
بقلم الكاتب والناقد: ناصر العزبي
مفارقات غريبة دفعتي للكتابة عن مسرحية فرقة (فرسان الشرق للتراث)، تبدأ المفارقة مع مطالعتي خبر أن عرض (رماد من زمن الفتونة) قد تم اختياره للمشاركة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.
بما يعني أن اللجنة التي اختارتها اللجنة العليا لترشيح عروض مصرية للمهرجان رأت أن هذا العرض يتفوق على كل العروض المصرية المتنافسة، وأنه بلغ من الجودة الفنية ووفق المعايير المحددة ما يجعله يستحق تمثيل مصر في هذا المهرجان العالمي، وأن به من المقومات ما يمنحه القدرة على المنافسة الدولية للفرق المشاركة.
وتأتي المفارقة بمطالعتي خبر إلغاء فرقة (فرسان الشرق للتراث) التابعة لدار الأوبرا المصرية – التي تقدم (رماد من زمن الفتونة) – بدمجها في فرقة الرقص الحديث بدار الأوبرا المصرية، بناء على قرار مجلس إدارة الدار، وهنا تبرز المفارقة التي تبدو (كأن القرار عقوبة للتميز.!!)
المفارقة الثانية تأتي عند علمنا بأن فرقة (فرسان الشرق للتراث) تعد من أحدث فرق وزارة الثقافة بالألفية الجديدة، تأسست عام 2009، بهدف استلهام التراث المصري وتقديمه على خشبة المسرح في سياق فني درامي راقص، وتم ضمها الفرقة إلى دار الأوبرا المصرية عام 2013.
وخلال تلك السنوات القليلة اتسم انتاجها بالتميز والحفاظ على فلسفتها وهويتها، وحصدت مسرحيتها الراقية والمتميزة الكثير من الجوائز على المستويين المحلي والدولي، على عكس الكثير من الفرق القديمة التي حادت عن فلسفتها ولم تحافظ على هويتها كفرقة ولا هويتنا، وليست تلك هي المفارقة الثانية فقط.
بل أن المفارقة التي أشير إليها هنا هو قرار دمجها في فرقة الرقص الحديث، ما يعني الغاء هويتها التي ميزتها وبدلا أن تكون هناك فرقة تختص بهويتنا الثقافية في وقت نحن أشد الحاجة فيه لتأكيدها، وأن أرى أن القرار الجديد يسهم في تمييع الهوية ويردنا للخلف، ويحاول مصدر القرار أن يوهمنا بأنه تصويب لقرار إنشاء الفرقة كأنه كان قرارً خاطئ.

رئيس دار الأوبرا وراء الإلغاء
والمفارقة الثالثة أن قرار ضم فرقة (فرسان الشرق للتراث) إلى فرقة (الرقص الحديث)، جاء على أثر مقترح من الفنان (وليد عوني) وأشير إلى أن المفارقة هنا، أن (عوني) نفسه – مع خالص تقديري لتخصصه وخبراته – هو من تولى الإدارة الفنية للفرقة وقت تأسيسها منذ أكثر من 15 سنة.
بما يثير الكثير من علامات الاستفهام، فكيف له إذن أن يقترح إلغائها ودمجها الآن؟!، وماذا سيقدم لها الآن وهو الذي تولى تأسيس فرقة الرقص الحديث بمصر منذ 37 سنة، وأن من أدار فرقة فرقة (فرسان الشرق للتراث)، خلف له هم تلامذته – أي نفس مدرسته – وإن تميزوا عنه بانتمائهم للهوية المصرية كمصريين.
وبقى أن نتوقف أمام الأسباب التي دعت رئيس دار الأوبرا إلى إلغاء الفرقة ودمجها مع فريق (الرقص الحديث) في فرقة واحدة، بادعاء أن ذلك يأتي في إطار إعادة هيكلة جميع الإدارات التي تتبع الدار بما يحقق العائد الثقافي والمالي للقطاع.
