب أفراد أسرتها، وقد مزقت رصاصات الاحتلال ال 550 جسدها الصغير.

ولم يقتلها جيش الغدر وحدها بل قتل أيضاً فريق المسعفين الذين جاؤوا لإنقاذها، فهو لا يريد سوى الموت لهند، ولغزة، وكأنه يبلغ رسالة للعالم بأن من سيغيث غزة ويساعدها هدف له، وهو ما تحقق على مدار العامين، كل من ساند غزة وساعدها كان هدفاً لجيش الاحتلال حتى ولو كان بعيداً عنها.

إسرائيل وربيبتها أمريكا استهدفا من تدخل بالقصف والقتل والاحتلال، ومن تدخل دبلوماسياً استهدفته بالعقاب والتهديد والوعيد سواءً دول وحكومات أو مؤسسات دولية، وهو نفس ما حدث مع من حاول إغاثة هند رجب الطفلة التي لا تحمل سلاحاً ولا تعرف كيفية استخدام السلاح.

محمود حسونة يكتب: (صوت هند رجب).. صوت غزة الذي ينبغي أن يسمعه العالم
لم تكن تحتاج إلى 550 رصاصة لقتلها، فرصاصة واحدة تكفي

550 رصاصة لقتلها

غزة أيضاً لا تحمل ولا تملك سلاحاً ولا تملك من أمرها شيئاً، سلاح خفيف ضعيف بلا قيمة يحمله بعض أبنائها العاقين الناهمين للسلطة الذين جلبوا لها الخراب والدمار والإبادة ومنحوا لعدو متغطرس جشع، المبرر للعدوان والاحتلال والإصرار على اقتلاع الناس من جذورهم وتهجيرهم تحت تهديد السلاح خارج أرضهم.

هند الصغيرة البريئة لم تكن تحتاج إلى 550 رصاصة لقتلها، فرصاصة واحدة تكفي، ولكنه الحقد الصهيوني على كل ما هو فلسطيني، وهو الحقد الذي عبّر عنه قادة إسرائيل وحاخاماتها وشعبها في مناسبات مختلفة، لا يكتفون بالقتل وحده ولكنهم يفرغون سواد قلوبهم على الأطفال والكبار.

وهو ذات الأمر الذي يحدث لغزة المدينة والقطاع، هم لا يبحثون عن عناصر مسلحة ولكنهم يريدون محو القطاع بكامله من الكوكب، يسوون مبانيه بالأرض، يستهدفون كل كائن حي بل وكل جماد فيه، البشر والحجر والنبات والحيوان هدف.

استغاثت (هند) فقتلوها ومزقوها وقتلوا من حاولوا إنقاذها، واستغاثت غزة فدمروها وخرّبوها وأبادوا مَن طالته أسلحتهم من أهلها، وكل هذا لا يروي مصاص الدماء نتنياهو وفريقه وداعميه.

الإعلام يتحدث وينقل ويصور منذ عامين، كثيره ضَلّل الرأي العام العالمي وقليله نقَل حقيقة بعض ما يحدث في غزة، وهذا القليل حرّك الرأي العام العالمي، ووصم إسرائيل بعار لن يفارقها حتى نهايتها الموعودة، بل وغيّر مواقف حكومات وأهدل التراب على أكاذيب امتدت منذ العام 1948 وحتى اليوم؛ واليوم جاء دور الفن، فالفن أكثر وأعمق تأثيراً من الإعلام.

شريط سينمائي واحد تم عرضه في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي اخترق قلوب مشاهديه وترك تأثيراً على كل المتابعين للمأساة الغزاوية، ونال تقدير لجنة التحكيم والتي منحته الدب الفضي، هو فيلم (صوت هند رجب) الذي تجاوز المألوف بتصفيق دام ٢٤ دقيقة لصناعه عقب عرضه في فينسيا، تصفيق مصحوب بالبكاء على حال غزة وحال الإنسانية التي أهدرت إسرائيل كرامتها بجرائمها اليومية في القطاع المنكوب.

محمود حسونة يكتب: (صوت هند رجب).. صوت غزة الذي ينبغي أن يسمعه العالم
هند مجرد طفلة وحكايتها واحدة من مئات الحكايات التي يمكن سردها بالصوت والصورة السينمائية

صوت استغاثة (هند)

تصفيق من نقاد وفنانين وصناع سينما، وجدوه فيلماً صادقاً ينقل صورة من صور كثيرة لمآسي غزة، خلط بين التمثيل والتوثيق، صوت استغاثة (هند) لم يكن صوت ممثلة طفلة تؤدي دورها ولكنه صوت الاستغاثة الحقيقي لهند، صوت الوجع والألم والموت والخراب والدمار الذي تئن منه المدينة والطفلة وكل طفل وطفلة أراد القدر أن تعيش هناك في مرمى السلاح الأمريكي والجشع الإسرائيلي.

هند مجرد طفلة وحكايتها واحدة من مئات الحكايات التي يمكن سردها بالصوت والصورة السينمائية على العالم لو أردنا إزالة القبح الصهيوني من منطقتنا ومن العالم.

المخرجة التونسية (كوثر بن هنية) تحركت وفعلت، و(إم بي سي) دعمت، والكبار بفنهم وإنسانيتهم (براد بيت وخواكين فينيكس ورونى مارا) والمخرجين (ألفونسو كوارون، وجوناثان جليزر)، انضموا إلى فريق الداعمين الممولين.

ولكن في العالم العربي والعالم كله آلاف المخرجين والمنتجين والفنانين والمبدعين الذين يمكنهم فعل ما فعله فريق (صوت هند رجب)، وفي غزة آلاف الحكايات التي يمكن أن تحكى للعالم، حكايات القتل والإبادة والتجويع والتعطيش والحرمان من الدواء، حكايات أسر أبيدت بكاملها وطفولة تمزقت وكبار انتهك شيبهم.

حكايات نساء وصبايا وشباب، أمهات وآباء وأجداد، مرضى وأصحاء، إعلاميين ورجال دفاع مدني، مسعفين وممرضين وأطباء، وكل منهم يجسد حكاية ينبغي أن يعرفها العالم لفضح هذا العدوان الآثم.

إسرائيل لا ينبغي السماح لها بالعودة لتضليل الإنسانية، ويجب أن تظل صورة ضحاياها ماثلة في الأذهان، ولنتعلم منها ومن استغلالها لما حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية لتبتز مشاعر العالم، ونحن لا نريد ابتزازاً ولكن فقط تحقيق العدالة وفضح المجرم، وهو ما لن يتحقق سوى بالسينما والدراما والمسرح مع بقاء الإعلام منبراً للتذكير حتى لا تسقط مأساة غزة في غياهب الزمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.