رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: بطحة (سلوم حداد) ورؤوس المصريين

بهاء الدين يوسف يكتب: بطحة (سلوم حداد) ورؤوس المصريين
هل يمكن أن تستفز تصريحات لممثل واحد مثل (سلوم حداد) أيا كان شأنه

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف

في اللحظات الأولى التي قرأت فيها سخرية الممثل السوري (سلوم حداد) من عدم تمكن بعض الممثلين المصريين من اللغة الفصحى، وانتقاده أن غالبيتهم يعانون من صعوبة في التحدث بالفصحى، فكرت في الرد على ما قاله.

فقد هالني أن يقع ممثل معروف مثل (سلوم حداد) في فخ التعميم، بينما وهو من يتقن التحدث بالفصحى، يفترض أن يكون مثقفا متأنيا يعرف موضع الكلمة قبل أن ينطق بها، ويعرف أن الدراما المصرية قدمت مئات الأعمال الخالدة الناطقة بالفصحى في تاريخها.

لكنني تراجعت قليلا بعد أن وجدت أن مصر كلها تقريبا انتفضت عن بكرة أبيها للرد على الممثل السوري (سلوم حداد)، رغم أنه اعتذر عما قاله وبيّن أنه لم يكن يقصد السخرية من الممثلين المصريين، فضلا عن أن الفيديو محل الجدل مأخوذ من برنامج تليفزيوني أذيع قبل سنوات.

هل يمكن أن تستفز تصريحات لممثل واحد مثل (سلوم حداد) أيا كان شأنه، كل هذا العدد من المصريين سواء من الفنانين أو الإعلاميين؟!، أم أن ما قاله سلوم حداد كان مثل (البطحة) التي نعرف أنها موجودة على رؤوسنا، ولا نريد من أحد أن يعبث فيها خوفا من أن يجدد الألم الذي تسببه لنا؟!

هل من المنطق في شيء أن كلمات صادرة من ممثل تدفع كل هؤلاء للرد؟!، أليس في الرد عبر استدعاء عشرات الممثلين المصريين ممن قدموا أدوارا خالدة باللغة الفصحى اعترافا بالنقص الذي تحدث عنه (سلوم حداد)؟!

بهاء الدين يوسف يكتب: بطحة (سلوم حداد) ورؤوس المصريين
ألم يفكر أحدنا ما الذي جعل المؤلف الموهوب (عبد الرحيم كمال) يلجأ لاستخدام اللغة العامية في (الحشاشين)

نشر فيديوهات قديمة

هل جرحتنا الكلمات لدرجة قيام بعض الصفحات الفنية على مواقع التواصل بنشر فيديوهات قديمة لممثلين مصريين عظماء يتحدثون بالفصحى، دون أن تدرك أنها تؤكد (ضمنيا) بما تفعله ما قاله الممثل السوري من أن الممثلين المصريين الحاليين يندر أن تجد بينهم من يجيد التحدث بالفصحى؟!

صحيح أن مصر لديها رصيد ضخم ومشرف من الأعمال الناطقة بالفصحى، لكن أين هذه الأعمال في السنوات الأخيرة، وكم ممثل مصري حالي يستطيع أداء دور في مسلسل تاريخي يتحدث فيه باللغة العربية الفصحى؟!

ألم يفكر أحدنا في السبب الذي جعل المؤلف الموهوب (عبد الرحيم كمال) يلجأ لاستخدام اللغة العامية في مسلسل تاريخي، هو مسلسل (الحشاشين) كان يتوجب أن يتحدث الممثلون المشاركون فيه بالفصحى، خصوصا أنه يحكي عن أشخاص ليسوا مصريين، وبالتالي لم يكن منطقيا أن يتحدثوا بالعامية المصرية؟!

الأهم من هذا هو سبب شعور الكثيرين منا بالغضب حين ينتقدنا شخص غير مصري؟! هل هى الكرامة الوطنية التي تجعلنا نرفض أي نقد خارجي، باعتبار أنه يهدف للتقليل من قيمة مصر بتاريخها وعظمتها وما إلى ذلك؟!

أم أن الأمر له علاقة بميراث إعلامي سيىء زرع في عقول المصريين على مدى عقود أن من ينتقدون أي شيء في مصر هم من الكارهين لها المتربصين بها، الحاقدين على ريادتها التي كانت قبل زمن طويل ولم تعد كذلك سواء سياسيا واقتصاديا، أو إعلاميا وفنيا، ولم يتبق لنا من سبق نتباهى به على شعوب العالم سوى قدرتنا الفريدة على السخرية من أي وكل شيء؟!

بهاء الدين يوسف يكتب: بطحة (سلوم حداد) ورؤوس المصريين
لم يعد لهما من هدف سوى ضمان الإبقاء على عقول المصريين أسيرة فقاعة الأوهام

فقاعة الأوهام التي صنعاها

الحقيقة التي لابد وأن نعترف بها إن أردنا أن يستعيد إعلامنا وفننا ريادتهما الإقليمية، أن الاثنين لم يعد لهما من هدف سوى ضمان الإبقاء على عقول المصريين أسيرة فقاعة الأوهام التي صنعاها على مدار سنوات طويلة، والهدف منها هو خدمة أي نظام يأتي للحكم، انطلاقا من أن تغييب الشعب يطيل عمر النظام وينعش الحسابات البنكية لمن يقومون بالتغييب.

لعلي أتذكر واقعة تكشف ما أقصده عن تلك الفقاعة، حدثت في عام 2001 وتحديدا وقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كنت وقتها في لندن مقيما في فندق تابع لجهة مصرية، فائدته الوحيدة أن أجهزة التليفزيون في الغرف تلتقط إرسال الفضائية المصرية.

كنت طوال اليوم أتابع تغطيات القنوات العالمية والعربية للحدث الأكثر رعبا في التاريخ الحديث، والتحليلات التي يقدمها متخصصون يحاولون فيها تفسير كل تفاصيل ما حدث، واستقراء ما هو قادم، وعندما عدت في المساء الى غرفتي فكرت في متابعة الأحداث من وجهة النظر المصرية.

لكنني صدمت وقتها عندما شاهدت مذيع نشرة الأخبار الرئيسية في التلفزيون الرسمي المصري، يذيع الخبر الأول في النشرة، ولم يكن عن الحدث ولا تداعياته على المنطقة والعالم.

لكنه كان عن امتنان الرئيس الأمريكي (جورج بوش) لبرقية العزاء التي أرسلها الرئيس الراحل حسني مبارك له في من لقوا حتفهم في تفجير برجي التجارة في نيويورك، أي أن برقية الرئيس الأسبق أهم من وجهة نظر صانع الأخبار في مصر من حدث بمثل ضخامة الهجمات غير المسبوقة تاريخيا!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.