وبزعم أن المستوى الفني للفرقة لا يحقق العائد الثقافي والمالي المرجو، لافتا إلى أن الفرقة تنفق مبالغ مالية رهيبة ولا تحقق نسبة مقبولة من العائد المادي، خاصة مع وجود فرقة للرقص الحديث تقدم نفس الأفكار.
وبزعم أن أعضاء فرقة فرقة (فرسان الشرق للتراث) سيعملون بطريقة أخرى ضمن فرقة الرقص الحديث لتكون أكبر وأفضل، وهذا كلام ليس مدروس – وفارغ من المحتوى – ومردود عليه!
فالبنسبة للعائد المادي من تلك العروض فإن ذلك مرجعه إصرار إدارة الأوبرا على نظام برنامج عروض الفرق على فترات متقطعة ومتباعدة، بما لا يتيح للجمهور متابعة عروضها حيث تكاد تكون سرية، مع ملاحظة أن مثل تلك العروض يلزمها دعاية مكثفة تفوق دعاية العروض المنتظمة.
وأرى أن هذا النظام المعمول به في الدار يعد إهدارا للعروض، ومن ثم إهدار للمال العام، الأمر يحتاج لتغيير هذا النظام، خاصة وأن تلك العروض التي تقدمها الفرقة يمكن تسويقها مع الشركات السياحية ولتحقق إلى جانب العائد المادي ترويجًا لثقافتنا أولاً، وتدر عائدًا بالعملة الصعبة ثانيًا.
وأما عن المستوى الفني فالرد عليه يكون بأن عدد مرات ترشيح عروض القرقة للمشاركة بالمهرجانين القومي والتجريبي عبر مسيرتها، وعدد الجوائز التي حصدتها أو رشحت لها فيهما، وهذا بخلاف المشاركات الدولية الخارجية.

فرقة (الرقص الحديث)
وأما عن أن (فرقة الرقص الحديث) تقدم نفس الأفكار، فإن في هذا ادعاء حق يراد به باطل، ففرقة التراث تقدم عروض تتفق مع فلسفتها وهويتها، ومن المفترض أن يكون المأخذ هنا على فرقة (الرقص الحديث) التي تجور على فلسفة غيرها ولا تلتزم بفلسفتها، وهذا الأمر يدين إدارة در الأوبرا أنها توافق على مشاريع فنية ليست ضمن فلسفة فرقة (الرقص الحديث)..!
وأما زعم أن صهر أعضاء الفرقتين في فرقة واحدة تكون أكبر وأفضل، فهذا غير صحيح، لأن أبسط القواعد تشير أنه كلما اتسعت قاعدة عضوية الفرق كلما زادت المناوشات والمشاكل داخلها.
ومن ثم أطالب دار الأوبرا بالتراجع عن هذا القرار، ولا يعيب مجلس إدارة الدار التراجع في قرار خاطئ، وفي حال عدم قدرته على تسيير واحدة من أهم الفرق بمصر، فإن هذا يستوجب على أعضائه الاستقالة، ويتم تكليف إدارة غيرها تقدر القيم الفنية، وتدعم هويتنا الثقافية.
وأخيراً أعرض الأمر على معالي وزير الثقافة على أمل مراجعة مجلس إدارة دار الأوبر في هذا القرار الخاطئ والتوجيه بتصويبه.
وأخيراً؛ أتوجه بهذا الموضوع لكل من يهمه الأمر، ولمعالي الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة لمراجعة هذا القرار الخاطئ، ومحسبة المقصرين ممن هم وراء هذا القرار، والتوجه بالعمل على تذليل أي عقبات تعوق تحقيق الأهداف المرجوة من انشاء الفرقة، بل والتسبب في عدم تحقيق العائد المادي يعطي مصاريفها وإنتاجاتها، بل وعدم تحقيق أرباحًا!